الدور القيادي للإسلام في الانبعاث الحضاري
سميرة بيطام
سميرة بيطام
ان التفكير الاستنتاجي من الحواس يجعلنا نفكر في معرفة حقيقة عدم تفعيل الدين الاسلامي حقيقة بمنطق القول و الفعل مثل ما جاء به النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم .
و اذا تعمقنا في الفكر البشري الذي يشوبه التقصير نأخذ على سبيل المثال مؤلفات ديكارت فهي تنزع الى الفلسفة و ليس الى العلم ، كأن يقول في اثبات الله : " ان الله كائن أبدي غير محدود و هو الذي خلقني و أنا محدود زمانا و مكانا و اذا كنت أعرف شيئا أكمل مني فهذه المعرفة قد جاءتني من الخارج و لست أنا أصلها ، جاءتني من كائن كامل هو الله"..
هو رأي فيلسوف بحث عن حقيقة نقرها نحن كمسلمين بالتوحيد و بالانتماء بفطرة سليمة الى الديانة الاسلامية ، اذ لم نعد بحاجة الى اعادة بث هذا المفهوم الوجودي لله في قلوبنا و عقولنا بعد قرون خلت من امتداد الرسالة المحمدية المفصلة لمضمون الاسلام بسنة واضحة الأبعاد و المعالم .
و اذا كان القرن السادس و السابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ بلا شك، حيث كانت الانسانية متدلية و منحدرة الى أسفل مستوى من الانحطاط فقد زاد هذا العصر اختلالا في ميزان الفهم الصحيح للإسلام لدى المسلمين و تطبيق تعاليمه كما نص عليه القرآن الكريم ، ما جعل رجال الدين من جهة أخرى يفرون بدينهم الى خلايا و أركان الكنائس و الخلوات حفاظا على مقدساتهم في حين المسلمون اليوم دخلوا اليوم في صراع و حروب نخرت جسد الأمة الاسلامية كاملة و انتشر الاستبداد في أنظمة الحكم بشكل ملفت للانتباه ما جعل الشعوب لا تقر مصيرها على النحو الصحيح و الذي يرضيها ،و ما ثروات الربيع العربي الا محصلة لسوء تقدير و سوء تفعيل للقيم التي جاء بها الاسلام ،فالخطأ يرد حتى من الاسلاميين حينما لا يطبق الاسلام بمعانيه العالية في تجسيد معاني التسامح و الرحمة و التآخي و الايثار و كل معاني الأخلاق السامية..
فكثيرا من السلاطين في الأمم كانوا كلا على ظهر الأرض وويلا على الرغبة الانسانية و عذابا مؤرقا للأمم الصغيرة و الفقيرة و الضعيفة و كانوا منبعا ملوثا للفساد و المرض في جسم المجتمع البشري.
و ما آل اليه أمر المسلمين اليوم انما هو محصلة طبيعية لما احتلت الأمم الأوروبية قيادة المصير العربي و الاسلامي الى ناحية التولي للوراء و لو أن مساع صادقة لا تزال تبذل حفاظا على الارث المحمدي.
فكيف يكون الحال لو نهض العالم الاسلامي من كبوته و صحا من غفوته بل من سباته و تملك زمام القيادة في تقرير مصير الشعوب من غير تبعية جارفة تلقي الويل و الدمار بذوق الاذلال و الاستبداد؟.
أظنه ليس هذا هو السؤال المهم الآن و انما ما أراه لائقا للطرح هو :أي قيادة رشيدة نريد؟؟..
أستحضر اللحظة حادثة أبو سفيان لما دخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ،فقال:
يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟، فقالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنت رجل مشرك نجس..
و قال عبيدة بن مسعود الثقفي لأصحابه بعدما رجع من الحديبية :أي قوم و الله لقد وفدت على الملوك ،على كسرى و قيصر و النجاشي، و الله ما رأى ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، و الله أن تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه و جلده ، و اذا أمرهم ابتدروا أمره ، و اذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، و اذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ،و ما يحدون اليه النظر تعظيما له.
هي دلائل الانقياد و الطاعة لقدوة رسمت أبعاد الحب و التآخي و التآلف فيما بين قلب الراعي و الرعية بدقة متناهية، فحينما أحب القوم رسول اله صلى الله عليه وسلم أطاعوه و لما أطاعوه صلح حالهم لصفاء ذاك الانقياد لخير قدوة على وجه الأرض ، و ما يعانيه المسلمون اليوم هو تضارب و تخبط فيما بينهم بسبب الفتن و اختلاف المناهج في تمثيل الاسلام للتعبير عن الانتماء له انتماءا يليق بقداسته ، و لكن اختلاف المناهج ولد منطقا آخر من الكراهية مثل ما هو واقع اليوم بين الشيعة و السنة و مثل ما هو واضح في علاقات المسلمين البسيطة ، اذ لا يكاد المسلم يخطأ بحق أخيه الا و يقاطعه زمنا من الدهر ، مع أن دقائق الفصل في الخصومات و النزاعات واردة بنصوص شارحة لمعنى التسامح و العفو عند المقدرة.. فلما الاصرار على الكراهية و الانفصال ؟..و هذا أبسط الأمثلة.
فالإسلام جاء قويا و سيبقى رغم كل محاولات تشويه صورته الحقيقية و البدء حينما تزعم المسلمون العالم و عزلوا الأمم المريضة من زعامة الانسانية التي استغلتها و أساءت عملها ،و ساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا و عادلا، و هذا يعود الى توفر القادة على صفات تؤهلهم لقيادة الأمم ،و من أهم الصفات التي كان يتحلى بها القادة المسلمون الأكفاء فيما مضى أنهم :
1-طبقوا أحكام الشريعة الاسلامية ، فلا يفتون من أنفسهم فيما ليس لهم علم به و يحكمون العقل قبل العاطفة في اتخاذ القرارات و تفعيل الأوامر التي تخدم مصلحة المسلمين بالدرجة الأولى من غير التفات الى صور الضعف التي كانت تعترض المسيرة من حين لآخر لكنها سنة الأمم في الارتقاء نحو الأفضل دائما و المثل ينطبق على الحكم العثماني .و لو أن تفعيل الحكم الرشيد في هذا العصر أصبح مجرد تسمية من غير واقع حقيقي معاش لصور هذا الحكم العادل في مضمونه و المغيب في حقيقته.
2-تولي القيادة فيما مضى كان بعد تلقي تربية سليمة و تزكية نفس و فهم صحيح للإمارة ، ففي زمن الخلافة المحمدية لبث الصحابة زمنا طويلا تحت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم و تحت اشرافه الدقيق على سلوكات الناس فيقوم بالتقويم و يسدي النصح و يصحح الأخطاء على درجة عالية من الحلم و اللين ، فيزكيهم و يؤدبهم و يأخذ بالزهد معهم مع العفاف و الورع مفعلا في ذلك الخشية من الله و عدم الاستشراف للامارة و الحرص عليها بقوله " انا و الله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه" و لا يزال القول الحق يقرع أذان الفاهمين لمنطق الرسول القيادي الأعظم مصداقا لقوله تعالى " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين" ، فكان الصحابة لا يتهافتون لتولي القيادة بل كانوا يخشون من تحمل الأمانة لثقلها و ان حدث و تولوا صورة من صور القيادة أدركوا انها تكليف من الله و ليس تشريف.
و لهذا كان لظهور القيادة الاسلامية بروحها و مظاهرها و قيام الدولة الاسلامية بشكلها و بمضمون العدل فيها في القرن الأول لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كظاهرة قيادية شريفة و منزهة من الأهواء ، حيث مثلت بذلك شرعا متوازنا معقولا كله حكمة و بداهة ازاء الأوهام و الخرافات و الأساطير ،فسادت القيادة الاسلامية الفاضلة بقوة البيان محكمة و مركزة في الأساس، فصارت وقتها عقول الناس تتأثر بجمال هذا الدين من حيث يشعرون و من حيث لا يشعرون اذ كان الانقياد منهم بتلقائية سهلة و سلسة تفتحت بها العقول و أحبت بها القلوب و تآلفت على سنتها العقول فلم يشكو وقتها مسلم من خوف على هذا الدين الى أن وصل الحال بنا ما وصل اليه من صعوبة في النهوض من كبوة أحدثتها كما سبق و ذكرت فتن و اختلافات في الرؤى و حتى في الاستراتيجيات و لم يتم تغليب المصلحة العامة لإنقاذ ما يمكن انقاذه ، و اعطاء الفرصة الحياتية لمن يموتون يوميا تحت الأنقاض في سوريا و اليمن و العراق و بورما و غيرها من الدول المسلمة ، فلسنا نرجع سبب الركود هذا الى مضامين الاسلام كما يعتقد البعض الجاحد ، بقدر ما هي راجعة لأساليب فهمه و منطلقات السعي نحو تمثيله التمثيل الصحيح ، فأصبحت الدول الجاحدة على الاسلام تتخذ ممن يسيء تمثيله ذريعة لتشويه صورته الحقيقية و بالتالي اعطاء اشارة الاحتلال لأي دولة تبدو غنية بثرواتها بحجة مكافحة الارهاب و ما صور الدولة الاسلامية الحديثة لداعش الا نسق خاطىء يحاول اعطاء صورة مغايرة تماما للإسلام الذي مثله محمد صلى الله عليه و سلم و صحابته الأكفاء ،و عليه و لأجل العودة الى القيادة الاسلامية المثلى كما كانت سابقا عبر قرون خلت لابد من صحوة اسلامية تعلن انبعاثا حضاريا يجدد في الأمة و يعلن انطلاقة جديدة لمن سيجدد فيها عبر كل حقبة زمنية لأنها ارادة الله في الحفاظ على الاسلام و على المسلمين المخلصين و الصادقين و الذين سيورثون الأرض و من عليها بعهد من الله ووعد منه أن الأرض سيرثها عبادة الصالحون..
فطوبى للصالحين و طوبى لمن مثل الاسلام تمثيلا يشرف الأمة و يشرف المسلمين عبر المعمورة قاطبة.