مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/02 20:13
الأخطاء الطبية بالجزائر تحليل و تعقيب(1)
الأخطاء الطبية في الجزائر تحليل و تعقيب(1)

   تناولت في المرة السابقة موضوعا عن الأخطاء الطبية كان عنوانه : الأخطاء الطبية بالجزائر..تصريحات لمختصين جزائريين ، و قد سبق هذا المقال كتابات عديدة منها الخطأ الطبي بين التجريم و التبرئة و قد نشر في موقع مركز الوفاق بتاريخ 29/12/2015 و مقال آخر نشر على شبكة الألوكة بعنوان :الخطأ الطبي اشكالية قانون أو ضمير بتاريخ 15/08/2015 ، اضافة الى بحث تخرج أنجزتها سنة 2006 بعنوان : الخطأ الطبي و المسؤولية الطبية عند تخرجي من مدرسة الصحة العمومية بالبرج البحري تحت اشراف الدكتور حاروش نور الدين و قد تناولت فيها الخطأ الطبي بنوع من التفصيل في ثلاث فصول نظرا لأهمية الموضوع ، و لربما يبقى هذا الملف يسيل العديد من المداد كونه يشكل خطرا على مصير المرضى و كون القانون لم يكن بعد مستوفيا للاحتواء الكافي للمشكل ..
و عليه ، قمت بإدراج آراء العديد من المختصين الجزائريين  في مني لضبط رؤيا كل واحد منهم بحسب زاوية تخصصه ، فكان الرأي منوعا بين رأي طبيب و مختص في الطب و قاضي و محامي و ناشط حقوقي و تبقى النظرة  المشتركة أن أغلب المحللين يرون في العدالة تباطؤ في تناول ملفات الأخطاء الطبية و تعويض المتضررين عنها و فيه من يرجع السبب للأطباء بسبب الاهمال و منهم من يرى في القانون ثغرات سمحت بتفاقم المشكلة و عليه يمكنني القول أن الخطأ  بصفة عامة في تعريفه هو الانحراف عن السلوك الواجب أو بعبارة أخرى هو التصرف الذي لا يتفق مع الحيطة و الحذر.
         أما الخطأ الطبي هو عدم قيام الطبيب بالالتزامات الخاصة به و التي تفرضها عليه مهنته فالأصل أن أي شخص يباشر مهنته تستلزم دراية خاصة و يعتبر ملزما بالإحاطة بالأصول العلمية التي تمكنه من مباشرة عمله ، فيعد مخطئا ان كان غافلا عنها (1).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1)سميرة بيطام : الخطأ الطبي و المسؤولية الطبية ، بحث قدم لنيل درجة ما بعد التدرج المتخصص في تسيير الموارد البشرية ،المدرسة الوطنية للصحة العمومية ، الجزائر، برج البحري ، السنة الجامعية :2005/2006، ص13


أما الضرر ، فانه لا يوجد تعريف مانع جامع للمصطلح ، الا ما ورد في المادتين 124 الى 140 قانون مدني جزائري و كذلك المادة 176 و ما يليها المخصصة لتنفيذ الالتزام و الملاحظ أن هذه المواد التي تعطي توضيحات هامة عن الضرر القابل للتعرض لا تقدم تعريفا للضرر و انما يستنتج من دراستها ضرورة وجوده و لا مسؤولية بدونه ، فهنا نوع من الابهام في عدم وضع تعاريف و التفرقة بين الخطأ و الضرر و بالتالي تحديد المسؤولية المترتبة عن ذلك ، هذا من جهة و من جهة أخرى ، فقد اختلفت الآراء حول المعيار أو الضابط الواجب اتباعه لبيان ما اذا كان التصرف المنسوب الى الشخص المخطئ و ظروفه الخاصة و مقارنة تصرفه بالتصرف المشوب بشبهة خطأ ، فاذا تبين السلوك موضع الاتهام أقل دقة و عناية مما اعتاده في مثل هذه الظروف و أن المرتكب للخطأ كان يستطيع في أحواله العادية أن يتفادى الفعل الضار المنسوب اليه اعتبر مقصرا...
يعني أريد القول أنه لدينا أزمة وضع نصوص قانونية واضحة و مرتبة هذا قبل ان أتعمق في لب المشكل ، و أن الترجمة التي تمت لبعض النصوص القانونية أغلبها أدبية و ليست قانونية ما يشكل نوع من الخلط في المفاهيم ، و عليه اذا كان المعيار الموضوعي يؤدي الى عدم الاعتداد بالظروف الداخلية للشخص موضع المسؤولية كقدراته الشخصية و درجة يقظته و ظروف سنه و تعليمه و صحته ، الا أنه ينبغي مع ذلك الأخذ في الحسبان الظروف الخارجية التي تحيط بالشخص وقت حدوث الفعل ، و الشخص الذي تقع عليه المسؤولية المباشرة هو الطبيب ، و لكن قبل مساءلته لا بد من تفحص ظروف عمله التي كان يعمل بها ، هل كانت في المستوى المطلوب من النوعية و الكمية ، ثم هل بإجراء فحص شخصي للطبيب ان ما كان يتعاطى مخدر أو كحول أو ان ما كان مدمن فهذا ظرف مشدد ، خاصة بالنسبة للجراح الذي يقوم بإجراء عملية جراحية ما يحمله الأمر على أن يكون وجها لوجه مع مصير المريض ، ثم هل كان التدخل السريع للطاقم الطبي في محله من السرعة ووفرة اللوازم و الأكسسوارات الطبية و التهيئة اللازمة لقاعة العلاج ، هل فيه متابعة من طرف المجلس التأديبي  للطبيب قبل ارتكابه للخطأ و معاينة ظرفه المهني ان ما كان يمارس عمله و هو في حالة نزاع اداري أو مع احد المرضى  ، ما يجعل الحالة النفسية للطبيب ليس و لا بد ليقوم بكامل تركيزه بعمله الذي يتطلب تركيز و بذل جهد و الا مغادرة عمله لحين الفصل في نزاعه ، و بالتالي  و ليس مسؤولا بطبيعة الحال عن ضمان النتيجة ان ما أخذ بكل الاحتياطات و الاحتمالات لتدخل جراحي مثلا...و هذا ليس دفاعا مني للطبيب و لكن تقصيا للظروف التي هي شرط أساسي لتمام الاجراء أو الآداء الطبي على النسق الكامل و الصحيح من الدقة و التحري.
ثم هل قانون أخلاقيات الطب تحتوي كفاية على نصوص صريحة لحماية الطبيب من التعسف في حقه ؟ ،فبحسب قراءتي لكتاب الأخلاقيات الطبية المحرر من طرف جمعية الطب العالمية ،حيث قام الدكتور محمد الصالح بن عمار استاذ جامعي بكلية الطب بتونس بترجمته الى اللغة العربية و قام  بمراجعته السيد عبد السلام بن عمار ، و جدت الكاتب العام لجمعية الطب العالمية الدكتور ديلون هيومان يصرح انه من الصعب التصور انه يوجد الى حد الآن في مهنة الطب برنامج دولي لتلقين أسس الأخلاقيات الطبية ،و عليه فهذا الكتاب هو أول اصدار لسد الفراغ ، ثم يتساءل لماذا ندرس أخلاقيات الطب ؟، لأن ذلك يساعد طلبة الطب على معرفة القضايا و تلقينهم طرق الاستجابة لها انطلاقا من تطبيق قواعد عقلانية و قد تأثرت بحسبه اخلاقيات مهنة الطب في الآونة الأخيرة بتطور مفهوم حقوق الانسان بما أننا نعيش في عالم متعدد المفاهيم و الثقافات من شأن ذلك أن يجعل التقاليد الأخلاقية الطبية في المدة الأخيرة  متعددة و متخالفة ،و بالتالي فهذا الكتاب سيكون مبدأه هو دراسة الأخلاقيات و ليس القانون..و لكننا كمسلمين نحتكم الى ديننا الحنيف فيما يخص مساعدة المريض على الموت مثلا في حالة يأسه من الحياة ، و نفس الشي ينطبق على حالة الاجهاض ، فالكتاب يذكر ان الجمعية تصرح بتباين النظريات و العقائد و كل سيتصرف على حسب عقيدته  و طبعا كمسلمين الاجهاض محرم الا اذا شكل الحمل خطر على صحة الام فالموضوع ياخذ ابعادا أخرى...
و هذا ما ترجمه في نفس السياق تصريح مدير برامج العلاج و أخلاقيات الطب بوزارة الصحة و السكان و اصلاح المستشفيات الجزائرية من أن قانون الصحة الجديد سيدعم بإنشاء مجلس لأخلاقيات المهنة و لك لسلك ، ما يترجم أن فيه أزمة أخلاق بالدرجة الأولى قبل أزمة القانون .
و لكن كان من المفروض انشاء مجلس اخلاقيات المهنة لكل سلك في الصحة منذ زمن و ما يهم بالدرجة الاولى هو كيفية تفعيل مهام كل مجلس على نسق من المصداقية و الوجاهة وجها لوجه لكل الاخطاء المقصودة أو التي كانت بسبب اهمال..
الموضوع يحتاج لنوع من الفرز في المفاهيم و في الأدوار و في ترتيب الاولويات قبل اصدار التهمة على أي كان ، فاذا كانت لدينا ازمة اخلاق و قانون فكيف أن نحتكم للحق و بعدالة واضحة الأبعاد و اساس الاحتكام في اصدار التهم غير مكتمل ؟؟
ثم الخطأ الطبي على درجات حيث تساءل العديد من الفقهاء ان ما كان الطبيب يسأل عن كل اخطائه مهما كانت درجتها و قد ذهب البعض الى أن مساءلة الطبيب عن كل خطأ بدافع الخوف من المساءلة القانونية ، و لان التفرقة بين الخطأ العادي و الخطأ الفني لا تقدم الدقة اللازمة لتحديد مدى درجة مسؤولية الطبيب عن افتعاله .
     ثم المحاكم تقر للطبيب بالاستقلال التام في ممارسة مهنته طبقا لما يمليه عليه ضميره فهو لا يسأل عن أخطائه الفنية كالخطأ في التشخيص و العلة ، الا في حالة الغش و الخطأ الجسيم أو كما ثبت انه أظهر جهلا بأصول العلم و الفن الطبي (2)
لكن هل الجهل بأصول العلم و الفن الطبي يدفعان بالطبيب الى المخاطرة رغم ذلك بحياة المريض و الادلاء بتشخيص خطأ ما يسبب عاهة او اعاقة ؟ ، و بالتالي كان على من يجهل أن يمتنع أو يرسل المريض الى طبيب أكثر تخصص لإبداء رأي ثان بدل تعريض حياة المريض للخطر....
يتبع....
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) انظر محمد حسن منصور ، المسؤولية الطبية ، القاهرة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2001 ،ص 19
أضافة تعليق