مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/02 18:51
هواجس تقدم العمر

هواجس تقدم العمر

 

بمرور العمر شهورًا وأعوامًا يصبح لملامح الوجه تقاسيم أخرى، وبانقضاء الأعمال والطموحات يصبح للعقل فِكر آخر، وبنيل التعب حصة كُبرى من طاقتنا عبر مسيرة شاقة من المثابرة يُصبِح للركود منفذ في أجسادنا، كل شيء عادي بالنظر إلى تقدُّم السن لدى كل واحد منا، ولو أننا لا نَرغَب في أن نَكبَر سريعًا؛ فالصغير يُفضِّل أن يبقى بريئًا، والمراهق يختار له طاقة الشباب قوة دائمة له، ولكن لن نجد ما نريد، أو ما يُخالِف سُنَّة الله في خَلْقه.

 

يَقِل في الكبير ذاك الجهد المتوقِّد عطاء؛ ليكتفي بما يَقدِر عليه؛ لأنه فعلاً لا يَقدِر على أكثر من ذاك الحد، تغيب الابتسامة من في الصغير، أو ربما تتغيَّر ملامحها لتأخذ لها طابعًا آخر فيه الكثير من الاحترام وتقدير الغير؛ لأنه مُراقِب لكل سلوك نابع منه، إنه النُّضج والشعور بتفوُّق الرزانة على كل طيش أو شقاوة، إنها إرادة الله في الخِلْقة الآدميَّة أن كل عضو في الجسد يُساير ويُوافِق التغيرات بكل أبعادها بآليات الوظيفة فيها.

 

أحيانًا تتقدَّم المرأة أو الرجل إلى المِرآة لتتَبُّع تَغيرات التقاسيم البادية في الوجه، وتَغيُّر لون الشعر، وانكسار النظرات في تَعَبٍ كبير؛ غالبًا فالشعور النفسي أن الكِيان ككل قد كَبِر وتبدَّل يَبعَث ويثير الكثير من التوجس في ألا يَقدِر ذاك المخلوق المراقب لنفسه وجهًا لوجه أن يَخدُم نفسه مِثْل السابق، أو قد لا يجد مَن يتفهَّم قلَّةَ النشاط فيه؛ لأن معايير التعامل في المجتمع تؤخذ على أساس العطاء الشبابي الذي يمنح إشراقةً واضحة المعالم على الوجه خيرًا من تقاسيم السكوت والهدوء في الكِبَر، ولكن لهذا التقدم في العمر رسالة أخرى تحمل بين طياتها جمالاً من نوع آخر، إنها إضاءة الوجه من الرُّكون إلى العبادة أكثر بالبُعْد عن كل ما يُثير الأعصاب أو يوتِّر العقل، فليس معيار التعقل يؤخذ من قالب الضحكة المُرسَلة أو سرعة الخطى بقدر ما يُفْهَم من تعابير الرضا.

 

بالأمس كنا أطفالاً صغارًا، ثم بعدها انتقلنا إلى مرحلة الشباب النشيطة، وبعدها إلى مرحلة النضج والتعقل، كلنا ماضون على هذا التحول والانتقال عبر فترات تحوليُّة في أجسادنا وعقولنا وحتى في ردود أفعالنا، هكذا هي سُنَّة الحياة، فلا داعي لأن تملأ الهواجس قلوبنا خوفًا ورعبًا، وليتمَنَّ كل واحد فينا أن يَكْبَر على طاعة الله أكثر من ذي قبل، وأظنُّ أنه بقدر التقدم في العمر بقدر ما تُفهَم فصول وأساسيات الحياة على حقيقتها؛ حتى نرضى بما نحن فيه، ولنهيِّئ أنفسنا نفسيًّا لهذا التحول من غير مخاوف أو توجسات، فلن يبقى شيء على حاله، ولن يعود أصل إلى ما كان عليه في السابق؛ فدَورة الحياة في كل شيء على سطح الأرض هي في تحوُّل وتغيُّر، من النبات إلى الحيوان إلى أضعف الحشرات، واللب المُستخلَص من كل هذا التحول هو أن يُصحِّح كلٌّ منا مسارَه من الزلات بالاستغفار، وطلب العفو من الغير، والإكثار من العبادات، والتقرب إلى الله، وعلى الأخص الدعاء بحسن الخاتمة بقلب خاشع ومتضرِّع.

يقولون هل بَعْد الثلاثين مَلْعَبٌ 
فقلتُ وهل قبل الثلاثين مَلْعَبُ 
لقد جلَّ قَدْر الشيب إن كان كلما 
بَدَتْ شَيْبة يَعْرَى من اللهو مَرْكَبُ 



أضافة تعليق