زلزل يا غضب عدالتي
أشدُّ الناس للعلم ادعاءً
أقلُّهم بما هو فيه عِلمَا
أرى الإنسانَ منقوصًا ضعيفًا
وما يألو لعلم الغيب رَجْمَا
وفي الصمت المبلغ عنك حِكَمٌ
كما أنَّ الكلام يكون حكما
إذا لم تحترسْ من كل طيشٍ
أسأتَ إجابةً وأسأتَ فَهْمَا
|
كم راق لي من كلام عن عدالة الإسلام، كم كان دوم الرجاء في لا إله إلا الله، محمد رسول الله!
في حمى الرحمن أثبت بالوصال على ألا أتذمر لأي منظر ولا مظهر سوى أنه الحمى أحتمي به، فالخوف والقلق والتوتر يعلو ملامحي أوقات أن أتردد في الاندفاع صوب ما يستهويني، أصبحت أخاف من كل ما يلمع، فرددت المُنى بلجم السؤال فيما لا حاجة لي فيه ولا به.
لم يتطيب حرفي ولو لمرة واحدة بطيب المسك من حلو الكلم، كل ما في جَعْبتي هو في ديوان الحلم يفيض رقة وعذوبة وعفة، لكني أحب سماع النشيد بِدَوِيِّ المدفع في أن غضبي سيسطع، وكلي ثبات في أن المطلوب مني أن أسلم أمري للواحد الأحد؛ حتى لا أشقى في الهوان؛ فذكر الله يجعلني أحيا آمنة من كل ندم، فلن يخيفني أي غضب ما عدا غضب العدالة، فهل له من منافس؟ وهل في الناس صد لانشطار الغضب اللامع؟
إذا ما الناسُ جرَّبَهم لبيب
فإني قد أكلتُهم وذَاقَا
فلم أرَ ودَّهم إلا خِدَاعًا
ولم أرَ دينهم إلا نفاقَا
|
هو زلزال من غضب يتدفق وقت الإحساس بمحاولة اغتيال الحلم، يطفو رغمًا عني من أعماق صدري ليسكن القول الحق أيامًا بالقرب مني؛ لأني أستأنس وأنا أشعر بتلك العدالة النائمة بداخلي، حتى لو لم أحكم ببنودها أمام الملأ، وحتى إني لم أدافع عنها بجدارة، وبميزان الإنصاف الصعب، لكني أزلزل مكامن الصراحة بإرادتي، هكذا علمني الإسلام، أو بالأحرى هي نخوة الإسلام.
فالمهابة والقوة هما ركيزتا الاندفاع القوي، وبقول: "الله أكبر" هو العز بالإسلام قولاً وإحساسًا، الله أكبر، لحن زلزال الحقيقة في عمقي المتتلمذ على دروس الحب لكل ما للإسلام ينتمي.
أباهي الدنيا بإسلامي، وأباهي الكون بإيماني، نحو العلياء يتبعني ضميري بأمان، يمتاز الصدق بصحبته لي في كل مكان وزمان، ويكفي أني أذنت لزلزال الغضب أن يظهر العدالة في موقفي لتدفعني نحو راحة البال في هجرة متنامية الأبعاد، ولي في نوتة موال الرفض لكل ما يحزنني مقام آخر، ولكن طلبي لشفاعة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مُسَكِّن لآلامي وغربتي في مسيري إلى آخر منتهى؛ لأني ما يئست من رحمة الله، ولا جحدت بنعمته، لكني أطمع بمحبته؛ فهو المنان الكريم، ولو أني أخجل من تقصيري في مآلي وفي مصيري، أخاف عدل الله فيَّ بما صنعت وهو العليم، ما لي حجة فأعتذرَ، وما لي قوة فأنتصرَ، قد أرداني ضعف البشر، أخاف بصدق الأنين ألاَّ أقدر على إسكات صوت الغضب في إظهار عدالتي أن أقر بحقيقة المستقرِّ.
فمأساتي التي أحياها بأن حملت همَّ إخواني في كل مكان يعلو فيه دخان وخراب، لم تجعلني أهون في وطني، ولا أسقط عدالتي أرضًا، لكني أذود إلى أن أشد على أياديكم، وأقول لكم: أفديكم؛ لأني لم أُنَكِّس بعدُ علمَ الأمل من أمامي، فحتى العشب الأخضر قد نما فوق قبور أسلافي،من يدري فبين ساعة وأخرى قد تُزلزَل الأرض ألمًا لكثرة الجور، وغياب العدالة من فوقها؟ لذلك حينما يزلزل غضبي عدالتي أكون قد تحررت من قيد الخوف والتردد، وإني في الختام أهدي للقدس الحبيبة ضياء عيني، ودفء قلبي في أني أحبك يا قبلة الأحرار، لم أهُنْ في وطني ثانية وثالثة وللألْفِ؛ لذلك أهديك يا قدس عدالتي فوق طبق من غضب، لِمَا آلت إليه عدالتك، بكل عدالة مني أقولها لك: أنت زهرة المدائن، ونظرة أعيني ترحل إليك كل يوم؛ لتعانق هامة صخرتك، كم زلزل غضبي عدالتي في أن أراك وكلُّك أبهة! وحتى أراك كذلك ستبقى أعيني ترحل إليك كل يوم، وسيبقى الغضب يزلزل عدالتي كلما أراك في ألم، كلما رأيت العدالة تسقط أمام مداخلك.