دوي الحق
سميرة بيطام
كتبتُ عن أحزاني سطورًا من كلام قرأتُ القليلَ منه ولم أُكمِله؛ لأني أدري مسبقًا أنك تنوي استفزازي، أشفقتُ على نفسي أن أبقى رهينة أفكارك التي لم تُثِر فيَّ فضولاً بقدر ما جعلتني أمشي وحدي، وأنا أبحث لي عن مقعد حيث لا يراني أحد؛ لأني أريد اللحظة التفكيرَ جيدًا وبعُمق في مستجدات لم أَصُغ مضمونها بعد، ومن بنود ردِّ الفعل سآخذ لي سلوى الهدوء لشُجوني، ولو أن الكبير في عيون المتواضعين هو بيقين الظن محترم .
وهكذا يَكبَر على نَفْس الدرب كلُّ من أراد لنفسه وجودًا بمعنى الكلمة، وليس بكلمة الوجود وفقط، مهما صار بيني وبينك سوء ظنٍّ، فإني سأتنازل عن الاهتمام بظنونك اللحظة؛ لأنه لا ينبغي أن أهتمَّ بالمرة بعون الله يهون كل شيء ، و بالصعب يذوب كل شيء الى غير مكمنه ،ماذا بقي في جعبة الشكوك؟
هل مِن حوار أنسج كلماتِه من حقيقة؟ وهل من جدال أُلغي ثرثرته بدليل اليقين؟ يُتْعبني الكثير ممن يُحاور كِياني، لست أرضى لنفسي أن يهتمَّ بي غير مهتم من قائمة مَن أعرف وحتى من لا أعرف، أرجو ألا يَلتفِت أحدهم ليزرع الحزنَ في عمري، فاترك وَهَن الكلام لغير الكرام، واسمع لصرختي في أني أريد قوس قُزَحَ زاهي الألوان، فألزِمني عقدًا موثوقًا في أرضي، أو أسجني في وَحدتي من غير إفراج، لا هوان عليَّ؛ لأن حبي لله دائمًا يُحرِّرني من كل القيود، والأمل دربي؛ فلست أخشى سجنًا لرُوحي، فأرجو منك يا إلهي أن تُطهِّر دربي، فسعادتي أن أكون صاحبة رسالة حق ولو في غير أرض حق؛ لأن منبت الحق َينطلِق من هنا.
همومي كثيرة، فقل عني: إني لست ألقى اشتياقي؛ لأني بالنقيض لقولكم سألقى شوقي يومًا ما، فما أنتم فاعلون بقلمي البريء؟
مُنعرَجي لن يَغدِر بي إن انزلقت قدمي، فخلف الجبال وعلى التلال زرعت ما بقي من ذرات النقاء، لما انتفضت قلقًا على مصيري وأنا أريد تألُّقًا في سماء الانتصار، فوالله لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هكذا هي عزيمة السلف فيما مضى.
هل سمعت يا مَن ردَّدت نشيدَ التجريح أن مَن لم تعرف بعد سيرته هو كالبركان في نار الثبات ؟، يريد الاستمرارَ على نَسَق الوصال إلى حيث الصواب؟ فاسحب عنك كلَّ شباك الصيد في بِرْكة العبث، فلا سمك ولا حوت ولا ما تريده أن يكون، فلمَ تنتقي لك كفنًا من خيوط الوَهَن؟.
سؤالي لك على ما ستُسجِّل نَصْرَك وعلى ما ستكتب طغيانك؟ إن كان آنيًّا فلا يُهِمني اهتزاز الأوتار في بوق الفراغ، وإن كان آجلاً فليس يَشُدني سيلُ الوادي في غير محمله في فراغ الضياع، هي هكذا الحكمة من قلب التأكيد، أني أنظر حيث أُمتِّع بصري بروعة الانتظام في تراتيب الألوان وانكسار الأضواء من على رابيتي.
إن كان علي أنا، فإني أَلِفت لوعةَ الوَحدة منذ زمن، وعليه لست أَنتبِه لما تُثيره من حولي من صعقات إثارة الشجون، هي هكذا شخصيات علَّمها الدهرُ ألا تأبه لشجار الطيور تُنافِس الزهو في السماء، لكنها تَنتبِه كثيرًا لحال غرباء يَدنون من مجال السيطرة فيها، فما العبرة إلا لذاك النشيد حينما يرتفع عاليًا أن دويَّ الحق مسموع والاندفاع فهلا انسحبت من منصة الشرف؛ لأنها لم تَنصِب قوائمَها إلا لأهل الشرف والكبرياء، أهل الحق طبعًا... وسامحني إن كنت شديدة الصراحة، لكنه الحق مَن ارتفع دويه فوق كل الشموخ، فلا حدَّ له في العلا، ولا خلل له في الدُّنا، فابدأ تصميمك من حيث تريد، وإني في هندسة مُخطَّطك لي تعليق فريد، وهو أن يكون المقاس على نَسَق الحق، ووتيرة الحق، ودوي الحق....