مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/25 10:06
الدور القيادي للاسلام في الانبعاث الحضاري
الدور القيادي للإسلام في الانبعاث الحضاري
سميرة بيطام
 
ان التفكير الاستنتاجي من الحواس يجعلنا نفكر في معرفة حقيقة  عدم تفعيل الدين الاسلامي حقيقة بمنطق القول و الفعل مثل ما جاء به النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم .
و اذا تعمقنا في الفكر البشري الذي يشوبه التقصير نأخذ على سبيل المثال مؤلفات ديكارت فهي تنزع الى الفلسفة و ليس الى العلم ، كأن يقول في اثبات الله : " ان الله كائن أبدي غير محدود و هو الذي خلقني  و أنا محدود زمانا و مكانا و اذا كنت أعرف شيئا أكمل مني فهذه المعرفة قد جاءتني من الخارج و لست أنا أصلها ، جاءتني من كائن كامل هو الله"..
هو رأي فيلسوف بحث عن حقيقة نقرها نحن كمسلمين بالتوحيد و بالانتماء بفطرة سليمة الى الديانة الاسلامية  ، اذ لم  نعد بحاجة الى اعادة بث هذا المفهوم الوجودي لله في قلوبنا و عقولنا  بعد قرون خلت من امتداد الرسالة المحمدية المفصلة لمضمون الاسلام بسنة واضحة الأبعاد و المعالم .
و اذا كان القرن السادس و السابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ  بلا شك، حيث كانت الانسانية متدلية و منحدرة الى أسفل مستوى من الانحطاط فقد زاد هذا العصر اختلالا في ميزان الفهم الصحيح للإسلام لدى المسلمين و تطبيق تعاليمه كما نص عليه القرآن الكريم ، ما جعل رجال الدين من جهة أخرى  يفرون بدينهم الى خلايا و أركان الكنائس و الخلوات حفاظا على مقدساتهم في حين المسلمون اليوم دخلوا اليوم  في صراع  و حروب نخرت جسد الأمة الاسلامية كاملة و انتشر الاستبداد في أنظمة الحكم بشكل ملفت للانتباه ما جعل الشعوب لا تقر مصيرها على النحو الصحيح و الذي يرضيها ،و ما ثروات الربيع العربي الا محصلة لسوء تقدير و سوء تفعيل للقيم التي جاء بها الاسلام ،فالخطأ يرد حتى من الاسلاميين حينما لا يطبق الاسلام بمعانيه العالية في تجسيد معاني التسامح و الرحمة و التآخي و الايثار و كل معاني الأخلاق السامية..
فكثيرا من السلاطين في الأمم كانوا كلا على ظهر الأرض وويلا على الرغبة الانسانية و عذابا مؤرقا للأمم الصغيرة و الفقيرة و الضعيفة و كانوا منبعا ملوثا للفساد و المرض في جسم المجتمع البشري.
و ما آل اليه أمر المسلمين اليوم انما هو محصلة طبيعية لما احتلت الأمم الأوروبية  قيادة المصير العربي و الاسلامي الى ناحية التولي للوراء و لو أن مساع صادقة لا تزال تبذل حفاظا على الارث المحمدي.
فكيف يكون الحال لو نهض العالم الاسلامي من كبوته و صحا من غفوته بل من سباته و تملك زمام القيادة في تقرير مصير الشعوب من غير تبعية جارفة تلقي الويل و الدمار بذوق الاذلال و الاستبداد؟.
أظنه ليس هذا هو السؤال المهم الآن و انما ما أراه لائقا للطرح هو :أي قيادة رشيدة نريد؟؟..
أستحضر اللحظة حادثة أبو سفيان لما دخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ،فقال:
يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟، فقالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنت رجل مشرك نجس..
و قال عبيدة بن مسعود الثقفي لأصحابه بعدما رجع من الحديبية :أي قوم و الله لقد وفدت على الملوك ،على كسرى و قيصر و النجاشي، و الله ما رأى ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، و الله أن تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه و جلده ، و اذا أمرهم ابتدروا أمره ، و اذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه  ، و اذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ،و ما يحدون اليه النظر تعظيما له.
هي دلائل الانقياد و الطاعة لقدوة رسمت أبعاد الحب و التآخي و التآلف فيما بين قلب الراعي و الرعية بدقة متناهية، فحينما أحب القوم رسول اله صلى الله عليه وسلم أطاعوه و لما أطاعوه صلح حالهم لصفاء ذاك الانقياد لخير قدوة على وجه الأرض ، و ما يعانيه المسلمون اليوم هو تضارب و تخبط فيما بينهم بسبب الفتن و اختلاف المناهج في تمثيل الاسلام للتعبير عن الانتماء له انتماءا يليق بقداسته ، و لكن اختلاف المناهج ولد منطقا آخر من الكراهية مثل ما هو واقع اليوم بين الشيعة و السنة و مثل ما  هو واضح في علاقات المسلمين البسيطة ، اذ لا يكاد المسلم يخطأ بحق أخيه الا و يقاطعه زمنا من الدهر ، مع أن دقائق الفصل في الخصومات و النزاعات واردة بنصوص شارحة لمعنى التسامح و العفو عند المقدرة.. فلما الاصرار على الكراهية و الانفصال ؟..و هذا أبسط الأمثلة.
فالإسلام جاء قويا و سيبقى رغم كل محاولات تشويه صورته الحقيقية و البدء حينما تزعم المسلمون العالم  و عزلوا الأمم المريضة من زعامة الانسانية التي استغلتها و أساءت عملها ،و ساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا و عادلا، و هذا يعود الى توفر القادة على صفات تؤهلهم لقيادة الأمم ،و من أهم الصفات التي كان يتحلى بها القادة المسلمون الأكفاء فيما مضى أنهم :
1-طبقوا أحكام الشريعة الاسلامية ،  فلا يفتون من أنفسهم فيما ليس لهم علم به و يحكمون العقل قبل العاطفة في اتخاذ القرارات و تفعيل الأوامر التي تخدم مصلحة المسلمين بالدرجة الأولى من غير التفات الى صور الضعف التي كانت تعترض المسيرة من حين لآخر لكنها سنة الأمم في الارتقاء نحو الأفضل دائما و المثل ينطبق على الحكم العثماني .و لو أن تفعيل الحكم الرشيد في هذا العصر أصبح مجرد تسمية من غير واقع حقيقي معاش لصور هذا الحكم العادل في مضمونه و المغيب في حقيقته.
2-تولي القيادة فيما مضى كان بعد تلقي تربية سليمة  و تزكية نفس و فهم صحيح للإمارة ، ففي زمن الخلافة المحمدية لبث الصحابة زمنا طويلا تحت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم و تحت اشرافه الدقيق على سلوكات الناس فيقوم بالتقويم  و يسدي النصح و يصحح الأخطاء على درجة عالية من الحلم و اللين ، فيزكيهم و يؤدبهم و يأخذ بالزهد معهم مع العفاف و الورع مفعلا في ذلك الخشية من الله و عدم الاستشراف للامارة و الحرص عليها بقوله " انا و الله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه" و لا يزال القول الحق يقرع أذان الفاهمين لمنطق الرسول القيادي الأعظم مصداقا لقوله تعالى " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين" ، فكان الصحابة لا يتهافتون لتولي القيادة بل كانوا يخشون من تحمل الأمانة لثقلها و ان حدث و تولوا صورة من صور القيادة أدركوا انها تكليف من الله و ليس تشريف.
و لهذا كان لظهور القيادة الاسلامية بروحها و مظاهرها  و قيام الدولة الاسلامية بشكلها و بمضمون العدل فيها في القرن الأول لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كظاهرة قيادية شريفة و منزهة من الأهواء ، حيث  مثلت بذلك شرعا متوازنا معقولا كله حكمة و بداهة ازاء الأوهام و الخرافات و الأساطير ،فسادت القيادة الاسلامية الفاضلة بقوة البيان محكمة و مركزة في الأساس، فصارت وقتها عقول الناس تتأثر بجمال هذا الدين من حيث يشعرون و من حيث لا يشعرون اذ كان الانقياد منهم بتلقائية سهلة و سلسة تفتحت بها العقول و أحبت بها القلوب و تآلفت على سنتها العقول فلم يشكو وقتها مسلم من خوف على هذا الدين الى أن وصل الحال بنا ما وصل اليه من صعوبة في النهوض من كبوة أحدثتها كما سبق و ذكرت  فتن و اختلافات في الرؤى و حتى في الاستراتيجيات و لم يتم تغليب المصلحة العامة لإنقاذ ما يمكن انقاذه ، و اعطاء الفرصة الحياتية لمن يموتون يوميا تحت الأنقاض في سوريا و اليمن و العراق و بورما و غيرها من الدول المسلمة ، فلسنا نرجع سبب الركود هذا الى مضامين الاسلام كما يعتقد البعض الجاحد ،  بقدر ما هي راجعة لأساليب فهمه و منطلقات السعي نحو تمثيله  التمثيل الصحيح ، فأصبحت الدول الجاحدة على الاسلام تتخذ ممن يسيء تمثيله ذريعة لتشويه صورته الحقيقية و بالتالي اعطاء اشارة الاحتلال لأي دولة تبدو غنية بثرواتها بحجة مكافحة الارهاب و ما صور الدولة الاسلامية الحديثة لداعش الا نسق خاطىء يحاول اعطاء صورة مغايرة تماما للإسلام الذي مثله محمد صلى الله عليه و سلم و صحابته الأكفاء ،و عليه و لأجل العودة الى القيادة الاسلامية المثلى كما كانت سابقا عبر قرون خلت لابد من صحوة اسلامية تعلن انبعاثا حضاريا يجدد في الأمة و يعلن انطلاقة جديدة لمن سيجدد فيها عبر كل حقبة زمنية لأنها ارادة الله في الحفاظ على الاسلام و على المسلمين المخلصين و الصادقين و الذين سيورثون الأرض و من عليها بعهد من الله ووعد منه أن الأرض سيرثها عبادة الصالحون..
فطوبى للصالحين و طوبى لمن مثل الاسلام تمثيلا يشرف الأمة و يشرف المسلمين عبر المعمورة قاطبة.

أضافة تعليق