مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/29 20:37
يا طيبة ضمي شوقي اليك

يا طيبة

ضمي شوقي إليك

 

طَيْبة، اسمٌ أُكَرِّرُه كلما صليْتُ وسلمْتُ على حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم، طَيْبة كم رَحَّبْتِ بي بجود الكرم من أهلك! طَيْبةُ كم داويتِ لي جراحًا متتابعة! فكان الشوق إلى حِضنك العام يتلوه العام، طيبة أَحُطُّ رحالي عبر ربوع أرضك الطاهرة في مسيرة مركبي، وقلبي معلَّق في أن أصلي في الروضة الشريفة، طَيبة سليني إن لم أزُرْك في الموعد المحدد كما ألفت الزمن والمكان، وإني سأجيبك أن الشوق يزداد كلما تأخر ركبي في حط الرحال إليك، طَيبة سليني إن كنتُ انتعشْتُ بالذكر وبالصلاة والسلام على حبيبي رسول الله، حتمًا سأجيبك، فيك البركة وفيك الطيبة وفيك الحِضن الدافئ والسعيد لطموحات إيماني.

 

طيبة سليني إن وجدت في غيرك مثيلاً يشبه لوعة الحنين إلى مسجدك، وإلى أماكنك الطاهرة التي شهدَتْ أحداثًا مظفرة زمن تبليغ الرسالة المحمدية، وما جَبَلُ أُحُدٍ إلا شاهد على ذلك، حتمًا سأجيبك أني لم أتلذذ بعدُ نقاءً وصفاءً في غير مدينتك، هي نسمات تناديني أنك يا طيبةُ فيك تسكن نسمات قلبي، وعلى أضواء مدينتك سلبت عقلي إليك، وانتزعت من طمأنينتي ما يجعلني أرقب الرحيل إليك كلما سمحت الفرصة لألتحق به وكُلِّي ترقُّب للوصول بين أحضانك، فكان أن أشاد كِياني بالراحة والسكون في مجال مسكك الطاهر، ولك أن تسأليني حين أتلو القرآن في أحد مساجدك هل لعبراتي سكن بعطر الحرف من المصحف الشريف؟ لأرُدَّ عليك أن مأواي هو في مساجدك، فأتمنى أن يستمر إيواء المسكن منك كلما حللْتُ ضيفة، ولستُ أطرح تساؤلاً ولو بين نفسي أنه قد يتبعثر السكن هنا أو هناك، أو أضل الطريق في تجوالي على أرضك النقية؛ لأن الخطى ألفت مقر الصلاة لتهتدي إلى منطلقي، ولكِ أيضًا أن تسأليني إن كنتُ أصبر عليكِ حينما أغيب عن مشهد الضيافة لحائلٍ لم يسمح بذلك، سأجيبك أني أمرض وأنا لم ألبِّ دعوتك، فروحي تسكن بالقرب من مقام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا تنتعش إلا وأنا أُصِرُّ أن أصل إلى منابع الشفاء عندك مرورًا بمكة ليسلبني النور إليك في لوعة الفراق لدروب بكة وما جاورها، لكنها أرض الله والطهر عبر ساحاتها في منتشر الخير أينما مررْتُ بخطى خفاف وأفكار هي في ترتيب الاندهاش لمسيرة خير الخلق لتصبح عِبرة لذوي الألباب، في أن نهج الاستقامة والفلاح فيه الكثير من الشدائد والصعاب، ولكنه مُوصل لا محالة لرضا الرحمن ولأبواب الجنان، ولك أن تسأليني إن كنتُ استفدتُ من ضمّك لشوقي وولعي بأماكن مرور الحبيب المصطفى وصحبه الكرام، يا لها من نشوةِ طُهْر تفيض لتُحَلِّق في سمائك! وتبعث في وجداني نَفَسًا آخر من الحياة كله توبة وعودة إلى الله بخشوع الضمير وأنا في سجود مطول لحين ينقطع الدمع عني في أني لا أقوى على خذل ما أوجدته لي العبر من أيام أَعُدُّها الأروع في مشوار حياتي.

 

سأسألك يا طيبة في زحام الأخوات من كل بقاع الأرض تأهُّبًا لدخول الروضة الشريفة، إن كان الشوق للصلاة والسلام على حبيبي محمد يستلزم ذاك الاندفاع الولهان منهن أم أنَّ بُعْد الترحال وشقاء السفر يدفع فيهن محاولة استغلال تلك الصلاة أمام مقامه، فلربما لن يكتب العام القادم لهن صلاة أخرى وعلى نفس النحو من حرارة الحب والشوق؟

 

لكني في وقار مشيتي احترام له بُعْدُه الروحي في أن ارتجاف جسدي في تلك اللقطة له ما يترجمه في أني سأصل في هدوء إلى السجاد الأخضر من مكان الصلاة؛ فهو دليلي أني في المنطقة المهمة من مقام الحبيب المصطفى، وصدقًا لستُ أحمل ثقل جسمي بكل تركيز؛ لأن شوقي يتيه في بهاء تلك المصابيح المتلألِئَة وأسماء بعض الرفقاء الصالحين منقوشة بأحرف من نور فينصرف الدمع ليمتزج مع ضعفي في هذا المقام أن القوة تلمع من هذه الأسماء الرائعة، وإني أناجي المناجاة العالية وأعتذر الاعتذار الشديد، وبين هاتين اللقطتين أُصْبِح في استسلام لحرارة المشهد، ولا أقوى على مغادرة المكان الطاهر إلا أني أفكر في أن أخوات أخريات من كل الجنسيات وبمختلف اللغات وعلى تنوع الطِّبَاع، ينتظرن الوصول إلى هذا المكان الهادئ فأنسحب في ثقل مني بعد أن توجهْتُ إلى مقام الحبيب لأُقِرَّ بهذا الاعتراف الصادق؛ فقد كنت في حضرة أعظم مخلوق في الأرض، من وحَّد هذا الاختلاف ولَمَّ شمل تنوُّع الأجناس بأجمل رسالة قُدَّتْ من حب لله ولدينه:

أشهدُ أنكَ قد بلغتَ الرسالة، وأديتَ الأمانة، ونصحتَ الأمة، وكشفتَ الظُّلمة، وجاهدْتَ في الله حق الجهاد، وهديتَ العباد إلى سبيل الرشاد.

 

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

اللهم صلِّ وسلِمْ وبارك على حبيبي محمد وعلى صحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

 

 



أضافة تعليق