هل فهمت الدرس؟
انطلق مني حوارٌ للأفكار لتصلَ إلى عمق القضية، قضية التسامح والعفو وتجاوز الأخطاء، صرت لا أحتمِلُ الكثيرَ من النقاش حول ضمائرَ خَلَت في الماضي، وصارت في حارة المَلامة في تساؤل بينها وبين أخلاقها: هل فعلاً أدَّينا واجب الأسلمة؟
يسيلُ الكثير من الحبر وأنا لا أدري أني في شرود، من حقي أن أنقطع عن التواصل مع عقول لم تلبِّ نداء العفو، يحزُّ في نفسي شعور القوة من أن قلمي في ثورةٍ معي، في ألا أكتب إلا حقًّا وطيبًا وعدلاً.
فمِن لوازم الكَلِم الطَّيِّب أن تختارَ له من الكلمات الموزونة، والتي تصل إلى القلوب في لمحة بصرٍ سريعًا، هكذا في لقطة أن أرفع بصري إلى حيث نزاع الأرواح في جدال عن "رزنامة" الماضي المختلط علينا بأثقال لأخطائنا وتهوّرنا.
لستُ أبغي عفوًا أو صفحًا لي، أنت حر وحر وحر، لكني أريدُ تفهمًا أن المتدين هو مَن تلقاه مبتسمًا كالنور رقيقَ الطبع صبورًا، إنه الإسلام فينا سفينة ودٍّ يدفعها أجمل إحساس، هي أوامر الدين ألا نأتي إلا طيبًا، ونهتدي للخير دائمًا، وفي زلّاتنا فواصل أن مهلاً يا بن آدم، عليك وقفة مع نفسك، فلا تحسبن أنك بهجرِ تعاليم دينك ستحلو أيامك، وترسو إلى شط الأمان، الجميل منا أن يصارح بعضنا بعضًا بما في قلوبنا، فلا حرج في ذلك، هذا إن كنت فعلاً تبغي الجنة وتتوق لطيِّبها.
سَلْني: لِم الدموعُ في عيني تُنذِر أني في حزنٍ؟ سَلْني: لِم الصمتُ يُكبِّل آمالي أن تنطلق إلى بعيد؟ سَلْني: لِمَ أنا في عزلة من كياني وفي انشقاق من شخصيتي الحقيقية؟ لا تلمني بل سَلْني وإني أنا مَن يطلب السؤال، أريد أن أرتاح، نعم أن أرتاح من عذاب الضمير، هل فعلاً أنا مَن عرفت يومًا ما، أم أني في اختلاف؟
إن كنتَ تريد مني تنازلاً مما أنا فيه من إبداع، فإني لستُ أقدر ولن أقدر؛ لأن إبداعي هو حياتي في أن أبنِيَ صرحًا عاليًا من الحضارة، حضارة الإنصاف والجمال في كل شيءٍ وفي كل مكان، لست أقدِرُ على العيش من غير أن ألمح الجمال، وإن كنت تريد ألاَّ أبدوَ أكثر تأملاً وتمتعًا بما أريد أن أصرف إليه نظري، فعفوًا من محاط بكلِّ الحِمَى لي في أني لست أقدر ألا أرى إلا رائعًا في روعة الخالق من تحفة الطبيعةِ المتناسقة الألوان والملحَّنة بعذب زغاريدِ الطيور، كانت بالأمس تغاريد، واليوم أميزها زغاريد، في أن حريتي هي في سراحها المطلق دونما قيد لي من قيود العذاب والانكسار.
عفوًا هكذا أريد وبالعفو لك تقبل كل إرادتي وطموحي في أني أحب الإبداع مع قلمي، هو الآخر ألِف مني رنة القفز إلى عالَم التفوق، صدقًا أنا في تمرد اللحظة.
لا تضطرَّني إلى مزيد من التمرد، يكفيني أني اخترتُ منهج الهدوء والسكينة لقلمي، فرفقًا لمطلبي، ورفقًا لحساسية مشاعري، وبالتنازل مني فإني أطلب أسئلة كثيرة منك حول قناعتي، فالمرحِّب به مني ليس مرفوضًا على الإطلاق، والمرفوض مني ليس مستلزمًا لديَّ، لي في ذلك أمر القبول لِمَا يكفيني لسكون الخاطر والذاكرة، فلا تخلِط الأمسِ باليوم، ولا الحاضر بالغد، اترُكْ كلَّ شيء في مكانه، وعلى سجيّتي سأختار منه ما يوافق ميولاتي في أني أبغي مواجهة ومقابلة تكفُّ عني كل الملامات والخصام، وما أحلاها من شجاعة حينما يتقابل المنقطِعون عن إنشاد نشيد السلام لزمن طويل، أقول لهم: كفُّوا أيديَكم عن الإساءة لأناشيد العفو والتسامح، كفُّوا مطالبكم في العناد، وارفعوا الحضر عن الجمال والبراءة، لا تُقيِّدوا شيئًا مما ارتبط بموكب الاحتفال، صدقًا أنتم في تيهٍ، وإني لمنتظرةٌ لِلَمِّ شملِكم من جديد، وأقولها لكم بصريح العبارة: لن يدوم عنادكم طويلاً، ولن يموت في قبر الإصرار؛ لأني أراه قريبًا أن يكسر روَّادُ الإصلاح كلَّ أقفال الحقد والضغينة، صدقًا إحساسي قويٌّ في أنكم ستعودون من منطلق الإخلاص فيكم؛ لأنكم هكذا كنتم في الأصل، ولكن مغريات ومضللات أفقدَتْكم صواب الرحمة فيكم.
إلى أن يحين لقاء الصلح معكم أقول لكلِّ مُصِرٍّ على القطيعة: هل استوعبت درسَ أن لا أحقية لوجود أفكارك الصغيرة أمام دروس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم المستقاةِ من سيرته، فهلاَّ استوعبت الدرس جيدًا، درسًا كان عنوانه: هل أنت مسلم فعلاً؟