الحرب على المبادئ صراع عقيم
الحضارة بمفهومها العام هي مجموعةُ القِيَم، هي تجسيدٌ لمبادئَ راقِيَةٍ على أرض الواقع؛ لنَستشعِر مدى كينونة أجسادِنا بنبْضٍ صادِق؛ حبًّا في حياة بكَرامة، حبًّا في العيش بعزَّة؛ فالأصل كل الأصل أنَّ ما مِن حرٍّ انتصر في ثورة فجَّرتها مظالمُ عدَّة إلا ويُصرُّ أن لا يُهان، لا يُحتَقر، لا يُداس عليه بأقدام التكبُّر والتعالي؛ لأن القامات التي لا تصنَعها حضارة المبادئ هي آيِلة للتقزُّم بمُراد الله، بفعل حرب المبادئ.
تراجيديا الحوار حول المبادئ - والتي تَنبثِق من موسوعة الأخلاق - بإمكانها أن تضع دستورًا حياتيًّا مُنظَّمًا، بشرط أن يَكون الحوار فيما بين الطاقات الفاعِلة - على اختلاف ميادين إبداعها - حوارًا بنَّاءً، يَزيد مِن لهيب النِّقاش والنقد البنَّاء.
صحيح أن المبادئ شيء يَرقد بداخِلنا، لكنَّنا كل يوم، وفي كل مُناسَبة؛ بل في كل لحظة نحن في تأهُّب بسبب شعور يَنتابُنا مِن أن مَبادئنا في خطر؛ حتى إننا لما نُرسِل إشعاعات الاستِكشاف في مصدر الخطَر وهدَفِه، نصل إلى نتيجة أن نفوسًا مريضة هي التي شنَّت حربًا، نعم أقول: شنَّت حربًا؛ لأن الغيرة تُفجِّرها مِن دون سابق إنذار، واستعمَلت في ذلك سلاحَ الضَّعف، والهدفُ بطبيعة الحال هو القضاء على المبادئ السامية.
يَحضُرني في ذلك أن حقيقة الحرب هي صراع فيما بين جبهتَين، كلتاهما تريد الانتصار على الآخَر، فهل ما يَحدث مِن حرب على المبادئ هو صراع فِطريٌّ وُجد منذ وُجد آدمُ على وجه الأرض.
هي مفاهيم خاطئة في الهدف، وليس في الوجودية؛ لأن القرآن صحَّحها وسطَّر منهجًا صحيحًا في تربية الذات بعقيدة سامية، سَمَتْ وارتقَت بمبادئ الإسلام الجميلة.
ما أتمناه؛ ويتمنَّاه كل غيور على المبادئ - وأمنيتي ليست بالمستحيلة - هو أن يتوقَّف هذا النوع مِن الحرب، وحبَّذا لو يوجَّه الأسطول الحقيقي بكامل عدَّتِه باتجاه بيت المَقدِس، أظنُّ أنها الحرب الحقيقية، ومن أعماق قلبي أتمناها حربًا سِجالاً، وليس بالهدنة؛ لأن العجوز والأمَّ الثَّكلى والطفل البريء يَموتون كل يوم.
متَّفق عليه أن المبادئ حيَّة لا تموت، وأي حرب عليها ستكون عقيمة الهدف، فيا ذوي النفوس الضعيفة، دعونا نفكِّر بتركيز في مساحة القدس وطول الأحفار التي حُفرت أسفلَها على الأقل؛ لنُقارن فيما إذا كانت قاماتنا ستَرعَب عدوًّا سيَختبِئ خلف شجرة لأنه جبان، ثم الحجر سيَنطِق بمراد الله ليَدلَّنا على عدوِّنا أين يختبئ، إذًا نحن لسنا بحاجة إلى سلاح مع عدو ظلَّ يَرعَب لسنوات عديدة إخوانَنا، ويدوس على مُقدَّساتنا استهزاءً بنا، في حين رضي البعض مِنا في شنِّ حرب المبادئ، مبادئ رفيعة المستوى، بإمكانها وحدها أن تشنَّ حربًا وسلاحها التقوى؛ فهي الناطق الرسمي على لسان مَبادئ فضَّلت الرقودَ في بواطنَ زكية، ولم ترضَ بالسُّبات لا لشيء سوى أنها تَنتظِر صحوةً رائدةً لتنفجِر كالبُركان الثائر، بالله عليكم أي قوة ستُخمِد بركان المبادئ؟
لديكم الإجابة، وأنا بدوري لدي الإجابة، فليحتفظ كل مِنَّا بإجابته؛ حتى تأذن لنا المبادئ أن نصرِّح بها...