مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/10 18:06
أشقياء ام أتقياء

أشقياء أم أتقياء؟

 

قضايا العالم كثيرة، وقضايا النُّصْرَة للحق عديدة، مواقف الشجاعة نادرة، لكنَّها تُزَيِّن مداخل السجون، أينما أُرِيدَ بالإسلام سوءٌ في اغتيال الفكر والمنطق والعدالة، فهناك سلام وخلاص، هما أمنية من نحسبهم بالعين أشقياء، لتتوزع الأدوار والبطولات في مقامات عديدة، ولي في المناسبة تحية لكل من يبتسم وراء القضبان نصرة لقضية عادلة، لكل مظلوم صدح عاليًا أنه يلتزم المساندة، أينما يوجد عدل الله في خلقه وكل مخلوقاته، فألفُ تحية واحترام وتقدير لشجاعة فذة.

 

كلما اهتز الضمير لمحاولة تشويه صورته، انتفض محتواه في سبيل كف التجاوزات على ما سنته الشريعة السمحاء، وما أراده الله - عز وجل - في إرساء حياة على وجه الأرض، ولو أن في سؤال الملائكة في أنه سيكون من يفسد ويسفك الدماء، وهي من تسبّح بحمده، لكنها الحكمة الربانية في أن يخلق الإنسان ويصطفي مما خلق شهداء إلى يوم الحساب، فهؤلاء الشهداء هم من سيكونون أدلة على غيرهم ممن رضوا بالحياة الدنيا منزلة للمتعة والطغيان والتجبّر.

 

حقائب الفقر تجرّها أيادٍ قاسية الملمس، بعضها من برد عنيف كسر التألق لدى الفقراء، فراحوا يُخْفُون ألم الجوع بعدم مد يد السؤال؛ حماية وعفافًا لماء الوجه، مرضى في مستشفيات للتداوي، لا دِرْهَم وقاية كفاهم تاج العلاج، ولا قرابة أهل واست فيهم شدة ألم المرض، ولا زيارات متكررة لهم للسؤال فيما إن كان الطبيب قد أدى الواجب لتكتمل الرحمة وَفْق بنود إنسانية مرتبة المظهر والمحتوى، عاملون ببساطة المظهر في الملبس ينظفون شوارع تحت أمطار كثيرة لينحني الرأس إلى طريق كسب الرزق منه فيأتي على كل الشوارع في صمت رهيب منه، ربما هو يفكر في عشاء أولاده أو في سداد فاتورة الماء أو...، والاحتمالات عديدة، لسنا ندري ما يجول في قلب الإنسان البسيط من عوام الناس؛ لأنه لا يبغي شكوى إلا للواحد الأحد في يقين منه أن الله هو الرزاق، وأن في طلب الناس مذلة وإحراجًا، فكان الذهاب والإياب تمامًا لساعات الكد والجد، حتى الفلاَّح في تعلقه بالأرض، إنما هو انبعاث الصلة الوطيدة من يوم عرف حرفة الفلاحة، فأصبح عيشه بعيدًا عن الأرض من المحال له بالتمام، هل هذا الصنف من الناس أشقياء أو أتقياء؟.

 

في الحقيقة إن كل ما كان وراء الكواليس هو من الظاهر سيبدو في زفرات التحمل الشديد بالمدى الطويل لرجاء الفرج والانتهاء من عذاب الروح، ولو أن هذا العذاب هو لذة الاسترزاق بالكسب الحلال، والصبر على محن الدنيا، فلست أرى أن السؤال سيمتدُّ إلى البسطاء من الناس؛ لأنهم أصلاً في تساؤل إن كانت الدنيا قسمت الأدوار بالعدل والتوازن بين فئات البشر، لكنها إرادة الله في أن يُنْزِلَ كل شيء بقدر، ويقسم الأرزاق بالعدل، وليس هناك شك أن أصحاب الغنى في ابتلاء بمالهم الوفير، ووفرة تخمة العيش الرغيد.

 

فحتى للأرملة قصص كل يوم مع كفاح اللقمة لأولاد تركهم لها ولي أمرهم؛ لتخرج في صراع مع الظروف والشدائد في أن إنقاذ حياة أولادها فرض لا بد منه، ولكن بكسب من حلال، وهذا ما يجعل المهمة صعبة في وقت نيل المراد بمكاسب من ظلال، ليت الذين يصابون باليأس يلقون السلاح، وليس في معنى ذلك أنهم في استسلام، وإنما لأخذ قسط من الراحة بعد عناء الكد والجد.

 

لكن لم الخوف على الرزق؛ في حين كان الأولون لا يخافون إلا الله، يقولون الحق ولا يخشون في الله لومة لائم، ولا يمنعهم خوف على حياة ولا على رزق؟ أم أن حسن الظن بالله هو ما كان يُفَرِّج الكرب، ويكشف الهموم، ويأتي بالأرزاق مثلما تأتي الطيور برزقها تغدو في الصباح خماصًا، وتأتي بِطانًا، فالحكمة في التوكل على الله، فأينما يكن الرزق فهو مدركنا ما دام هناك توكل، وليس تواكلاً، والرجاء أخذ بالأسباب بالتنقل والسعي لنيل المطلب.

 

هؤلاء الناس ليسوا بأشقياء بل أتقياء ما رغبوا في رحمة الله، ولم ييئسوا من لطفه، وَجُودِ كرمه، وطالما حديث القلب في ترجمة سريعة من أنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر أهل الكرم المكارم. فما داموا في عزيمة للعيش بما يرضي الله، وبما يحقق لهم حفظ الكرامة من أي تَعَدٍّ، فهم إذن أتقياء، وليسوا بالأشقياء، ولو كان هناك عناء كبير يكشفه مظهر الثياب البسيط، فالمهم ما وقر في القلب من نية الكسب الحلال، ولا يهم في ذلك ما تكشفه المظاهر، فلسنا نعتَدُّ بشكليات الأمور بقدر ما نهتم بجواهرها، تحيتي لكل تقي، من يحسبه الكثير شقيًّا.




أضافة تعليق