مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/14 20:50
الثبات الذي نريد الكاتب : حشاني زغيدي
     يقول الإمام البنا : ( وأريد بالثبات : أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام ، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين ، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية ، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، والوقت عندنا جزء من العلاج ، والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات ، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود معها يحصل عظيم الأجر وجميل المثوبة.

     إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء  فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) رواه مسلم
وهذه أمُّ سلمة رضي الله عنها تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: ((اللهم مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنَّ القلوب لتتقلب؟! قال: ((نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء الله أزاغه)) أخرجه أحمد في مسنده الترمذي في جامعه بإسناد صحيح، فلا تفتر أخي في طلب الثبات من الله عز وجل بكثرة ابتهال إليه بقلب منكسر ولسان ذكر  وقد غمر قبلنا الشعور بالفقر إليه لأن حصول ذلك منه لقوله تعالى:  " وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً"  وهو توجيه لخير البشر ونحن لسنا استثناء .

        و ما نحن في أمس الحاجة إليه أن يثبتنا الله على الفهم الشامل لفكرتنا وإحاطتها من كل جوانبها والالتزام  بمستلزماتها والإلمام  بظروفها. والإخلاص لله لها  في كل جهد يقدم ويبذل  عن طواعية ورضا في سبيل تحقيق أهدافها في المنشط والمكره مراعيا حدود الاستطاعة إلى أن نلقى الله وهو راض عنا وأن لا نفتر في تقديم الجهد  لتحقيق مراتب العمل المطلوبة من إصلاح الفرد إلى أستاذية العالم وهي واجبات لا يقوى عليها فرد واحد بل تتطلب جهود كل المخلصين  في جهاد طويل مع النفس لتطويعها للدعوة  بدا بالكلمة الطيبة والكتابة بالقلم إلى البذل باليد إلى أن نرقى  أعلى مراتبه وهي أمنية غالية لشعار دوما  نردده الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ولا يمكن أن تثمر الدعوة وتنتعش دون إنفاذ الأوامر الذي يتدرج حسب رتبة العمل من الاحترام العام إلى تنفيذ الشورى الملزمة وهو معروف في أدبيات الدعوة والوفاء.

        من صفات الثابتين ومن علامات التجرد الحق أن صاحبه يزن الأشخاص والهيئات وكل شيء بميزان الدعوة ، ويحدد موقفه من الجميع بناءً على ذلك. ومن الثبات أن يضع نصب عينيه الصديق أبي بكر رضي الله عنه المنفق ماله نصرة للدعوة حين سئل ما أبقيت لأهلك  ؟  حينها  قال ” أبقيت لهم الله ورسوله “ محققا بذلك أروع نماذج التجرد للدعوة. وللأخوة طعمها فالمرء بإخوانه وهي معينة على الثبات  فما أصدق كلمات الإمام وهو يوجه   الإخوان في رسالة بين الأمس واليوم ( تحابوا فيما بينكم واحرصوا كل الحرص على رابطتكم ، فهي سر قوتكم ، وعماد نجاحكم ، واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين).

       وفي كلمة رائعة  يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب :  (لقد تميزت جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها بالأخوة الصادقة في الله ،إن لم تكن الإيثار فهي أقرب شيء للإيثار قولاً وواقعاً ، ولعل هذا في فهم الأخوة في الله ، هو من أهم الأسباب التي عملت على الصمود في وجه أقوى المحن التي نزلت بالجماعة ، ومن أهم أسباب قوتها. قد تتسع هوة الخلاف ، لكن الأخوة لا يشوب صفاءها شائبة ولا كدر ). والإخوان أبعد الناس عن مواطن الخلاف.
      ومنح الثقة لقيادة الدعوة  طلب الاطمئنان لها  من مستلزمات الثبات في طريق الدعوة لأنه لا يصلح حال الدعوة بدون قيادة ولا ثقة  بدون حب وقد قال الشاعر :
لو كنت صادقا في حبه لأطعته ** إن المحب لمن أحب مطيع
 وقد أوجزها فضيلة المرشد الأول الإمام الشهيد بقوله : ونريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة , { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } والقائد جزء من الدعوة ، ولا دعوة بغير قيادة ، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة ، وإحكام خططها ، ونجاحها في الوصول إلى غايتها , وتغلبها على ما يعترضها من عقبات { فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ }
و من روائع القصائد التي حفظنا عن ظهر قلب في مراحل الشباب الأولى  نسأل الله الثبات على   الطريق .
كلمات المنشد السوري الأستاذ محمد منذر سرميني:
لا عذر اليوم لــمن أنذر       وليس أحــــــــــــدنا قد أجبر
الصبر الصبر أيا مسلم        مفتاح النصــــــــــــر ألا تدرك

ثبتنا يا ربي على عهدك  والله أكبر ولله الحمد
 
أضافة تعليق