مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/10/04 23:17
عذابات الخداع

عذابات الخداع

 

تحت لون الإبداع تكتب "أيها المظلوم" سيرة اقتصت الجزء الأكبر من صبرك، كنت صامتًا وهادئًا، ولكن بالمعنى التمردي لسلوك فيما بعدَ مرحلة الصمت؛ لأنك ثُرْتَ ضدَّ من ظلموك، ومن أرادوا اقتصاص هالة الاحتواء لجراحك.

 

كم كنت تجيد نسيج الوردة من عمق الألم! وتتقن أكثر فواصل الصمت المحمود؛ حتى لا تفقدَ أعصابَك، وتفقد كل شيء، بل كل شيء يبتعد عن مجال نجاحك!

 

كنت ذكيًّا أيها المظلوم، ولكنك ضعيفٌ جدًّا في نفس الوقت؛ بتحملك لكل هذه الضريبة الشاقَّة، ومَن في زمن التلوُّن السلوكي يعمل مثلما عمِلْتَ؟!

 

لم تكن أبدًا مفارقةً أو تناقضًا منك، بقدر ما كنت حريصًا ألا ينفلِتَ النصر من بين يديك؛ لأنك تعرف جيدًا أن الفوز الحقيقي محقق وآيلٌ للضياع في نفس الوقت.

 

ولعَمْرُك أبحرتَ هذا المقطع من مشاهد الظلم عندك، والمرجعيَّة دائمًا هي تجاربك المؤلمة مع مَن تفنَّنوا في إيذائك، أو بالأحرى إهانتك، ومعذرة على التدقيق؛ لكنها أمانة التعبير من تقتضي دقةً في الوصف، كنتَ أذكى بكثير ولم تبذل في فرض هذا الذكاء طاقةً أو علمًا أو خيالاً، بل كانت سذاجتك المحكومة الأبعاد، والتي نمَتْ بداخل نفسك أعوامًا وأعوامًا، وهي ما كان لغزَ نجاحك، والذي حيَّر كثيرين من ظُلاَّمك في سؤال منهم: من أين له بهذه القوة؟! ومن أين حصد هذا الثبات؟!

 

فكان الصمت منك دائمًا هو إجابتك!

جميل جدًّا هذا الموقف البطولي منك والشجاع! رائع جدًّا أن تُمسِك بزِمام الأمور من غير أن تَفقِدَ عزيمةً ربَّيْتَها بتفكير عالٍ وراقٍ في المستوى الأخلاقي خاصة.

 

بقيتُ أفكر في مصدر هذا التحمُّل وهذا التسويف فيما يؤلمك، كنتُ جادةً في بحثي؛ لكني لم أكن بالمُتَطفِّلة بالمرة، فكان أن فهمت أن محنةَ التجارب تُصقل العقلَ، وتُلهبُ المشاعر، وتَخلقُ في المظلوم نبرات من اللاعودة إلى الخلف والترفُّع عن ضعف الآخرين؛ لأن هذا الضعف يُربِكُ حركاتِك، ويذبذب التركيز لديك.

 

حتى إن عذابات الخِداع تجعلك تَنعزِلُ وعلى قدر كبير من المسافة؛ حتى لا يسمع أحدٌ آهاتِك من عنق زجاجة الضعف، ليس بالأمر السهل على الإطلاق، خاصةً إن وافق هذا الأسلوبَ منك مِحنٌ أكثرُ صعوبة؛ كأن يلمَّ بك مرض أو فاقةٌ صحية، أعتقد أن انفجار البكاء لديك له ما يبرره، وليس له ما يوقفه في أشد المحن كهذه!

 

ثم لا وسيلة تُلطِّف أجواء الحزن سوى عبراتك؛ لأنها ستنزل بضغط نفسيٍّ من العذاب! فالدموع تُتَرجِمُ مأساتك، وترفض أن تغفر لمن تطاولت أيديهم إليك.

 

صدقًا، أحتار في خاتمة الكلام؛ ليس لتعب في فكري أو يدي؛ ولكن لقلة حيلتي، لو كنت مكانك في مثل هذه العذابات التي لا ترحمُ، وقلت: "لا ترحم"؛ لأنها نبعت من خداع؛ إذ كيف بالأمس صديق وقور يأكل معك الطعام على طاولة واحدة، ويتسامر في الحديث بكل إخلاص في تبادل الوُدِّ، ثم ينقلب بغير رحمة ليزلزل هرم الكبرياء عنك؟!

 

دعني اللحظةَ أختمُ حديثًا شائقًا ومثيرًا للكثير من الجدل، ومُسيلاً لدموع الأسى! لحين تتوقف عن البكاء، وأَعِدُك أني سأكمل مسيرةَ الصراحة بدلك، وسأنتقي أحسن الأوقات وأكرم اللقطات من هذه العذابات؛ لأوصل الفهم والإحساس لمن ذاقوا وَيْلات العذاب.

 

ولكن يبقى الإصرار على انتفاضة الروح في أن تثأر لنفسها خيرَ الحلول وأنجحَها لتحقيق مصالحة مع ماضٍ حمل معه الكثير من الأحزان، ولن تكون مصالحة رضًا وسكوتٍ بقدر ما ستكون مصالحة ردِّ الاعتبار، وعلى النحو الذي يُسكِتُ جوعَ آهاتك، ويَحبِسُ دمع حيرتك من ظلم لم تكن تنتظره بالمرة، لكنه حقَّق فيك عذابات احترت أنا في اختزال الضرِّ منها بقلمي، فما بالك أنت؟! بارك الله في صبرك!




أضافة تعليق