مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/10/20 21:59
الأخطاء الطبية بين سندان الأطباء و مطرقة القانون

الأخطاء الطبية بين سندان الأطباء و مطرقة القانون

كثيرة هي مواضيع الأخطاء الطبية كتابة على صفحات الصحف بأنامل شرائح مختلفة من البشر،ليس حكرا على أصحاب البذلة البيضاء تنويرا منهم أن الخطأ الطبي لم يكن بالخطأ ،إنما كان قضاءا و قدرا مقررا من السماء ،ليس حكرا على أهل مريض كان ضحية خطأ طبي بسندات مدللة على خطأ كان بالإمكان تفاديه لو كان فيه شعور بمسؤولية يوقضها ضمير مهني حي ليس بالغافل و لا بالمتغافل.

     كثيرة هي ملفات قضايا الأخطاء الطبية على رفوف أرشيف المحاكم ، منها من فصل فيها على نحو مرض ،و منها من دس على أدراج النسيان تسترا لحقيقة قد تهدم مسيرات طويلة من الشهرة و السمعة لدى أناس لم يأتي دورهم في تجربة من تجارب الأخطاء الطبية...و كثيرة هي شكاوي مرضى ضعاف ،ضعف المرض من العجز و ضعف خيبة الأمل الكبيرة لأجل استعادة أم لجنين مات بسبب إهمال لم يعرف بعد أن كان مقصودا أم أن دورة تكوين الجنين لم تكتمل، أو لمريض آخر نسي الجراح ضمادة في بطنه و لم يعرف أن كان إحصاء الضمادات قد سقط منه رقم واحد أو أكثر سهوا..أو لمريض آخر تلقى حقنة ليست بتلك المقررة في وصفة أو تعليمة الطبيب المعالج.

كل هذا، فما بالك إن ترتب عن الخطأ موت المريض بعد صراع طويل مع الألم.

قديما و في العصر الفرعوني كان يفرض في بعض الأحيان عقوبة الإعدام بحق الطبيب المخطئ و كذلك الحال عند الإغريق ، أما عند الرومان فكانت العقوبة تنفذ من قبل آهل المريض الذين كان لهم الحق في المطالبة بثروة الطبيب المخطئ.

و في الشريعة الإسلامية يمكن الحجر على الطبيب الجاهل مصداقا لقوله عليه الصلاة و السلام:"من تطبب و لم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن".

و في حديث آخر" أي طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت ، فهو ضامن".

و يعمل التشريع السوري و الفرنسي بذلك.

لكن ما يمكن طرحه كسؤال وجيه هو:

متى بدأت المسؤولية الطبية في الظهور بشكل رسمي؟

     في واقع الأمر برزت المسؤولية الطبية بشكل رسمي في النصف الثاني من القرن العشرين، و محكمة النقض الفرنسية هي أول من أرست قواعدها بموجب قرار صادر بتاريخ 18/06/1835 ، و لكم أثار هذا القرار سخطا و لغطا من الأطباء ،إلا أن تطورا كبيرا عرفته فكرة المسؤولية الطبية بين من يضفي الطابع التقصيري عليها ، و بين من يضفي عليها الطابع العقدي.

فالمسؤولية التقصيرية تقوم على إخلال بواجب قانوني عام و هو الالتزام بعدم الإضرار بالغير انطلاقا من نص المادة 1382 و ما بعدها من القانون المدني الفرنسي، حتى الفقه المصري يرى أن مسؤولية الطبيب المدنية هي أيضا تقصيرية على اعتبار أن طبيعة العمل الطبي تستمد أصولها من القواعد

 

القانونية بالتزام الطبيب في علاج المريض لجانب الحيطة أثناء العلاج .

    أما القضاء الجزائري ، فقد أفرد المشرع في القانون المدني في القسم الأول و الثاني من الفصل الثالث تحت عنوان ( العمل المستحق للتعويض)من أن القضاء الجزائري كان يخضع إبان فترة ما قبل الاستقلال لأحكام القانون الفرنسي ، أما فترة ما بعد الاستقلال فاستمر في تطبيق أحكام القانون المدني الفرنسي.

هنا صورة واضحة لاستمرارية فكرة الاستعمار القانوني، تبقى فكرة تعويض المريض عن الضرر الناجم عن الخطأ و المنصوص عليها في المادة 124 قانون مدني بمثابة تسكين للألم و ليس خلاصا منه.

أما المسؤولية العقدية فهي تتحقق إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه العقدي،آو نفذه بشكل معيب أدى إلى إلحاق الضرر بالدائن، فالمسؤولية العقدية هي جزاء العقد ، لكن هناك إشكال بدى واضحا في تكييف المسؤولية المدنية على أساس أنها مسؤولية عقدية ،حيث لاقت إشكالا فيما بين الفقه و القضاء ،إذ منهم من يراها مسؤولية تقصيرية و منهم من يراها مسؤولية عقدية ،لكن ليس هذا هو المهم ، فالمهم بل ما أراه الأهم هو ضرورة سن قوانين صارمة سواء في قانون الصحة أو العقوبات يوافق حجم الأخطاء المرتكبة و بالتالي بعد التكييف الملائم للخطأ يأتي تطبيق العقوبات بغض النظر عن تحديد العجز بل لابد من صرامة في التكييف و التطبيق على السواء ، فعلى سبيل المثال نأخذ قانون الصحة (قانون رقم    85 -05 مؤرخ في 26 جمادى الأولى عام 1405 الموافق 16 فبراير سنة 1985 يتعلق بحماية الصحة و ترقيتها) ،نجد نصوص قانونية تتعلق ب:

*حماية الصحة و ترقيتها.

*الدراسات الطبية

*مدونة أخلاقيات الطب.

*الخدمة المدنية.

*حماية الصحة النباتية.

*الوقاية الصحية و الأمن و طب العمل.

*الوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها.

ظننت أني سأجد ضالتي حول الأخطاء الطبية و المسؤولية و العقوبة المقررة لذلك في مدونة أخلاقيات الطب، لكن لم أجد مادة تغذي عقلا عطشان لأجل سد رمق سببه فراغ قانوني.

يبقى أن الأخطاء الطبية هي في طابور معاناة المرضى و في رزنامة الصرامة المفقودة، هي الآن ما بين سندان الأطباء و مطرقة القانون،فالمفروض أن لا يكون فيه سندان بل مطرقة تدق على طاولات العدل إحقاقا للحق و ردا لاعتبار طال وقته لمرضى فضلوا الاستظلال تحت مضلة الصبر،لأن فكرة القضاء و القدر أجابت و لا زالت تجيب عن كل سؤال أو رغبة في اقتصاص عدالة مشروعة.

أضافة تعليق