طبول الحرية
تنحَّ عني يا ضعفُ من طريقي؛ لأني سأكره فيك بطشَكَ، فيكفي أني ثبتُّ بوصالي مع الله في الوقت الذي تنوي فيه تدميري، سألت أشباه الناس ممن جربوا طعمك، نصحوني أن أثبت في مكاني أو أنحني لعاصفتك، خلتهم يكذبون عليَّ أم يريدون بالود خداعي، لكنهم أرادوا أن ينالوا من عنفوان دمعي في صحوة بريئة، قلت: كلا لسوء نياتكم، فإحساسي يَحضن المرَّ حتى يمرَّ بسلام عني، كرهتُ سخرية من لم يكونوا شبهي في الاستقامة، ساومت بسحر الكلام الصادق على أن أنثر أزهار الربيع في ضباب رؤياكم، فكان منكم الرفض لجميل تحفتي، أدرتُ ظهري لفوضى الكلام بين قيل عرض الخواطر، وقال الزمن العابر، كنت أبغي التمييز بين صراخ الثكالى وبين فوضى الأحزان، بصراحة لم أقدر على التمييز وأنا أنتصب بقامتي أتطلع لاستقبالكم من على مشارف القصور المُخلَّدة لأنشودة السلام بيني وبينكم، فكان أن غيَّرت كأس مشربي في غفلة مني، والعجب أنكم ضيوفي، لم أفهم وقتها معادلة السنِّ بالسن والعين بالعين والبادي أظلم، لكني لم أَظلِم فكنت للسماحة أقدر، فهل لي من تفسير لموقف الند بالند؟
كان لزامًا في إحدى قضايا تقرير المصير أن أصدَّ عني كل كلام معسول؛ لأنه كان سامًّا، ولم يكن بالبار في طعمِه، كان صراخي أن يا الله، فدوَّى النداء عاليًا من ضيق صدري وقبضة قلبي، إني أتألم والجمرة في يدي أمسك بديني من الضياع، كم تبدو المهمة ثقيلة على كتفي، لكنها فرض المؤمن في آخر الزمان، فكان أن قلتُ لكم بالصوت العالي: أحبكم في الله، لكن لم يسمعني أحد، وبالفعل لم يسمعني أحد، وأنا أستيقظ من حلم القدر من أني في حساب مرضى القلوب لآخِر جمرة من أوداجهم نفخوا فيها هواء الاحمرار.
سألت إن كان الليل قد سكن عندكم؛ لأني أريد السفر ليلاً حتى لا يراني أحد منكم، قلتم: إن السكن كان لكم سكنًا، فرُحتُ أحمل فكري في عقلي، وطيبتي في قلبي إلى أحبابي إلى من انتظروني طويلاً على رصيف الفرج فعرفتهم بسيماهم أن حيَّوني بتحية الإسلام، فعرفت أني في أمان.
كان صياح الديك لي انطلاقة يوم جديد، تبسمتُ حانية، ومشيت أُكمل المشوار، وإذا بي تعبت في منتصف الطريق فأدركت أن الجهد قلَّل من قوتي، لكني سلمت مفاتيح إرادتي للقدر، في أني يا رب مغلوب علي فانتصر، فكان اللحن الوافي، وكان السجع الشافي، وكان الصبر الكافي من أن الله لا يضيع أجر المحسنين، وأن الله كافٍ عبده.
لك كل الحق يا طبولي أن تقرعي بنفسك لتَطلبي حريتك؛ فلقد طال ظلم القريب والبعيد، فيا طبولي أعلنيها حكاية في كل بلدة من أن الحرية تؤخَذ ولا تُعطى، وإن كان على الهدية فحلمي هدية، واحتسابي لله هدية، وصمتي على أوزاركم هدية، لك يا طبولي أن تعلنيها تحرُّرًا من طول انتظار لتُحرِّريني من قيدي حتى أكون هدية الأطفال والمرضى، وأظنُّني حينما أنال حريتي أكون أَهدَيتُ لضميري أحسن هدية، وهي سكينته في أن قربي من الله أجمل الهدايا؛ لأني من العفاف انتقلت إلى قطيعة غير واضحة الرموز، هي طبولي، وهي حريتي، وأنا من سيقرع طبولي حتى لا ينسب أحد أنه أهداني حريتي؛ لأني أريدها حرية الأحرار، وليس حرية الاعتذار.