مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/01/31 19:33
أساس قناعة قاضي التحقيق (3)
أساس قناعة قاضي التحقيق(3)
سميرة بيطام
 
ثانيا: حرية قاضي التحقيق في الإثبات

      تقدير قيمة أدلة الإثبات في المادة الجزائية –بخلاف الوضع في المادة المدنية- قد يتولاه المشرع كاستثناء ، و لكن القاعدة العامة أن قيمة الأدلة تقدم بحسب ما تتركه من اقتناع في وجدان القاضي استنادا إلى مبدأ الاقتناع الشخصي (1)
Le principe de l’intime Conviction    
فقيمة الدليل مرتبطة بمدى قناعة القاضي به ، لكن ما مدى مجال حرية القاضي في الإثبات الجنائي و هل سطر القانون ضوابط لهذه الحرية ؟.
يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن للقاضي الجنائي دورا ايجابيا و هو أنه لا يكتفي بما يقدمه أطراف الدعوى من أدلة ، و إنما له من السلطة ما تجعله يقوم بنفسه باتخاذ جميع الإجراءات التي يراها مناسبة للكشف عن الحقيقة الفعلية و ليست أي حقيقة و هي الحقيقة الموضوعية و التي تكون أقرب إلى الواقع.
     و القانون قد فتح باب الإثبات (الإثبات الحر) أمام القاضي الجزائي حتى يختار ما يرشده إلى كشف الحقيقة لموازنة القوة الدفاعية الاقناعية لعناصر الإثبات و تقديرها من خلال الوقائع و ظروفها ، على عكس القاضي المدني الذي يكون مقيدا بطرق إثبات محددة ووسائل معينة و يلتزم في الظاهر بما يقدمه الخصوم و يقف مقيدا سلبيا ، لذا يطلق على الحقيقة التي ينشدها أطراف الدعوى المدنية و التي يريدون إعلانها في الحكم المدني بالحقيقة الشكلية(2).
و اقتناع القاضي الجزائي مرهون بشروط و هي (3):
*الإحاطة بكل الأدلة المدرجة في ملف الدعوى و مناقشتها طبقا للقانون ، و عدم الاكتفاء بمناقشة بعضها فقط.
*أن يكون الدليل ضمن أوراق الدعوى و يطرح في جلسة المحاكمة.
*أن يكون وليدا إجراء صحيح.
*أن تكون الأدلة المعتمد عليها متساندة لا يشوبها خطأ في الاستدلال و لا تناقض و تخاذل.
      هناك من يميز بين وسائل الإثبات و عناصره ، فوسائل الإثبات في كل نشاط يتجه نحو كشف حالة أو واقعة أو شخص أو شيء يفيد في إثبات الحقيقة و يطلق عليها إجراءات الإثبات ، أما عناصرالاثبات فهي الأدلة و تتمثل بالوقائع أو الأشياء أو غيرها التي تكشف عنها إجراءات الإثبات و تنقلها إلى مجال الدعوى التي من خلالها يتم إثبات الجريمة (4).
    و تعد وسائل الإثبات من المسائل الهامة و الحيوية في مجال دراسة القضاء الإسلامي ،و الأسلوب الذي يتبعه القاضي في الإثبات يتوقف عليه إحقاق الحق و رجحان ميزان العدالة به ، و إن فساد الأسلوب في الإثبات يحول دون وصول الناس إلى حقوقهم ، من أجل ذلك فان لوسائل الإثبات مكانة عالية عند الفقهاء ، و قد أخذ منهم الاهتمام الكامل حتى ألفوا فيه كتبا أفرادها في هذا الباب منها : الطرق الحكمية لابن القيم الجوزية ، و تبصرة الحكام لابن فرحون ، و معين الحكام لعلاء الدين الطرابلسي ، و كتب أدب القضاء(5).
   فالقانون و الفقه على السواء أعطيا أهمية لوسائل الإثبات لما لهذا العنصر من أهمية خاصة في إقرار الأدلة ،باللجوء إلى أهل الخبرة و المعرفة و الاختصاص ،فهو أمر ضروري من أجل تحقيق العدالة في المجتمع و أنه لا مناص للقاضي من الرجوع إلى أهل الخبرة لمساعدته في إيصال الحق إلى أصحابه.و رغم وجود نص صريح يشير إلى سلطة قاضي التحقيق في تقدير الأدلة المعروضة على بساط البحث ، و بالتبعية عدم وجود نص يشير إلى القوة الاقناعية لنتائج تقرير الخبرة رغم أن المواد المنظمة لها منظومة تحت سلطات التحقيق ، و أن سلطة الأمر بالخبرة تعود إليه أصلا(6).
لكن هذا لا ينفي حرية القاضي في أن يقتنع بأي دليل يطمئن إليه ، لأن مهمة القاضي الجنائي هو الوصول إلى الحقيقة ، و لا شك أن مصداقية إلقاء القضاء  تتوقف على مدى قدرته في الوصول إليها .
     و هذا ما بينته المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية المصري ، بأن يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته و مؤدى المبدأ هو أن يكون للقاضي مطلق الحرية في تقديره لأدلة الدعوى ، فله أن يأخذ بها و له أن يطرحها ، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده  القانون بها بذلك ، و هو الأصل في الجرائم على اختلاف أنواعها ، إلا ما استثني بنص خاص جاز إثباتها بكافة الطرق القانونية و قرائن الأحوال ،و يعد هذا قيد على حرية القاضي كسياسة للحد من سلطته المطلقة(7).
   فالقاضي لا يكتشف دليلا كان موجودا سابقا ، لكنه ينشىء حقيقة جديدة لم تكن موجودة اليوم في عالم القانون ، عالم اصطناعي ، حتى و إن ساير الواقع لأجل ذلك فالقضاء مطالب بالتنظيم (8).
 
 
 
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نجيمي جمال ، إثبات الجريمة على ضوء الاجتهاد القضائي –دراسة مقارنة-، الجزائر ، دار هومة ، 2011،ص 70.
(2)عادل مستاري ، دور القاضي الجزائي في ظل مبدأ الاقتناع القضائي ،مجلة المنتدى القانوني ،بسكرة، جامعة لخضر محمد خيضر ،العدد الخامس ، مارس 2008 ، ص182.
(3)نجيمي جمال ، المرجع السابق،ص 72.
(4)أنظر الدكتور فاضل زيدان ،سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة –دراسة مقارنة- رسالة دكتوراه ، مطبعة الشرطة ،بغداد ،1992 ،ص126.
(5)د.محمود شمس الدين عبد الأمير الخزاعي و الخبير اللغوي الدكتور عادل هادي حمادي ، رجوع القاضي إلى أهل الخبرة في الفقه الإسلامي ، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية ، كلية القانون ، الفلوجة ، العدد الرابع ، المجلد الأول لسنة 2009 ،ص1.
(6)خروفة غانية ،سلطة القاضي الجنائي في تقدير الخبرة ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في القانون الجنائي و العلوم الجنائية ، جامعة منتوري ،قسنطينة ،كلية الحقوق و العلوم السياسية ، 2008/2009 ،ص 85.
(7)د.إيمان محمد علي الجابري ،يقين القاضي الجنائي –دراسة مقارنة في القوانين المصرية و الإماراتية  و الدول العربية و الأجنبية ، الإسكندرية ، منشأ المعارف للنشر ،2005 ،ص 264.
(8)Jean-luois Halpérin, la preuve judiciaire et la liberté du juge : Ecole normale supérieure , paris , sans cité l’année de publication.
 
 
 
 يتبـــــــــع.....

أضافة تعليق