الترجمة الروحية للعتاب الايجابي
-
لقد وهبنا الله تعالى القلب والعقل والروح والنفس لنعرف المغزى من هذه الموجودات وما الفائدة المرجوة من تفاعل الكل مع البعض أو الكل مع الكل او حتى البعض مع البعض، ولو انه يهمنا طرفي التفاعل، فان كان التواصل فيما بين العقل والقلب يكون الكيان الآدمي في انغماس له عن اتخاذ القرار المناسب لما يتعلق الأمر بمراجعة حسابات الضمير مع نزاع الأطراف التي نتعامل معها، ولو كان التواصل فيما بين الروح والنفس فهنا المهمة صعبة وقد تكون صعبة للغاية، خاصة وأن النفس تقوم بدور الطرف المناقض والمعاكس لما تبغيه الروح وعلى الأخص منها لو كانت تقية وطاهرة ونقية..
و لو حاولنا خلق نوع من تلطيف التفاعل فيما بين المتناقضات فان للإيمان دور لا يستهان به في ترويض النفس وحثها على الركون إلى أوامر العقل الرشيد فتنقاد تحت رغبة القلب الطائع لعاطفة الحنان والرقة وعلى الأخص لما يكون صاحبه في حوار منه لتصليح ما كان سببا في اختلال ميزان حياته خاصة إن فقد نكهة الألفة والعشرة الجميلة مع من أحب أو ألف وتعود تلقي النصح والمشورة والإعانة الأخوية آيا كان حجمها وأسلوب التلقي فيها..و عليه فان العتاب الايجابي هو بمثابة الجندي الرائد الذي يقود سريرة النفس نحو الركون إلى الهدوء وحث العقل الواعي إلى التفكير بروية وحكمة ونضج للفكرة بداية ولرد الفعل من الطرف الآخر ثانيا، وهنا تكمن ايجابية هذا العتاب ليصعد بصاحبه من على مدارج الحضارة فيرى بآم عينيه ويصنع بيديه ويبدع بعقله آفاقا لم يكن ينتظر بالمرة أن تتحقق نتيجة هذا التفوق، وهو نوع من التميز الإنساني المكر م بطيبة الخلق فيصبح شحذ الهمة مسار مسموح به لذوي الطاقات المبدعة والمفكرة بتواني العطاء، فهي ليست ترضى أن تعيش تناقضا بين إتقان الابداع في حرفية عطائية وبين التلقي والرد بين البشر بأسلوب لا يعكس صدقية تلك الشخصية المبدعة، فيحدث نوع من الاضطراب وشعور بملل وقلق، لأن ما في الروح لا يعكس السلوك الخارجي، فيحتار العقل ويضطرب نبض القلب ويصبح الجسم معلولا وما به من علة والمعنويات غير مرتفعة ولا وجود لعامل الإحباط المباشر لأنه في هذه الحالة كان غير مباشر في الباطن
الواعي فيضطر لان يكبت حقائقا إن هي ظهرت على المكشوف تزيد صاحبها تعبا على تعب ولو أن كبتا مثل هذا يجعل الفتور السلبي يهيمن على النشاط فيثبطه وتصبح حركية الجسد في غير عفويتها..
و عليه كان من الأجدر المصارحة بالمقابلة والمواجهة بكل ما في الباطن من أسرار تفسد النوم وتفقد الإنسان راحته وتجعله في منأى عن دواليب الحياة السعيدة والتي لم يعد يراها بمنظار الإرادة بل يكتفي بالنأي عنها، حتى يفتح على نفسه مجالا للكآبة والحزن الغير جادين في خدمة الكيان الآدمي من عقله وبقلبه وروحه فيصبح الكل في تشويش واضطراب، ولهذا كان للعتاب الايجابي مفتاح القيادة لربان السفينة، إنها سفينة المغامرة في إصلاح ما يمكن إصلاحه وتقويم اعوجاج ما يمكن تقويمه وعدم الاكتفاء بالصمت والحماقة أحيانا لأنهما يترجمان عن خوف يسكن صاحبه لأسباب قد تكون مجهولة وقد تكون مخفية بدافع الحفاظ على قوامة الفرد ومكانته الاجتماعية، وربما يعود لعامل التربية الأثر الكبير في توجيه الشخصية الأنانية والمبالغة جدا في حب نفسها بحيث تصبح لا ترى إلا نفسها ومن أمام مرآة الغرور التي تعكس منظرا مخادعا لحقيقة القوامة الإنسانية في الإنسان الأناني وما يجب أن يكون عليه من خلق رفيع وإحساس بالمسؤولية مع من يتعامل، لأنه من الأخطاء التي ترتكب ولا تغتفر إلحاق الألم بالإنسان الطيب والمحترم، ومن السذاجة ما تسبب انتكاسة لصاحب التقوى والتفكير الفذ فيعيش حالة لا ثقة بعد أن كان حرا طليقا يتمسك في زمام الثقة بمنطق اللاافراط واللاتفريط..
ربما نحن في زمن نحتاج فيه للعتاب الايجابي أن يعيش بداخلنا في كل موقف حتى نمسك بزمام الأمور ومن منتصفه بمفهوم الوسطية حتى لا نضيع في متاهات السخرية والجر والكر، ربما من خيال ليس حقيقي فيصبح الواحد منا يرقب ظله وهو يعلم انه له وليس لغيره فينطلق هربا منه في حين هو يتبعه لأنه لصيق به ، فالأجدر أن نتعلم فنون العتاب الايجابي لنستطيع المحافظة على كنوز الأخوة والصداقة وبالتالي لا نوصف أننا نتقن إضاعة الفرص الثمينة التي لا تأتي إلا لمن يستحقها وأخشى أن لا نكون ممن لا يتقن فن الحفاظ على هذه الفرص الرائعة والنادرة ..إلا لمن ألف لحن سنفونية العتاب الايجابي، فانطلق يعزفها بإتقان وفي قرارة نفسه أنه واثق من وصولها إلى قلب الطرف الآخر لأنها نبعت من صدق اللحن ...و ما انطلق من القلب حتما يصل القلب...