صلاة الفجر وشهادة شهيد
بعدك يا شهيد، سيأتي فجرٌ جديد، ابنك يبكي وداعَك، وزوجتك تُزيِّن شهادتك، كم كان دمك رقراقًا متلألئًا على أرض العزة والكرامة، حتى الشهادة تختار لها موطنًا طاهرًا لتلقى لها موضعًا يليق بمنزلة الشهداء.
برصاصة الغدر استشهدت وغيَّرت وجه العالم، سجدت يا شهيد قبل موتك،؛ أن يا رب أريد شهادة في سبيلك.
ردَّد من بعدك أولادُك من أن لك مدوِّنين لأسطورة جهادك، فلو كنتَ حيًّا لأجبتَ أولادك وشعبك أن من بعد موتك خلَّفت وراءك فجرًا لامعًا، ولكن بعد أن تصلي صلاة الفجر يليها دعاء، هو دعاء النصر.
كنت قبل أن تستشهد تحمل ابنتك على أكتافك؛ لتعلمها أن تكبَر بسرعة دونما خوف، فراحت تُردِّد بعد موتك قائلة: أنا ابنة الشهيد، ولي دور في البطولة من على أكتافه.
فبعدك يا شهيد ظهَر أمل ألا حياد على الحق، ابنك هو الآخر مضى ليَحمِل كفنك، وهو من سيحمل نعشك مع جيرانك، ولم يسمح لأحد أن يشيعك؛ لأنه يريدك فخرًا له من أنه ابن الشهيد.
بعد تشييع جثمانك، بعد صلاة الفجر لتُواكِب موكبَك ملائكةُ الرحمن؛ ليتجلى ظلام الحزن عليك بإشراقة عهد جديد، هي صلاة الفجر دائمًا معها الموعد مع تكبيرة الأذان؛ ليزداد مَن يطلبون لك الرحمة بتسابيح المغفرة.
ولعلمك يا شهيد أنه يلي صلاةَ الفجر أنشودةٌ يُنشِدها جيرانك وإخوانك، عنوانُها فرحة الشهادة؛ وفاء لك وإقرارًا منهم ببطولتك، وبين فواصل الأنشودة انطلقتْ زغاريد الفخر من زوجتك وأمِّك؛ لأنك ستشفع في السبعين من أهلك، ولو أن أمك كان لها الحرص الأكبر في أن احتفظت بصورتك؛ لتُقبِّلها في كل مرة تَحِن فيها لطفولتك قبل أن تغدو أبًا، ومن ثَمَّ شهيدًا، كم أصبح لك مُحبون ومخلدون لذِكراك، وكم أنت محظوظ يا مغوار! سلام عليك في نوم أنت فيه قرير العين في قبرك، موتك سيُحيي أمَّة من موت الضمير، ويصنع انتصارًا ضد الأعداء.
نم إلى الأبد يا شهيد، فأنت ناجٍ يوم الفزع الأكبر؛ بعد أن غفر الله لك مع أول دفعة من دمك خرجت من جسدك فغُفِرت ذنوبك، ثم أنت مُجار من عذاب القبر؛ مثلما سأل رجل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)).
أي مكافأة لك يا شهيد حظيتَ بها من عند الله - عز وجل - وأنت تتقدَّم بصدرك للموت ولا تولي الخطوات؟ هي صلاة الفجر تلاها دعاء النصر من بعد شهادتك، اللهم ارحم كل من مات شهيدًا في سبيلك!