لغزي بحوزتي
سميـــــــــــــــــــرة بيطـــــــــــــــــــــــام
كتبتُ ثم مزَّقت أوراقي، لم يُعجبْني ما كتبتُ أو ربما لم يلبِّ فيَّ الحرفُ رضًا بما كتبت، لم يكن هو أسلوبي المعهود؛ لأني شعرت بضيق في صدري، ولم أكن بالمرة بحاجة إلى أن أكتب؛ فليست الكتابة هي دائمًا متنفَّسًا في أقصى أوْج اضطرابي، ماذا حدث لي؟ هل بدأت بالبحث عمَّن أكون وسط زخم الزحمة والغربة والتغريب، بعد أن تفرَّستُ الوجوه الكثيرة فلم أجد وجهًا رجاليًّا يوحي بقوة الشخصية في أن القوة ممنوحة بامتياز لتركيبة بشرية عليها أن تكون بقوامة القوة، ثم نظرت إلى أنوثة هذا الجيل من البنات فلم أستشعِر لمسة الحياء المعهودة في السابق من السنوات التي خلَت والتي كانت تُضفي على وجوههنَّ جمالاً من نوع آخر؛ إنه جمال الأصالة والتمسك الشديد بمبادئ الشرع والتربية النزيهة، مظهر البشرية اليوم يبدو مغايرًا لتمام الصفات الآدمية، لستُ أميِّز بين الطيِّب والأجود والأطهر من سمات الإنسانية، توقفتُ لأني مللت وتذمَّرتُ عن الملاحظة، وقلبت صفحات أجندتي لتذكر مواعيدي الآتية، صدقًا لم تكن لي رغبة في تلبية أي منها على الرغم من أهمِّيتها، فأنا حينما أعزف عن الإقبال على أمر أو تلبية دعوة يجب أن أكون لبَّيتُ الطلب عن قناعة، لكني وجدت نفسي ركنتُ للسكوت وعقلي هدأ عن التفكير المعهود في برنامج الغد، هل تعبت من آلية التنظيم القاسي لمَسيرتي المدرجة خصيصى على نسق الصرامة؟ هل ثمَّة تغيير لا بدَّ أن يحدث في إحدى صفحات شخصيتي أن أقلِّل من لقاء اللقاءات، هل ما أرغب فيه هو الاختفاء بعد ظهور لن يُلبِّيَ فيَّ حاجة الظهور العادي والمعتاد كلمحة برق خاطفة، هل أنا بحاجة إلى راحة تامة لذهني الشارد في التفكير عن ملامح هذا العصر الغريبة والمُقلقة؟ هل سأضطرُّ لإلغاء برنامج القلق من حياتي؟ فأصبحتُ أكره أماكنَ الزَّحمة وانتشار الأشخاص والكلام الكثير؟ هل رُوحي امتنعَت هي الأخرى عن وصالها مع الطبيعة التي كنتُ أستمدُّ من نشوة جَمالها أسسًا جميلة لإبداعي، هل صرخ في وجهي القلم أن لزامًا عليك فكِّري في مشروع التجديد في لطف من القرار الذي ستتخذينه؟ وهذا إن كنتُ أصلاً أهلاً الآن لاتخاذ قرارات ستقلب حياتك من جديد رأسًا على عقب، صدقًا لا أعرف ماذا حصل وما أنا راغبة فيه بالضبْط، فعلاً لا أعرف أيَّ المؤثرات، طفتُ فجأة على موهبتي في التأمُّل والتفكير والتمحيص والانتقاء الجيد لما يناسب أسلوبي ووتيرة حياتي، هل لن يزين الكذب انفعالات الناس، هل لأنَّ الصدق غاب عمدًا مِن وتيرة التواصل في هذا الزمن؟ هل لأن استيعاب الآخر أصبح مرفوضًا في أُسَرٍ تربَّت وترعرعت على الاجتماع والمشورة والتناصح، فعلاً لست أدري إلى أي الاتجاهات سأختار لي مُنحنى جديدًا في مساري، فعلاً لست أعرف كيف أخاطب الناس بعد اليوم، هل العالم كله في تذمر وتأهب شديد لمُتغيرات ظهرت ورسَخت وتعالى صوتُها فوق أصواتنا حتى لا نَعي ولا نفقه ولا نفهم؟ ماذا حصل بالضبط؟ وما هي تركيبة اللغز الذي يَسكن قلوبنا بداية؟ وما هو اللون المفضَّل لدينا؟ أم سنكتفي بالمعتاد من الروتين في نسق حياتنا "ألفنا وألفناه" وانتهى الأمر إلى غير تفكير؟!
ما قصدي من طرحي تساؤلات كهذه؟ أوَلم أعدْ أثق في طموحي؟ وهل لرسوِّ تراسيب الماضي شأن في وجهة الانقلاب على وضع اليوم؟
على كلِّ حالٍ: لغزي معي أحتفظ به، فإن شابه ألغازكم ارتحتُ أنَّ الأمر عامٌّ، وأن ما تسلل إلي من شعور أنتم كذلك تشعرون به، لأعرف أن متغيرات الحياة هي مؤثرة في شرائح الناس على اختلاف أعمارها وأجناسها، وإن كان لغزي يبدو لكم غريبًا وجديدًا ففعلاً أنا مَن يجب أن تعرف مآل هذا الطرح من الإشكالية، وتركيبة الحل له فيما إن كنت سأجد له جوابًا شافيًا وكافيًا، فلأرحل اللحظة مع قاموس كلمات المواساة لأن حراك الحياة زعزع استِقراري في أني لم أَصِلْ بعدُ إلى ما أردت لأَكتفي بطيِّ أجندتي مِن آخر صفحة لها بما أني ألغيتُ كل مواعيدي لحين يَثبت الحل الوافي للُغزي وهو: ما سبَّب اضطِرابي في عصر سريع الأخذ والرد في التواصُل من غير تواصُل حقيقي وهادف، بل مُتعب للقوى، ومشتِّت للجَماعة، وزارع لفتنة التغريب من كل صوب؛ لذلك سأشتاق لنكهة الماضي الذي لم يرسل في داخلي تساؤلات كهذه، سأشتاق لماضٍ لم يُحير في رغبة العيش الهنيِّ وما آلمَني فيه كان مجرد مرحلة كان عليَّ اجتيازها، فهل لبسي لهندام التجديد يدفعني لأن أرى الدنيا برؤيا مغايرة كالتي تعوَّدتُ عليها؟ وهل لعامل السنِّ تأثير في ازدِواجية السؤال والجواب معًا، حينما يتعلَّق الأمر بنُضجٍ فاقَ كل حدود التخمين بعد امتحاناتٍ عصَرت مِن مُخي خلاصة الحكمة في أن التجربة لا تصقل إلا مَن توقَّف في شواردها المُتناثرة ليَلتقط له كمالاً مُعينًا من الفهم والإدراك ومِن ثَمَّ اتخاذ القرار المناسب للوضْع الجديد.
ما أصعبها من مرحلة للتغيير لتقبُّل الواقع بأكثر رغبة للإقبال على مشاغل الحياة، ومِن غَيرِ عُنوان للتغيير؛ إذ يكفي أنَّ اسم الموضوع هو عنوانه، فلا حاجة لتعريف أو مقدِّمة شارحة له، ورغم كل هذا التبرير يَبقى لُغزي بحَوزتي إلى أن ألقى ردًّا وافيًا للغْزِ التفكير عندكم فيما إن كنتم بصدد الإحساس بهذه المُتغيِّرات مثلي.