هل كان في الاستقامة[1] قسم لذي ضعف؟
كينونة الوجود تُقِر أننا لسنا عُبَّادًا للحياة أو أسرى للظنون، حتى إن ضاقت بنا الدنيا، فإننا نَقتات ما تيسَّر لنا من أفكارٍ على مَدارج جامعة الحياة، فنُصحِّح ظنَّنا في أننا تحدَّينا الكثير من خطوب الدنيا وصعابها، فكَّرنا لم يَرضَ يومًا أن يكون سجينا لأهواء أُناس أرادوا لنا عنوانًا بسيطًا، تكتبه أناملُهم على جباهنا، في أننا تحت رحمة رغبات لا تُنظِّمها دوافعُ إنسانية، أو حتى قراءة خيرية لكِيانٍ أراد أن يسير نموذجًا ربانيًّا، تدفع إليه الفطرة البريئة، وإحساس برساليَّة الطموح.
حتى نبدأ من أين نسوا، سنَحترم نقطة نظام جعَلت منَّا - نحن المستقيمين - مُفترقَ طرقٍ للكثير من الأحباب، كنا نَعُدُّهم كذلك، لكننا نُفاجَأ أنهم اخترقوا مجال الاستقامة دونما استئذانٍ؛ ليرسلوا شارات حربٍ دونما تخطيطٍ مُحكم؛ لأن صبرهم نفِدَ في أن يَروا كلَّ يوم جمالاً ربانيًّا أراده الله - عز وجل - ليَنعكس على الأرض في ثوب بَهِيٍّ بألوان زاهية.
هي هبة لا تعُطى ولا تُؤخذ، لكنها تستقر في أبدان لا تَعرف للإسراف طريقًا، ولا تَنشد من الدنيا مُبتغًى سوى تمكين شرْع الله، وقول الحق بلسان فصيحٍ، فيه من الجرأة ما يَنطلق سهمًا مُصوَّبًا إلى عقول خاوية؛ لتُوقِظ ضمائر ميِّتة في أنَّ الجمال موجود، وأن الإبداع موجود، لكن هذه العقول لم تُدركه في أوانه، فاستَبق المستقيمون؛ ليُنشدوا من الإبداع أنشودة تَطرَب لها الآذان، حتى وإن كانت صمَّاءَ؛ لأن صدى الاستقامة يُرسل في كل مكان، فنَتساءَل إن كان في الاستقامة قسمٌ لذي ضَعف، ولأني ممن خاضوا تجربة الحياة، أُجيب بنعم، هناك قسم لذي ضَعف، ولكنه من ضعفٍ.
صراحة لم أشعُر بالخوف منه؛ لأني كنت أعلم من البداية أن الحرب ستنتهي بالخسارة؛ لأنه لو كان قسمًا من قوة إيمانٍ ومن قوة اليقين في أن الاستقامة هبة من الله، لانتَصر هذا القسم، ولآتى أُكُلَه كما أراد أهلُه، فنصيحتي لكل مَن تتحرَّك نفسُه نحو الظلم، أن يَحبِس هذا الظلم بأنفاس الاستغفار، والعدول عن سلوكٍ لن يَجلِب إلا الخِزي والندم، ثم ليَعلم هؤلاء أن اليأس من النجاح يَمنع كلَّ كلام، إلا أن القرآن كونٌ ناطق، والكون قرآن صامت، فذاك تَرجُمان عن ذاك، لكن ما هو تَرجُمان الظلم؟
نصيحة أخرى لهم: إن هؤلاء - مَن فيهم الاستقامة - هم يحترقون في الدنيا مثل الشموع بهدوءٍ؛ لتُنير الطريق لأمثال هؤلاء: مَن أرادوا الفناء والزوال لنورهم.
بالله عليكم، كيف تَنتصر قِيم الحضارة، وتُصبح عنوانًا لألفيَّة جديدة؟!
أم تريدون لمصير هؤلاء أن يكون كمصير الديناصورات في انقراضٍ بلا ورَثة؟!
سأتغنَّى بهذه الأبيات؛ ففيها سَلوتي وأمانيَّ، وأُهْدِيها لكلِّ مَن يُفكِّر في أن يأتيَ بظلمٍ:
وَإِذا رُميتَ من الزمانِ بشدَّةٍ
وأصابَك الأمرُ الأشقُّ الأصْعبُ
فاضْرَعْ لربِّك إنه أدنى لِمَن
يَدْعوه من حبْل الوريد وأقْربُ
واحْذَر من المظلومِ سهمًا صائبًا
واعْلَمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحْجَبُ
|
[1] القسم هنا هو بمعنى الوعيد بمحاربة أصحاب الاستقامة؛ لأنهم يُثيرون الغَيرة لدى أصحاب الإيمان الضعيف.