ابك على خطيئتك
وامسح دمعك بيدك
أن تستمع إلى مديح ديني يقلب شعورك ويزلزل نبض قلبك إلى ما كنت عليه بالأمس من الضلال في أنك لم تكن تعي جيدًا أنك في طريق الخطأ، وأن تبكي على ماضيك بكاءَ الندم، لهو خير لك من انتظار الغدِ ببادرةِ تجاهُلٍ، وهي من أعظم الذنوب.
كل شيء يبدو مفهومًا اليوم ولا لبس فيه، كل الخطايا أضحت مفكوكةَ العقد ولا غبار عليها، وكل الظنون أصبحت أكيدة أنك كنت في تيهٍ وضياع، ولم تكن تدري البارحة أين الخلاص؟!
اليوم ثم اليوم هو اتساع مجال رؤيتك، فالضباب منقشع أمام رؤاك، والسحاب منجلٍ من فوق سَماك، والأرض طاهرة من تحت قدميك، وأنت في سكون، سكون العتاب وركون الضمير إلى أنك اليوم فقط عرَفت الحقيقة في أنك لم تكن تعي الواجب في الماضي، أوَليست نعمة أن كان المجال متسعًا أمامك لتبكي على نفسك قبل فوات الحال إلى غير عودة، لتدرك ما يمكن تداركه؟ أولم تكن بحاجة لأن تفهم مرادك ومآلك؟ أولم تكن في حَيرة من أمرك؟
نعم كل ذلك كان، وبالأكيد كان من فعل التأكيد، على أنك صحوت اليوم فقط، إنها الحقيقة يا إنسان، فاحمَدِ الله أن جعلك ممَّن يحاسب نفسه ويبكي عليها، ولكن!
عندما تبكي على تقصيرِك امسَح دمعك بيدك، إنه تمام الوعي في أنك صاحب القضية، ولا أحد سيحاكمك بذلك، ثم من عزَّة النفس أن تكتفي بنفسك لنفسك في عزائها من التقصير، وليس في الدفاع عنها لتريح بالك، بالعكس كلما شعرت أنك مذنب كان ذاك إنصافًا لذاتك ومن ذاتك، فلا أحد يأخذ عنك دورَ المواجهة حينما تشهَدُ عليك أعضاءُ جسمك صدقًا وكأنك لست ملك نفسك، حينما تسأل عن تلك الشهادة، لكنها إرادة الله الذي أنطق الحق ليقرّ فيك وليس في غيرك.
أويكفي البكاء لاستلهام الرشد من توبة؟
أوينفعُ الندم حين يطول الحساب مع الذات؟
كم يبدو الأمر مسؤوليةً كبيرة على نحو أمانة الخلقة؟ أَوَخُلِقْنا عبثًا؟!
إنها تساؤلات حقيقة الوجود من تمام فضل الكمال لله عز وجل.
أَوَفِي انتكاسةِ الظهر إقرارٌ بالاستسلام حيال المواجهة أمام حقيقةٍ لا أحدَ له القدرة في إخفائها؟
أَوَفِي سقوط الدمع انكسارٌ على الأرض، عقم في الكلام، حينما يعجز اللسان عن التعبير عن الإحساس في أن ما مضى أكبر ثقلاً من اليوم؟
أَوَفِي رمي حمل الجسم وقع الفشل في نهاية كل مقاومة فرار من عذاب الصراع؟
نعم، هي وصفة موقف الحقيقة المرّة، لا يهمُّ عنوانها، فالمهم أن ما كان في ذاتك ظهر كالبرق فجأة؛ ليعلن أنك في حصارٍ مع نفسك، ولكن من الأحسن لترتاح ويرتاح قلبُك، وترتاح روحك، أقبل إلى الله في تذلل، فلا تدمِّر رحلة الحياة بخسارة الثواب، إنها لقطة العمر فاشترِ ما يكفيك لخلاصك.
أنا بدوري أكتب هذا الكلام ودموعي تنزل لتقر أني في مواجهة بقلمي، مثلما أنت في مواجهة بدموعك، أحب هذا البكاء المرهف؛ لأني فيما بعد سأرتاح بعد أن أكون قد كتبت ما يجب كتابته، فمثلما بادرت ومسحت دمعي، افعل كذلك لتشعر أنك صاحب ضمير حي وقلم جريء إن كنت كاتبًا مثلي، وإن لم تكن فَيَدُك تُغنيك عن مساعدة الناس، ولستُ أرى ضرورةً للمساعدة في مواجهة الحقيقة وكشف المستور أمام المحظور من الشعور والفعل.
جرَّبت مثلك اندفاع العبرات من عيوني، كان بالموازاة انشراحًا لصدري من ضيق الندم.
فيا كاتبًا تنثر أقلامُه من كفِّه درًّا على الأسطر، حينما تنتهي امسح دمعك بيدك، واستأذن قلمك وصفحاتك؛ لأنك ستكف عن البكاء حتمًا حينما تشعر أنك تحدِّث نفسك قائلاً:
يا أيها المُضْمِرُ همًّا لا تهمْ
إنك إن تقدر لك الحمى تحمْ
ولو غدوت شاهقًا من العلمْ
كيف توقيك وقد جف القلمْ
|
لكني على يقينٍ إن جفَّ قلمي ليس يجفُّ دمعي؛ لأني والدمع في تفاعلٍ لإحداث حدث التوبة، وفي حقيقة أمري أني أكتب بالدموع في الأكثرية من الأوقات، نعم إنها الحقيقة، تذكر أن تمسح دمعك بيديك؛ لأن الحكمة في ذلك أنك صاحب القضية، قضية المصير المحتوم.