مهلاً، سأكون في الموعد
ليس من عادتي ألا أفرح مِن قلبي لكل ما يَسرُّني في قمة من الرقي والإبداع لجعل الفرحة ترتسِم في أفق تطلُّعي، لستُ أتردَّد في زرع الأمل في كل مكان، حتى لو انطلَق رماد مِن مكان ما بالقرب من حضارتي، سأُحوِّل رذاذه إلى عبق من نسمات اليَقين في أن الحياة لم توجد هكذا للاجتهاد وانتَهى، فالمُنتهي منها هو رواسب الماضي، دعنا والأيام الخوالي، أين امتزجت خواطر منظمة بعقد من إرباك المصير في ألا يرى نورًا ولا يتمتَّع بصفو ولا يهنأ براحة.
هناك حيث نزلتُ على أحد الرواسي لأجل التجول طويلاً وعلى أقلِّ مِن مهلي، أريد التمهُّل في السير؛ لأني أتمتَّع بخطواتي في ألا شيء يَحظر عليَّ لقطة أن آخذ يدي بيد أخرى، طالما ناشدتني جولة لفض نزاع عن أسبقية الوصال في الله، وليكن لها ما أرادَت؛ لأني في تفكير الآن فيما سيَجود به قلمي من وصْف جولة التسامح، ولو أنه لم يكن نزاع بالمرة، بل كل ما في الأمر أن أختًا لي في الله لم ترني منذ أمد، هي وجه مِن وجوهٍ ألفَتْ نقل أكفِّ الأمل من ذاك التفوق مني على نقط الضعف في قوتي، نعم نقاط الضعف مني حينما أرتبك لأول وهلة وأنا ألتقي بأحد الوجوه الغائبة عني منذ سنوات، أو ربما أنا من غيَّبت نفسي عن لقائها؛ ولذلك كان آخر قول في ردِّي على طالبة اللقاء: أنْ مهلاً، سأكون في الموعد.
كان الطلب مني بالمهل؛ لأني لا أحب الخطوات السريعة في مثل هذه المواقف، صحيح بالأمس كنت أُسرع لها؛ لأنها تَنقلني إلى حيث أريد، دون احتساب لما قد يَعتريني من صعاب في الطريق، فالأمس يمثِّل لي أني كنت صغيرة ولم أكبر بعد في أن أدرس لكل خطوة انتقالاً، ولكل فكرة ارتحالاً، ولكل نية اعتزامًا، هكذا صرتُ الآن أكثر رزانة عن الأمس، فالرجاء المهل في تحديد اللقاء؛ فإن أخشى ما أخشاه نبض القلب المربك بصورة اللقاء في أني سأسأل عمن سألاقي: كيف هو لبُّ الحديث، وهل مِن مُجمِّع لفُرقة الأعوام؟ هكذا هي مستلزمات المواعيد تَفرِض علينا شروطًا نَحترمها، ولكن نخشى ألا نكون في حدود المسؤولية، وأعتقد أن الخوف هو نصف تلك المسؤولية.
عفوًا، أثناء اللقاء صافحيني أختاه مصافحة الكبار، أحبُّ هذا الدور؛ حتى أشعر أني بتمام الموقف ولست أبدو صغيرة المثول أمام مَن لم ترَها عيني منذ سنوات، وفي المصافحة بدءًا تمهيد أن يألفني موقف فيه الكثير من الشجون، وبنفسي لن ألتزم ببروتوكولات تجعل من تفكيري قيدًا على استرساله، عفوًا حينما أراكِ حتمًا سأتذكر ما جرى في الماضي، ولو أني أقوى من أن أقع في شباك إفساد اللقاء، فقد ترقبتُه وانتظرته منذ زمن، وأنا له اليوم أكثر حرصًا في أن آخذ حقي عن كل تأمل فيما إن كان الزمن غيَّر من مَجرى الفرحة عندك، أم أن مكنونات صدرك هي في العمق تتحاوَر عما قد سأفتتحه من مواضيع، لا داعي لأنه لا بد أن نكون على قدر الموعد من لحظات السعادة، فقد ناشدتها بحرقة البكاء أني ابتعدت عن لقاءات عديدة، فكانت كل مواعيدي مع الإبداع، وليتني أفي بحقك من هذا الموعد إبداعًا كله تسامح، ومعذرة عن كل تقصير بدر مني؛ لذلك مهلاً عليَّ؛ سأكون في الموعد.
فَرِحة جدًّا أنا باقتراب لحظات الموعد؛ لأن العصافير تتغنى لأجله، خاصة أني سألتقي بصاحبة خلُق عالٍ من الالتزام المُرسَل إليَّ عبر نفحات الإقبال على الدنيا في أن بها أناسًا طيِّبي الأثر، مثلما قال سهل بن هارون:
وما العيش إلا أن تطول بنائل
وإلا لقاء المَرءِ ذي الخلُق العالي
|
لكن ما أرجوه أن تفهمي عني سبب الابتعاد والغياب، ليس بقصد في التفريط في الوحدة؛ ولكنها الأقدار حين تُدلي بستار الضرورة في الكفِّ عن لقاءات قد تقتل فيَّ روح الإبداع، وإني مخيرة بين هذا وذاك، والتخيير ليس بقرار مني؛ ولكنه خلاصة مراد الله في عبده، فرجاءً لا تُكثري عتابي؛ لأني قد لا أقوى على إكمال اللقاء من فرط المحاسَبة، وإني لنوع الحديث هذا لمتنحية عن عمود الوصال اللحظة، ولك في قول عبدالرحمن بن حسان خير الشرح فيما أريد إيصاله لك:
لا خير في الودِّ ممَّن لا تزال له
مُستشعِرًا أبدًا من خيفةٍ وَجِلا
إذا تغيَّب لم تبرح تُسيء به
ظنًّا وتسأل عما قال أو فَعَلا
|
ثم إني أريد تجديدًا في أن يكون لقائي بكِ أختي فيه الكثير من الفهم لما نريد في عصرٍ تضافرت فيه القوى لتشتيت أُخوَّتِنا وفق معالمٍ رسمها أعرق دين؛ ولذلك كان لزامًا علينا أن نمد جسورنا إلى أبعد حدٍّ يُمكن أن تصل إليه منابع الحب في الله، هكذا أريد لخريطة السلام في قلبي، وهكذا أريد أن أفتح أبواب قلبي لكل مَن يُريد سلامًا، ولا شيء بغير السلام هو عنوان أي لقاء مع مَن لي شوق في لقائهنَّ.
سأقرُّ لك عند اللقاء أن غُرَفًا في قلبي هي لمن أحببتهنَّ بصدق وعمْق التطبيق الفعلي لمعنى الأخوَّة في الله؛ لذلك سأترفع عن الكثير من الملامات فيما مضى، ليس لدينا الوقت أن ننصب اسمًا أو نُعرب فعلاً، بل الوقت الآن لتطبيق الفعل فقط، وهو أن نحبَّ بعضنا بعضًا بصدق، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره زال وانفصل؛ لذلك اعذريني عن تقصيري، فوالله لم تكن النية سوى أن ألقاك بوجهٍ سمح وطلْق؛ لأمضي على ورقة بيضاء تجديدًا من نوع الصفاء فيما أقررتُ به، وعلى أمل الوصول للقاء الذي أنا في سعي له أقول لك أختي: مهلاً، سأكون - بإذن الله - في الموعد.