آراء فقهية حول معاقبة المجرم
سميرة بيطام
أنوع في كتاباتي بين المقالات الاجتماعية و مقالات التحفيز في التنمية البشرية و مقالات في القانون و الصحة ، و أقلل قدر الامكان في الخوض في عمق الجريمة و المجرم لأن هذه المواضيع تجعل مني انسانا آخر ينبغي أن يتحلى بعزيمة التحري المنطقي و المتوازن ، حيث الصرامة في التفكير و ليس بعاطفة في التحليل ، مشددة على العقوبة ازاء التجاوزات و ملتمسة للأعذار ازاء البيئة الظالمة التي تربي الشخص حتى يكبر مجرما ، و تلمس الأعذار ليس للتبرئة المطلقة للمجرم لأن لديه ضمير يؤنبه كلما اشتدت أزمات الانتقام لديه هذا بالنسبة للشخصية العربية أما الشخصية الغير عربية و الغير مسلمة فلا أعتقد أن مكونات مراجعة الذات هي نفسها إلا ما كان مرتبطا بذكريات الطفولة و الأزمات التي يمر بها الشخص الجاني و طبعا لا يهمني سيرة الاجرام لديهم لأنه غالبا ما يكون غريزي بتأثير الكحول و الادمان على المخدرات القوية المفعول ، و لكن الشخصية العربية و المسلمة يكون لديها منطلق الاجرام بدافع لفت الانتباه أو انتقام لغريزة حب أو تفضيل لشيء ما سلب بالقوة من المجرم المحب مثلا و لكن يبقى هذا جانب من التحليل لأن عمل الخبراء الجنائيين و المحققين يسمو فوق هذه الجوانب لأن ما يهمهم هو كشف خيوط الجريمة و القبض على الجاني الحقيقي..
يقول الدكتور بكري يوسف بكري محمد في كتابه قانون العقوبات –القسم العام النظرية العامة للجريمة ،مدرس بكلية الشريعة و القانون بجامعة الأزهر ، من أن الزوج الذي يفاجئ زوجته و هي متلبسة بالزنا فيقتلها مع من يزني بها في الحال (م237 ع) يتمتع بعذر قانوني مخفف فيعاقب بعقوبة الجنحة بدل من عقوبة الجناية إلا أن تمتعه بهذا العذر لا يمنع المعتدي عليه من اللجوء للدفاع الشرعي لرد اعتدائه ، و بالتالي فان الزوجة و شريكها يحق لهم استعمال الدفاع الشرعي لرد اعتداء الزوج ، و ذلك لأن عذر استفزاز الزوج يعطي له عذرا مخففا لعقابه دون أن يؤثر ذلك في الفعل حيث يظل على حاله من عدم المشروعية...
و يكمل الدكتور طرحه فيما ان كان الخطر الذي يكون مصدره الحيوان خطر يصدق عليه وصف عدم المشروعية و من ثم يباح الدفاع الشرعي ضده ، أم أنه يصدق عليه وصف عدم المشروعية و من ثم يباح الدفاع الشرعي ضده، أم انه لا يصدق عليه ذلك؟.
من المسلم به أن فعل الحيوان في ذاته لا يمكن وصفه بالمشروعية من عدمها ، لأن المشروعية أو عدمها انما هي وصف قانوني لا يصدق إلا على أفعال الانسان دون الحيوان ، لذا كان من المتعذر القول بأن المتعرض لخطر الحيوان له حق استعمال الدفاع الشرعي ضده، لكن فيما يخص الحيوان يجب التفرقة بين حالتين :
الحالة الأولي: اذا كان هجوم الحيوان و خطره ناشئا عن تحريض من صاحب الحيوان أو من غيره حيث يعتبر الحيوان في هذه الحالة مجرد أداة في يد المحرض ، و لذا فانه يجب الاعتراف لمن تعرض لخطر هذا الحيوان بحقه في الدفاع عن نفسه ضد محرض الحيوان، فيجوز له أن يمنعه بالقوة من اطلاق الحيوان عليه كما له قتل الحيوان ذاته كونه أداة الاعتداء.
الحالة الثانية: اذا كان هجوم الحيوان و خطره غير ناشئ عن تحريض من صاحب الحيوان أو من غيره ، ففي هذه الحالة لا يمكن لمن تعرض لهذا الهجوم اذا قتل الحيوان أن يحتج بحقه في الدفاع الشرعي لأن هذا الحق لا يتوافر إلا اذا كان الخطر ناشئ عن فعل غير مشروع و فعل الحيوان بدون تحريض لا يمكن أن يصدق عليه وصف عدم المشروعية أي لا يمكن اعتباره جريمة لأنه ليس فعل انساني ،فلا يكون هناك محل للاحتجاج بتوافر حالة الدفاع الشرعي ،إلا أن هذا لا يعني أن القانون يلزم الشخص الذي يتعرض لخطر الحيوان بدون تحريض أن يتحمله و لا يقاومه دون دفاع ،و انما له دفع خطر الحيوان و لو بقتله و لكن دون الاستناد الى الدفاع الشرعي و لكن بالاستناد اما الى توافر حالة الضرورة اذا ما توافرت شروطها بأن يكون الخطر جسيما مهددا للنفس ، و اما بالاستناد –اذا لم تتوافر شروط الضرورة- الى أن قتل الحيوان كان لمقتضى أي لمبرر و ذلك حتى لا يتعرض للعقاب الذي تقرره المادة 355 عقوبات التي تعاقب على قتل الحيوان بدون مبرر أو بمقتضى ، و هذا المقتضى موجود في الحالة التي نحن بصددها و هو تعرض الشخص لخطر واضح من الحيوان.
لحد هذا السرد يبدو الكلام منطقيا و لكن أن يذكر الدكتور في صفحة رقم 308 من كتابه السابق الذكر من أن جرائم المساس بالشرف و الاعتبار كالسب و القذف و افشاء الأسرار أثارت الخلاف بين الفقهاء في مدى جواز الدفاع الشرعي بصدها ، صدقا لم استوعب محتوى العبارة أن مثل هذه الأفعال أثارت جدلا ، فالبديهي أن جرائكم المساس بالشرف تستدعي الدفاع الحال و ليس المؤجل إلا ما كان برضى من المجني عليها ، و جرائم القذف و السب هي الأخرى تستوجب الدفاع الشرعي ازاءها فهل يترك الشخص غيره يسبه و هو لا يرد عليه خاصة ان ما بلغ به الأمر حق التجريح ، و لو أن من الناس من سيفعل أخلاقه و يكظم غيظه و منهم من سيرد بالتي هي أحسن مقاما في مرتبة الفعل لكف الأذى أو ايقافه و منعه من الاستمرار ، و لكن ما تعلق بإفشاء الأسرار فأعتقد أنها لا تصل الى درجة المساس بالشرف في الضرر ..لها جانب من السلبية في جانب ما.
و للبعض في الفقه الفرنسي رأيه في ذلك اذ يقول الى عدم جواز الدفاع الشرعي لدفع هذه الجرائم و ذلك لأن هذا النوع من الجرائم لا يتصور رده بعنف مادي كما هو الحال بالنسبة لجرائم الاعتداء على النفس ،كما أن هذه الجرائم تقع و تنتهي في لحظتها و من ثم يكون استخدام القوة فيها من قبيل الانتقام و ليس من قبيل الدفاع ، كما لا يجوز أخيرا مقابلة السب و القذف بمثله...و لكن هذا الرأي لم يجد صداه في الفقه المصري حيث حسم الشارع هذا الخلاف بإقراره المساواة بين جرائم النفس و اباحة الدفاع الشرعي لرد خطرها دون تفرقة بين أنواعها المختلفة ،و من ناحية أخرى فمن المتصور دفع خطر هذه الجرائم باستخدام القوة لمنع المعتدي من الاستمرار في اعتدائه ، فالقاذف أو الساب يمكن منعه بالقوة المادية من خلال تمزيق الورق أو المستندات التي تحتوي على عبارات السب و القذف لمنعه من الاستمرار ، أتساءل هنا عمن يسب من غير استعمال للأوراق فحبذا لو أخبرنا المشرع المصري بالحل أو طريقة الرد مثلا ، ثم من جانب آخر أعجبني الفقه الفرنسي في رأيه في عدم الرد بالمثل و هو بالإسقاط ما يشبه رأي العاقل المتخلق بأخلاق الاسلام أي كظم الغيظ..تبقى الاراء كثيرة و مختلفة ، و لكن لا أحد يغالط أو يناقض فكرة أن القانون يجب أن يطبق بصرامة و أن يسمو فوق الجميع و أن لا تتدخل للمحسوبية و الاعتبارات الأخرى في أن يفر الجاني من العقاب ، فالله حرم الظلم على نفسه و حذرنا من التظالم فيما بيننا فكيف للقانون أو لمشرعيه أو لفقهائه أن يتعاطفوا في تطبيق بنوده كاملة مستوجبة لمراعاة الظروف المؤدية لارتكاب الفعل و ليست مستوجبة لمنح الفرصة للجاني للفرار..
يبقى رأي الشخصي كإنسانة تحب العدل و كقانونية أنه ليس أفضل من تطبيق الشريعة الاسلامية كمصدر متزن و منطقي و محافظ على الحقوق و الأموال و الأعراض ..أليس كذلك؟..
سميرة بيطام
أنوع في كتاباتي بين المقالات الاجتماعية و مقالات التحفيز في التنمية البشرية و مقالات في القانون و الصحة ، و أقلل قدر الامكان في الخوض في عمق الجريمة و المجرم لأن هذه المواضيع تجعل مني انسانا آخر ينبغي أن يتحلى بعزيمة التحري المنطقي و المتوازن ، حيث الصرامة في التفكير و ليس بعاطفة في التحليل ، مشددة على العقوبة ازاء التجاوزات و ملتمسة للأعذار ازاء البيئة الظالمة التي تربي الشخص حتى يكبر مجرما ، و تلمس الأعذار ليس للتبرئة المطلقة للمجرم لأن لديه ضمير يؤنبه كلما اشتدت أزمات الانتقام لديه هذا بالنسبة للشخصية العربية أما الشخصية الغير عربية و الغير مسلمة فلا أعتقد أن مكونات مراجعة الذات هي نفسها إلا ما كان مرتبطا بذكريات الطفولة و الأزمات التي يمر بها الشخص الجاني و طبعا لا يهمني سيرة الاجرام لديهم لأنه غالبا ما يكون غريزي بتأثير الكحول و الادمان على المخدرات القوية المفعول ، و لكن الشخصية العربية و المسلمة يكون لديها منطلق الاجرام بدافع لفت الانتباه أو انتقام لغريزة حب أو تفضيل لشيء ما سلب بالقوة من المجرم المحب مثلا و لكن يبقى هذا جانب من التحليل لأن عمل الخبراء الجنائيين و المحققين يسمو فوق هذه الجوانب لأن ما يهمهم هو كشف خيوط الجريمة و القبض على الجاني الحقيقي..
يقول الدكتور بكري يوسف بكري محمد في كتابه قانون العقوبات –القسم العام النظرية العامة للجريمة ،مدرس بكلية الشريعة و القانون بجامعة الأزهر ، من أن الزوج الذي يفاجئ زوجته و هي متلبسة بالزنا فيقتلها مع من يزني بها في الحال (م237 ع) يتمتع بعذر قانوني مخفف فيعاقب بعقوبة الجنحة بدل من عقوبة الجناية إلا أن تمتعه بهذا العذر لا يمنع المعتدي عليه من اللجوء للدفاع الشرعي لرد اعتدائه ، و بالتالي فان الزوجة و شريكها يحق لهم استعمال الدفاع الشرعي لرد اعتداء الزوج ، و ذلك لأن عذر استفزاز الزوج يعطي له عذرا مخففا لعقابه دون أن يؤثر ذلك في الفعل حيث يظل على حاله من عدم المشروعية...
و يكمل الدكتور طرحه فيما ان كان الخطر الذي يكون مصدره الحيوان خطر يصدق عليه وصف عدم المشروعية و من ثم يباح الدفاع الشرعي ضده ، أم أنه يصدق عليه وصف عدم المشروعية و من ثم يباح الدفاع الشرعي ضده، أم انه لا يصدق عليه ذلك؟.
من المسلم به أن فعل الحيوان في ذاته لا يمكن وصفه بالمشروعية من عدمها ، لأن المشروعية أو عدمها انما هي وصف قانوني لا يصدق إلا على أفعال الانسان دون الحيوان ، لذا كان من المتعذر القول بأن المتعرض لخطر الحيوان له حق استعمال الدفاع الشرعي ضده، لكن فيما يخص الحيوان يجب التفرقة بين حالتين :
الحالة الأولي: اذا كان هجوم الحيوان و خطره ناشئا عن تحريض من صاحب الحيوان أو من غيره حيث يعتبر الحيوان في هذه الحالة مجرد أداة في يد المحرض ، و لذا فانه يجب الاعتراف لمن تعرض لخطر هذا الحيوان بحقه في الدفاع عن نفسه ضد محرض الحيوان، فيجوز له أن يمنعه بالقوة من اطلاق الحيوان عليه كما له قتل الحيوان ذاته كونه أداة الاعتداء.
الحالة الثانية: اذا كان هجوم الحيوان و خطره غير ناشئ عن تحريض من صاحب الحيوان أو من غيره ، ففي هذه الحالة لا يمكن لمن تعرض لهذا الهجوم اذا قتل الحيوان أن يحتج بحقه في الدفاع الشرعي لأن هذا الحق لا يتوافر إلا اذا كان الخطر ناشئ عن فعل غير مشروع و فعل الحيوان بدون تحريض لا يمكن أن يصدق عليه وصف عدم المشروعية أي لا يمكن اعتباره جريمة لأنه ليس فعل انساني ،فلا يكون هناك محل للاحتجاج بتوافر حالة الدفاع الشرعي ،إلا أن هذا لا يعني أن القانون يلزم الشخص الذي يتعرض لخطر الحيوان بدون تحريض أن يتحمله و لا يقاومه دون دفاع ،و انما له دفع خطر الحيوان و لو بقتله و لكن دون الاستناد الى الدفاع الشرعي و لكن بالاستناد اما الى توافر حالة الضرورة اذا ما توافرت شروطها بأن يكون الخطر جسيما مهددا للنفس ، و اما بالاستناد –اذا لم تتوافر شروط الضرورة- الى أن قتل الحيوان كان لمقتضى أي لمبرر و ذلك حتى لا يتعرض للعقاب الذي تقرره المادة 355 عقوبات التي تعاقب على قتل الحيوان بدون مبرر أو بمقتضى ، و هذا المقتضى موجود في الحالة التي نحن بصددها و هو تعرض الشخص لخطر واضح من الحيوان.
لحد هذا السرد يبدو الكلام منطقيا و لكن أن يذكر الدكتور في صفحة رقم 308 من كتابه السابق الذكر من أن جرائم المساس بالشرف و الاعتبار كالسب و القذف و افشاء الأسرار أثارت الخلاف بين الفقهاء في مدى جواز الدفاع الشرعي بصدها ، صدقا لم استوعب محتوى العبارة أن مثل هذه الأفعال أثارت جدلا ، فالبديهي أن جرائكم المساس بالشرف تستدعي الدفاع الحال و ليس المؤجل إلا ما كان برضى من المجني عليها ، و جرائم القذف و السب هي الأخرى تستوجب الدفاع الشرعي ازاءها فهل يترك الشخص غيره يسبه و هو لا يرد عليه خاصة ان ما بلغ به الأمر حق التجريح ، و لو أن من الناس من سيفعل أخلاقه و يكظم غيظه و منهم من سيرد بالتي هي أحسن مقاما في مرتبة الفعل لكف الأذى أو ايقافه و منعه من الاستمرار ، و لكن ما تعلق بإفشاء الأسرار فأعتقد أنها لا تصل الى درجة المساس بالشرف في الضرر ..لها جانب من السلبية في جانب ما.
و للبعض في الفقه الفرنسي رأيه في ذلك اذ يقول الى عدم جواز الدفاع الشرعي لدفع هذه الجرائم و ذلك لأن هذا النوع من الجرائم لا يتصور رده بعنف مادي كما هو الحال بالنسبة لجرائم الاعتداء على النفس ،كما أن هذه الجرائم تقع و تنتهي في لحظتها و من ثم يكون استخدام القوة فيها من قبيل الانتقام و ليس من قبيل الدفاع ، كما لا يجوز أخيرا مقابلة السب و القذف بمثله...و لكن هذا الرأي لم يجد صداه في الفقه المصري حيث حسم الشارع هذا الخلاف بإقراره المساواة بين جرائم النفس و اباحة الدفاع الشرعي لرد خطرها دون تفرقة بين أنواعها المختلفة ،و من ناحية أخرى فمن المتصور دفع خطر هذه الجرائم باستخدام القوة لمنع المعتدي من الاستمرار في اعتدائه ، فالقاذف أو الساب يمكن منعه بالقوة المادية من خلال تمزيق الورق أو المستندات التي تحتوي على عبارات السب و القذف لمنعه من الاستمرار ، أتساءل هنا عمن يسب من غير استعمال للأوراق فحبذا لو أخبرنا المشرع المصري بالحل أو طريقة الرد مثلا ، ثم من جانب آخر أعجبني الفقه الفرنسي في رأيه في عدم الرد بالمثل و هو بالإسقاط ما يشبه رأي العاقل المتخلق بأخلاق الاسلام أي كظم الغيظ..تبقى الاراء كثيرة و مختلفة ، و لكن لا أحد يغالط أو يناقض فكرة أن القانون يجب أن يطبق بصرامة و أن يسمو فوق الجميع و أن لا تتدخل للمحسوبية و الاعتبارات الأخرى في أن يفر الجاني من العقاب ، فالله حرم الظلم على نفسه و حذرنا من التظالم فيما بيننا فكيف للقانون أو لمشرعيه أو لفقهائه أن يتعاطفوا في تطبيق بنوده كاملة مستوجبة لمراعاة الظروف المؤدية لارتكاب الفعل و ليست مستوجبة لمنح الفرصة للجاني للفرار..
يبقى رأي الشخصي كإنسانة تحب العدل و كقانونية أنه ليس أفضل من تطبيق الشريعة الاسلامية كمصدر متزن و منطقي و محافظ على الحقوق و الأموال و الأعراض ..أليس كذلك؟..