مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/03 09:47
الحق الضائع

الحق الضائع!

سميرة بيطام

 

سَعة الخاطر لا بد لها أن تضيق من كثرة العمد في تجريح المشاعر، وتفتيت الخاطر، وتشتيت الفكر، وبعثرة العبرات في كل موقف يدعو للتساؤل، أَوَلَسْنَا بشرًا سواسية، خُلِقنا من آدم وحواء؛ لنكون قبضة يد واحدة يجمع شملها الإسلام، ويوحد كلمتها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"؟

 

عجبًا لمجتمعات لها امتياز في الانتساب لخير الشعوب تطورًا، عجبًا لمجتمعات لها من التاريخ ما يكفي لوصف الحضارة فيها ببنود التقدم، طَفَتْ سلوكيات فيها حيرت العقل، وجمحت بالنفس إلى حيث العزلة بعيدًا عن محاولة للتطاول في مظالم لا تستند لأي مرجعية صحيحة، فكم من مهاجر إلى بلد ثانٍ كان المطلب للرزق، والمستقر له غاية! ولكن في استضافة الأخ له من الأصل، والقومية، هو غريب الديار والعشيرة، لا شيء سوى القول له: إنك ضيف عندنا، وانتهى، ولست ممن سيتناول لقمة الكد والتعب بكل هدوء؛ لأنك أجنبي.

 

أيُّ غربة مستوردة من قول ألْسُنٍ ليس لها الحق بتاتًا في التصريح بهذا القول؟ ثم من هو الأجنبي حقيقة؟ أليس هو كل من له تقاليد ليست شبيهة بتقاليد المسلمين؟ أليست من له شعائر تختلف عن شعائر من يقومون بها على نسق واحد، ولو اختلفت اللهجات؟ ولكن الترتيل لآي الله واحد، لماذا كل هذا الإجحاف في عدم فتح الصدر لكل من يحُلُّ ضيفًا على غير بلده؟ أَوَلم يلق الحبيب المصطفى سعة صدر باستضافة الأنصار له عند هجرته؟ حيث ضموه إلى صدورهم، وكان للحبيب المصطفى نزول عند قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة حين أسس مسجد قباء، أما الصحابي ابن عازب، وهو شاهد عِيان، فقال: "ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم".

 

أليست هذه ضيافة توحي بحُسن الخلق، وكرم الطبع لخير الخلق - صلى الله عليه وسلم؟

ولقد ذُكِرَتْ مآثر الأنصار في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

 

من هذا الترحاب العظيم، استقر المهاجرون في الأرض الجديدة مغلِّبِين مصلحة الدعوة على أية مصلحة، حتى أصبحت الهجرة واجبة لنصرة الحبيب المصطفى، ومد يد الدعم والعون له؛ لإنجاح الرسالة، وتم التوفيق بإذنه - تعالى- لما كان لانشراح الصدور من بركة، وخير، ونصر عظيم، أما اليوم، فرجوعٌ بعظيم الأخلاق إلى الوراء، وكأنه لم تكن لنا سِيَرٌ وعِبَرٌ من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام.

 

ومن وجهة أخرى نرى في الأسرة المسلمة تناقضات كثيرة في تأييد الباطل، ولو كان جهارًا نهارًا، وطمس الحق، وصاحب الحق؛ حتى لا يُسْمع صوته، ويستنتج طلب الحق منه؛ لأنه لا حقَّ له عندهم؛ لماذا؟ لماذا تميل الكفة باتجاه الكاذب، والمخادع، والمنافق، وتسقط كفة العدل إلى غير رجعة في عمق طمس كلمات الإقرار لصاحب الحق؟ ليرحل المثال إلى ما بين الإخوة، فيكون الدعم لصاحب اللا حَق؛ حتى يصبح مكتسبًا لحق غير مشروع بتأييد يبدو كأنه مشروع، ولكنه مميَّعٌ بافتراءات ولفافات من حيل؛ ليكثر عدد المؤيدين ضد من قال: والله أنا بريء، ولو كان في العدد واحدًا.

 

ولأرباب العمل تجاوزات ملحوظة بعين صغيرة آدمية، ولا داعي لمكبر الرؤية حتى تبدو الصورة كبيرة لرئيس العمل وهو يهين مرؤوسه المواظب، والمتقن لفنيات المهنة في دقة جميلة؛ ليلتف عليه الجمع في جملة غضب، واحتقار لكيانه النظيف والنزيه، والسبب أنه أتقن العمل. لا أفهم نواميس الكون الآن ولو أنها منتظمة في كواكبَ سيَّارةٍ بانتظام دقيق، ولكن أضحت عندي مسيرة مجرات حول عيني بسرعة كبيرة؛ لتسارع الضلال، والظهور جليًّا من أنه حق تحيطه الشرعية بكل ضمانات الشفافية والعدالة، صدقًا لم أفهم مبررات هذا الخلط في سلوكيات لا يضبطها أي رادع حتى الوازع الديني سيغيب عمدًا؛ حتى لا يُعطى كل ذي حق حقه.

 

والآن، وفي الختام ليقفْ كل واحد منا وقفة إسقاط على نفسه، وليوجهنا وجهة صحيحة لما نعيشه في عصر عولمة الأخلاق، كيف لنا الخلاص من مأزق الزور، واسترجاع الحق الضائع بتقويم السلوكيات والأخلاق تقويمًا صحيحًا يستمد بنوده من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ ولي سؤال سأطرحه حتى وإن طال الجواب، فهو في جيبي إلى إشعار آخر: هل هذه السلوكيات نص عليها الإسلام وأعطاها رداءً قانونيًّا من التشريع الإسلامي النزيه من كل ظن؟

 

كلامي ليس بخطبة، ولكنه نقاش من القلب إلى القلب، وللقلب عودة إلى حيث نبض الحياة؛ لتعود الدورة الدموية إلى مجراها بعد أن عطلتها حركة مرورية غير عادية لما نسميه: الحظ مع القوي، حتى لو كان على باطل.

 

لا أريد لأجهزة الجسم أن تصاب بشلل في أداء الوظائف، خاصةً العقل؛ لأنه لو أصيب بانتكاسة الفهم الصحيح، يصبح من الصعب إعادته إلى جادَّة الصواب في وقت غاب فيه الناصح أو غُيِّبَ.

 



أضافة تعليق