من السهل جدا أن نعلن بعناوين كبيرة عبر معظم الصحف و القنوات التلفزية و شبكات التواصل الإجتماعي ما نتوقعه من تغييرات سيأتي بها الرئيس الجديد دونالد ترامب. لكن من الصعب جدا ان نظن بأنه في إمكانه تغيير المشهد داخل و خارج أمريكا بشكل كلي، و داخل و خارج المؤسسة السياسية الرسمية الغربية بشكل عام.
ما وقع في واشنطن في 8 نوفمبر 2016، إنتصار لتيار أمريكي قلما سمح له بأن يدير شؤون بلده بدعوي أنه متطرف في الكثير من القضايا مثل رفضه للإجهاض و المثلية الجنسية و العياذ بالله و للهجرة الغير الشرعية و لتبذير المال العام في حروب عبثية مثل حرب العراق، هل دونالد ترامب قادر علي تغيير أمريكا و تصحيح مسيرة الإدارة الأمريكية و التي إنحرفت منذ زمن الرئيس جورج واشنطن، فالرجل لا يمتلك المعرفة و الحكمة و الرصيد الأخلاقي لرئيس مثل جون كنيدي، و ما يحتاجه الأمريكيون و مواطنوا العالم، ليس لرجل قادر علي التغيير فقط بل ما نفتقده فعلا هو ما إفتقدته ثورة 11 يناير في مصر : الأرضية التي يقوم عليها صرح التصحيح الحقيقي.
و الأرضية لا أعني بها جماهير الناس، و إنما مقومات الوجود السياسي و الأقتصادي و الإجتماعي و الثقافي التي بإجتماعها تحدث التغيير المطلوب و المرجو، فكل هذه المقومات اليوم تسير في الإتجاه المعاكس لرغبة الكادحين في العالم و في أمريكا.
دونالد ترامب جذوره و مسيرته في الحياة لا تؤهله كي يكون رجل التغيير، و أقصي ما يستطيع تقديمه، رؤيته لم يجب أن تكون عليه قيم أمريكا، نائبه مايك بنس أبدي معارضته للمثلية الجنسية و العياذ بالله لكن دونالد ترامب و هو الآن في البيت الأبيض صرح بنفسه أنه ليس بإمكانه منع المثلية الجنسية ما دامت المحكمة العليا الأمريكية أعطت حقوق لهذه الفئة الأمريكية المنحرفة، و هنا نسجل الهامش الضيق الذي يترك لأي رئيس يسعي لإصلاح أحوال مجتمعه و أما في العالم العربي الإسلامي بالتحديد فسياسته ستكون لا جديد إن لم أقل ستكرس إنحيازه لصاحب قوة الأمر الواقع.
الديمقراطية كنظام في أمريكا متآكلة من الداخل، فالرئيس جورج واشنطن في خطاب وداعه قال ما معناه "أنه يتعين علي الأمريكيين ان يخوضوا الحرب و السلم وفق مصالحهم المطابقة لمنطق العدل" و هنا مربط الفرس، قيمة العدل غيبتها جماعات الضغط و أصحاب البنوك و اللوبيات من كل نوع، و أما الرئيس كنيدي فعندما سئل هذا السؤال :
ماذا تتمني لبلدك أمريكا ؟
أجاب الرئيس الراحل : أريد أن تكون أمريكا قوية و عادلة.
مرة أخري نقف علي تلازم القوة و العدل عند رؤساء متخلقين و لعل غياب العدل الذي أدي إلي مقتل جون كنيدي و غياب العدل هو الذي أدي أيضا بالأمريكيين لإنتخاب دونالد ترامب و العديد منهم عولوا عليه فعليا في إنتخابهم عليه، هم أرادوا أن يبلغوا رسالة للمؤسسة السياسية في أمريكا و خارجها :
فاضت الكأس...
فاضت الكأس هذا و الشعب الأمريكي و شعوب العالم يتجهون في إتجاه مجهول بإعتبار أن الأوضاع الإقتصادية و الحقوقية تزداد تدهورا يوما بعد يوم و هذا من جراء سياسات خاطئة، فمن يسمونه باليمين المتطرف في امريكا و أوروبا رافض لسياسة الإنفتاح علي الأعراق و التعددية الثقافية لأنها بكل بساطة تهدد الجنس الأبيض و مسيحيته و هذا التخوف مشروع فلو حصل في عالمنا العربي الإسلامي ما يحصل عندهم اليوم من تعاظم عدد المهاجرين و اللاجئين لكنا خشينا علي ديننا و شعوبنا و ثقافتنا.
اليمين المتطرف في الغرب يريد للمرأة ان تعود إلي البيت لتلعب دورها الطبيعي و الفطري بعيدا عن حرية متحررة من أي وازع ديني و أخلاقي.
اليمين المتطرف يريد إقتصاد مرتبط بواقع مواطنيه ليحصلوا علي رفاهية مستحقة و هذا لأنهم جديرون بها بفضل عملهم و كدهم و يرفضون سيطرة البنوك علي مصيرهم.
اليمين المتطرف في الغرب يريد تدخلا أقل في إدارة شؤون العالم و خاصة في العالم العربي الإسلامي، فالإنجيليون الأمريكيون يعتقدون أن قضية فلسطين قضية إسرائيلية بحتة لا دخل لواشنطن فيها، فهم يريدون من تل أبيب أن تحسم القضية بشكل نهائي مع العرب و الفلسطينيين ليتمكنوا هم الإنجيليون من تحضير معركة اليوم الأخير و التي ستجري علي أرض فلسطين، و هذه هي الإنشغالات التي يريد ترامب الإيجابة عنها عبر ر ئاسته.
سنراه متطرفا في الملف الفلسطيني، فالعدو لن يرحمك إذا ما كنت أنت ضعيفا و أما في بقية الملفات، فهو سيجد نفسه علي الأرجح ملزما بمجاراة تيار الشر السائد في العالم و سنة التدافع ستكون اكثر حدة في عهده.
لا بد لنا من عدم تعليق أي أمل علي النظام السياسي الغربي الحالي، ما دامت شعوبهم تعاني الأمرين من سوءه و من ظلمه و يفترض منا أن نبادر إلي إصلاح أوضاعنا، فالتغيير يأتي من إرادة الشعوب المسلمة في التصالح مع هويتها و دورها الرسالي و الحضاري، لا مفر لنا من ذلك...
كل المؤشرات التي يتعامي عن رؤيتها خبراء و محللي من كل تيار و عنوان تقول ما يلي :
"سنشهد توترات جديدة و ستتعفن حروب مثل حرب سوريا و ستتصاعد موجة كره الإسلام، فقد جسد المسلمون عبر داعش أسوأ صورة للإسلام و ديننا الحنيف بريء من حالة التطرف و الإنحراف التي أودت بمصير دول مثل سوريا و اليمن، كيف نطلب من العدو أن يحترمنا و نحن نتقاتل فيما بيننا و نشهر العداء ضد بعضنا البعض ؟ فليس هناك ادني امل في سوريا، ما لم يفهم الجميع هناك أن الحتمية تملي عليهم إيقاف سفك الدماء و اللجوء إلي صيغة تحاورية تقي المنطقة و شعوبها ويلات مزيد من التدخلات الخارجية، فجهنم روسيا المتدفق علي رؤوسهم لن يتوقف إلا بعد وقفة رجالية من الجميع ليفهموا أخيرا بأن لا خيار سوي حقن الدماء. لا خيار في سوريا و العراق و اليمن سوي قبول الإختلاف و إعتبار الجميع مسلمين أي كان العرق، المذهب و الإنتماء السياسي أو القناعات الشخصية لنلتفت إلي ما هو أهم حل معضلة تسيير شؤون المواطنين وفق مبدأ العدل و تحرير أرض فلسطين التي تنتظرنا من زمن طويل... هذا ما ينبغي علينا أخذه بعين الإعتبار و الكف عن بناء قصور من الرمال علي رمال صحراءنا الممتدة في قلب التاريخ...
هل ستكون راديكالية ترامب دافعا لنا لنستفيق من سبات العنف و اللاتسامح و الفوضي و التخلف و ...
*معلومة للقراء الكرام: عين السيد دونالد ترامب ستيف بانون ككبير مستشاريه في البيت الأبيض و ستيف بانون محسوب علي التيار اليميني المتطرف سبق له و أن أعلن كرهه للمسملين و يكره في الخفاء اليهود و له مواقف جد متشددة ناحية النساء، إذن عبر الرئيس ترامب بتسميته عن عرفانه لليمين المتطرف الأمريكي الذي ساهم في نجاحه و فوزه برئاسة أمريكا.
04-02-2017