إن ما منحته الأسرة اليوم لمجتمعها من أفراد أسوياء، أو العكس له علاقة - إلى حد كبير- بما قدمته من سلوك إيجابي أو سلبي من طرف الوالدين، و تأثير الأم بالذات على أبناءها بالسلب أو بالإيجاب لا ينكر، يجب أن تعلم أن أقل عمل تعمله يكون بمثابة بذر تزرعه في أذهانهم، و كل أعمالها تؤثر على أوضاع أبنائها، و بالأخص منهم البنات، فلها أن تدرك هذا، فالحقيقة التي نعيشها اليوم نستطيع أن نلخصها في كلمتين: "كيف يستقيم العود و الظل أعوج" . فإذا كانت الأم المربية تعتقد أمورا خطأ، و لا تعرف من شعائر دينها إلا القليل اليسير، و تأتي بأمور لا أخلاقية كالسب و الشتم، و التجريح بالكلام، إذا كانت الأم المربية على هذه الشاكلة، فماذا ننتظر من الأطفال مستقبلا، هم مؤكدا سيكونون على شاكلتها، لأنهم يرون أن ما تفعله والدتهم هو الأصح تربويا. و من هنا نوجه حديثنا للأم حتى تدرك رسالتها التربوية في الحياة، و تدرك مسؤوليتها في تربية الأولاد و تكوين شخصياتهم، و هي لا شك مسؤولة عنهم و مسؤوليتها في ذلك أكبر من مسؤولية الأب؛ لقرب الأولاد منها، و لطول الوقت الذي يقضونه معها، و هذه المسؤولية قد عبَّر عنها القرآن بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ".(التحريم:6) و هذا الشيخ الدويش يقول:" و لعل من أسباب ما نعانيه اليوم من مشكلات لدى الفتيات، يعود إلى تخلف دور الأم التربوي، و يضيف قائلا :" فالفتاة تعيش مرحلة المراهقة، و الفتن و الشهوات، و المجتمع من حولها يدعوها إلى الفساد، و تشعر بفراغ عاطفي لديها، و قد لا يشبع هذا الفراغ إلا في الأجواء المنحرفة، أما أمها فهي مشغولة عنها بشؤونها الخاصة، أو بالجلوس مع جاراتها و زميلاتها، فالفتاة في عالم، و الأم في عالم آخر، أو هي مشغولة بتدبير كل الوسائل الناجعة حتى تزوج ابنتها، بأي طريقة كانت و كيفما كانت"... إذن لابد أن تعيش الأم مع بناتها و تكون قريبة منهن؛ ذلك أن الفتاة أجرأ على مصارحة الأم أكثر من جرأتها على مصارحة الأب، فالاقتراب منها يساعد على ملء الفراغ العاطفي لديها، و الفراغ الوجداني، و الفراغ الاجتماعي، و الفراغ الديني، فإن هي تخلت عنها، فبما تملأ هذه الفتاة هذه الفراغات كلها؟: بالقراءة؟ ليتها تفعل ذلك، لكننا لم نغرس حب القراءة لدى أولادنا. و لو فرضنا أنها تحب القراءة و تقدر عليها، فإن الفتاة ستشعر بهوة سحيقة بينها و بين أمها، و ترى الفتاة أن أمها لا توافقها في ثقافتها و توجهاتها، و لا في تفكيرها، و تحس بفجوة ثقافية و فجوة حضارية بينهما، فتجد البنت ضالتها في مجلة تتحدث عن الأزياء، و عن تنظيم المنزل، و تتحدث عن الحب و الغرام، و كيف تكسب إعجاب الآخرين، فتثير عندها هذه العاطفة، و قد تجد حاجتها في أفلام الفيديو، أو قد تجد ضالتها من خلال الاتصال مع الشباب في الهاتف، و إن عدمت هذا و ذاك، ففي المدرسة تتعلم من بعض زميلاتها مثل هذا السلوك، و ذلك مما يعرضها لمواقف قد لا تحمد عقباها، إذ قد تتسبب لها في مشاكل يعسر عليها التخلص منها، بل قد تتعرض لما يدمر حياتها و يقضي على مستقبلها قضاء مبرما، فيا أيتها الأم الفاضلة أتحبذين ذلك لابنتك...؟ إذا لا بد للوالدين أن يكونوا أكثر دراية بما ينجر عمّا يقومون به من أخطاء تربوية فادحة، حتى الغفلة البسيطة قد ترتد بالشر الوبيل على أبنائهم و مجتمعهم، و تؤثر على حاضرهم و مستقبلهم جميعا، إن حضن الأم يعتبر بمثابة مدرسة هامة، ينهل منها الطفل الأصول و الضوابط الأولية في الدين و الأخلاق و التواصل الاجتماعي، التي يحتاجها إليها في حياته الاجتماعية ككل، بحيث تبقى آثارها إلى آخر العمر". إن للوالدين أكبر التأثير على الأبناء و هذا ما لا يماري فيه أحد من الناس، و تأثير الأم على بناتها أبلغ و أشد من الأب، و إذا كان الولد يشبه بأبيه في الغالب الأعم، كما يشهد بذلك المثل الذي يقول :" من شابه أباه فما ظلم " فكذلك البنت تتشبه بأمها و لذا يتوجب على الأم أن تكون على وعي بما يصدر عنها من تصرفات، في محضر ابنتها أو غيبتها لأن ابنتها ستنسج على منوالها، و تتبنى مواقفها، و تعتنق مبادئها، و تتأثر بأفكارها كيفما كانت، فلتتقي الله في أطفالها و في مجتمعها، و لتذكر حديث المصطفى عليه الصلاة و السلام الذي يقول فيه:" كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته..." فهي إذن ستسأل عما قدمته من نماذج سلوكية لأبنائها بنين و بنات، و لقنتهم من مبادئ، و ما علمتهم من أخلاق، لأن مسؤوليتها لا تقتصر على ما تقدمه لهم من خدمات، بل تمتد لكل مجالات الحياة، بل هي تتعدى الدنيا إلى الآخرة، إذ ينبغي على الوالدين أن يحرصا على تربية أولادهم التربية الصالحة، التي ترضي الله عنهم بما يوجب لهم الجنة و يقيهم عذاب النار...