مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/27 11:53
المريض المتجول في المستشفىى...مشكلة أم افتعال لقضية ؟
المريض المتجول في المستشفى...
مشكلة أم افتعال لقضية؟
 

ما من قارئ لهذا المقال إلا و يكون قد تعرض لظاهرة التجول في المستشفى ، بعد أن يكون القاصد لها راغبا في الدخول اليها طلبا للعلاج لا أكثر و لا أقل ، و لكن حقيقة الواقع أن يتحول طلب سنه القانون و العرف و المبدأ الديني في ضرورة الحفاظ على الصحة و حمايتها من أخطار تهدد مقامها كتاج يضعه الأصحاء فوق رؤوسهم الى شقاء و ملل و ضجر من تمرير للمواعيد و اكتفاء بالقول ان  الطبيب غائب مثلا أو أن الكواشف المستعملة في التحاليل الطبية غير متوفرة ، إلا أن منظار التثبيت لدى المتساءل  بعين فاحصة يلحظ غير ذلك من كل ما نصت عليه القوانين و اللوائح و التعليمات  و أقره الدستور كمبدأ لا يقبل الطعن فيه أو مجرد النقاش..و هو أن الصحة حق مشروع لكل مواطن و تكفله الدولة بما يحقق الحماية الكافية و رضى المريض بأعلى مستوى من شعوره بتلقي اللازم من العلاج.
اذن كما قلت ،هي ظاهرة بدت واضحة جلية لا تخفيها لا اوراق شجر و لا كاميرات الحقيقة ، و الكاميرات هنا هي أعين المرضى الذي يتعرضون يوميا للتعسف في استعمال الحق و المطالبة به، فان كانت أركان الدولة تبنى على أجهزة صحيحة و عقول ذكية تسعى للتجديد و التحديث في كل مرة وصولا الى الهدف المنشود و هو تحقيق دولة مثالية ، و الانطلاقة طبعا تكون من قطاع الصحة كأساس لحماية الأفراد او المواطنين على اصح تعبير من سيحملون صرح بلدهم عاليا و بأدنى ثمن يقدم لهم ، و هو الشعور بالمواطنة بدءا و أخيرا إلا ان هذا الشعور يبعث على تقديم ما تحتاجه البلد من مساعدات بل من تضحيات و في المقابل يتلقى المواطنون خدمات هي حق لهم ، و ان كان مجانية العلاج جسدت المطلوب لكن المرغوب فيه حقيقة أصبح يساوم بكثير من السلوكات التي لا تمت بصلة لا الى القانون و الى الضمير ، فأصبح المريض يبدو غريبا في المستشفى و قد يشعر أن مرضه مؤجل الى موعد آخر ليعطى له لقاءا صريحا بينه و بين الطبيب ، و هذا التأجيل فيه مخاطرة بالصحة ، فهل أدرك المسؤولون ثقل هذا الخطر؟ ، و نوع من المرضى من يجر خطواته الثقال ساعيا  بنفسه ليطرق باب الادارة طلبا في يد المساعدة و هو الانصاف .
 لكن مشكلة التجول هنا لم تقف عند حد التنقل كظاهرة دخيلة في ساحة المستشفى او مصالحها و انما المعضلة ان تحول هذا  التجول الى شيء مفبرك مرغوب فيه بتواطؤ من سلك الأطباء و الشبه طبيين و حتى الادارة حينما تتقاعس عن صفع المتخاذلين او تحويلهم او تطبيق القانون عليهم كما تمليه شريعة القانون الداخلي للمؤسسة الصحية ،  ثم الغريب في الأمر ان بعض المسؤولين ينظر الى المريض انه عنصر مشوش لو ارتفع صوته طلبا في لقائه مع الطبيب و بالمقابل فيه نوع من المرضى من يختلقون المشاكل و يصل الأمر بهم الى ممارسة العنف مع اطباء و ممرضين لدرجة أننا نسمع عن طبيبة صفعها مريض في مناوبة ليلية لها و بعد اجراء التحقيق معه تبين أنه يتعاطى مهلوسات او مخدارت ، فتصبح مهمة التطبيب هي الأخرى في خطر و يصبح المريض منوعا بين الهادىء و العنيف و يصبح المسؤول عن المستشفى في حيرة من امره ، فيمن ينصف من و من البادىء و لما تجرأ على ممارسة العنف ؟...
هي قضايا معقدة و تبث الأسى و تزلزل صفحات القوانين فتجعلها تمطر فشلا  لتطرق بنفسها ناقوس الخطر ان الصحة في حد ذاتها هي في خطر...
لن اسرد قائمة المواد القانونية في مقالي هذا لأن المشكلة التي أطرحها ليست مشكلة قانون فهو واضح و مقنن و لكن المشكلة هي : كيف نقضي على ظاهرة المريض المتجول و على  ظاهرة العنف الممارس  في المستشفيات بصفة عامة ؟ ...
أصبح لا يمر علي يوم إلا و ألاحظ مشهد خلاف باللفظ و حتى التعدي بالضرب ، فأتساءل في قرارة نفسي : ما هذا الانحطاط في مواجهة الانسان لأخيه الانسان ، انا لا اقول مواجهة طبيب لأخيه الطبيب او للممرض او لموظف الادارة ، انا أقول مواجهة الانسان لأخيه الانسان بتكرار مني تساؤلا عن غياب الانسانية و قد رفعت العديد من لافتات  الشعارات  في المؤتمرات و الأيام الدراسية حول ألسنة المستشفيات ، فهل الشعارات تغطي ما في الكواليس من مقالب على المريض و على الطبيب و على الممرض؟.
لا ، نحن في القرن الواحد و العشرين و لن تكفي الشعارات لسد الريق من عطش العاشقين  للحضارة ،  ثم ما عمر الحضارة ان ما طالب شعبها بتحقيقها و المريض يتجول بين المصالح بحثا عن علاج ؟ ، ما عمر اللياقة اللفظية و الطبيبة في مصلحة الولادة تغير برنامج المناوبة نهارا بدل الليل تفاديا لعنف قد يودي بحياتها ، ما عمر الحضارة التي ننشدها و المريضة تلد احيانا في السيارة و ان ما ولدت قبل الأوان لا تجد لها حاضنة اصطناعية مجهزة بالأكسجين اعدت خصيصا ليكمل الجنين  نموه بداخلها .
ما عمر الحضارة التي ننشدها و المريض الذي يطلب فحصا بالأشعة يتقلى اجابة عمرها سنين طويلة و هي ان جهاز السكانير معطل ، و هل سيبقى الجهاز معطلا مددا من العمر و فيهم من الموظفين من أخذ تقاعده و الجهاز لم يخضع للتصليح ؟...
شخصيا ليست لدي اجابة مقنعة و قد تتساءلون لماذا كتبت هذا المقال ، سأجيب أني كتبته لأوضح نقطة مهمة وهي أن صنع الحضارة و الانبعاث الحضاري لا يمكن أن يتم في هكذا ظروف و مع هكذا معطيات ، لأنه سبق لي و أن كنت مريضة متجولة في احدى المستشفيات العمومية لكني قصدت عيادة خاصة و اتممت العلاج ، لكن ما حل من لا يملك حق الحق العلاج و ما حال من يتنقل من الجنوب الى الشمال من الخريطة و لا يملك مصاريف تسديد ليلة واحدة في فندق و اتساءل ما مصير الزوجة المريضة التي طردت من بيتها و هي مريضة فلم تجد لها مستقبلا يعيد لها قوامة الصحة لتكافح خطوب الحياة بكل توكل على الله و عزيمة .
 المشكلة اذا : كيف يمكن اعادة بث الشعور  بالانسانية في داخل أي انسان ليتفاعل تفاعلا سليما في المجتمع و في البيت و في هياكل الدولة فيحفظ لها مدد نشاطها و يساعد في بناء دولة حديثة متحضرة..سأضع قلمي جانبا و أدير صفحتي لحين مقال آخر من صميم الواقع المجتمعي.....
دمتم بكل انسانية لامعة فيكم متخلقين بالأخلاق الرفيعة  و متفاعلين على الخير دائما.......

أضافة تعليق