اخترت من السوسن عطرًا لقدسي
كانت أرجوحة هادئة، بعد أن ضبَطتُها على الاتزان، كنت متعَبة ومن التعب ما جعلني اختار من الأرجوحة أريكة لمتاعبي، من هموم أمتي ليس إلا، فلست ممن يحمل همومَ البشر في ذاكرة الأُفق إلى ما وراء بحار بلدي، الجزائر الحبيبة، وعبر أريج هذا البلد لكم ألف تحية بداية.
كانت المقادير مرتَّبة كما يُريدها الله - عز وجل - لا كما أردتها أنا، كانت لي برامج على إيقاع التحدي بوتر الخطى ما بعدها خطى لحين إسراع نغمات الأمل، من أني قد أفشل قد أَضعُف، لكن هيهات لهذه اللكن أن تدقَّ بكنفها على عزيمة دفي، أردت منه دقات تثير حالة استنفار في كل مكان، فيثير حالة يقظةٍ من أن برامج البطولة هي على أتم الاستعداد للإنجاز، كان اليأس يَنتابني مع كل اصطدام بعراقيل هي في حقيقتها سراب ليس إلا، لكن بعقيدة أنه لا شيء صعب، وحتى إن الصعب في خبر من السهل موجود، بالمرة للسهل بطولة أقدار مع صعوبة القوة.
كنتُ أختار لكل شيء إيقاعَه المميَّز؛ لأني من غير إيقاع لن أضبِط خُطواتي، فانسجام حركتي هي في انسياب لحني في المُضي للأمام، أخبَروني في طريقي أن فيه دروبًا وعرة المسالك يعلوها ثلج ومطر، وحتى ظلام، قلتُ: شكرًا، تنبيهكم وصل، لكني كنتُ على موعد من أن صلاة التسابيح ستُقام هناك، قلت: أين بالضبط؟ قال لي حراس دروب النجاح: من مكانها المقدس في بيت المقدس.
كان لوقْع دُفي صداه على امتداد مسافة الأمام، فطبول الحرية لا تُدقُّ إلا في باحة تَليق بها صلاة التحرر من صهيونية غاشمة.
لا داعي أن أصِفها هي؛ لأنها لا تستحقُّ أن تأخذ من وقتي وتفكيري، بل أصِفُ صخرة القدس في لون القداسة، من أن الإشارة لا تُعطى إلا بإذن الله في تحرير القدس.
أؤكِّد لكم أن أحسن ألْحاني تَغنِّيتُ بها للقدس كانت وأنا على أرجوحة الرضا والطمأنينة بعد طول عياء، لكني تَعِبتُ عمدًا؛ لأني وأنا على طيش الصِّبا رددتُ لحنَ حب القدس، ومع عُنْفوان الشباب كان التأكيد حكاية أن هناك جدال بيننا وبين اليهود، لن ينفع لوم أو عتاب، بل سنتكلَّم كلامًا بلغة لن يفهمها بنو صهيون، فيها صلاة وتسبيح وجهاد وطلقات رصاص الغضب من أنه لا ديمومة لأقدام ستتعب إن هي أرادت تسلُّق أشجار الزيتون هربًا وليس للبطولة.
ثم لا ديمومة لسواعد لا يكفي امتداد طولها للتشبث بمدافع جياشة، لن تَزيدنا إلا سرْد نكت زمان ونحن صِغار، كنا بالأمس نضحك لهِندام الضعف الذي لا يسع أجسادًا هي كوصف الحمقى أقرب، ثم لما كَبِرنا ميَّزنا بين العدو والصديق أحسن وأحسن بكثير.
سنكون هناك على موعد مع صلاة التسابيح والتي قال عنها العلماء: هي مُستحبَّة ولو مرة في العام، لكننا سنُصلِّيها كل يوم حمدًا وشكرًا لرب العزة الذي منحنا عزةَ الريادة.
لم نسجِّل يومًا ما خِذلانًا أو هزيمة، فالرِّحال ستُشدُّ مرة أخرى إلى هناك، وزحْفنا سيكون كزحف خيبر، فيا قدمي دوسي على الهمِّ، واغرسي يا أناملي شجرة الزيتون شارة أننا وصلنا واستقرَّ بنا الرَّحل إلى هنا حيث لا هناك إلا هنا مقر إقامتنا.
لأنه في الغد سيصحو الأبطال باكرًا بعد أن يصلوا الفجر جماعة، ليرقصوا (دبكة) النجاح، والتي لا يُتقِنها سوى أبنائها من العروبة والإسلام.
دبكة هي للبنانيين والسوريين والأردنيين وَشْم أصالتهم، لكن لا تخشوا على الغير من العرب؛ لأن دُفَّ الحرية سيُعلِّمهم وترَ رقصة (الدبكة) وبامتياز وعلى لحن الالتزام طبعًا، فهل سيفهم بنو صهيون لغة دبكة القوة؛ ولأن من القوة ما داستْ على الجدار الفاصل فهوى على وقْع أقدام أبناء فروا من الرِّهان الصعب.
فيا عالم - إن كنت تسمع صوتي - فلك كل التحية، وإن كان صدى تحيتي لا يصل إلى مسامِعك، فسيكون لوقْع أقدامي مسامع فوق مسامع من لا يعرف سلالة الحرية، فقط سيكون منك انحناءة التقدير لمن لم تَلِدهم القدس، لكنهم وُلِدوا من أرحام الانتفاضة الحرة على آهات يا ألله يا غالب ويا قادر ويا مقتدر، فهل فوق الصخرة تاج غير تاج العروبة عُنوانًا للشموخ؟
لأجل ذلك اخترتُ من السوسن لونًا وعِطرًا لدقات دفي، في لحظة عتاب لدماء الأبرياء في سوريا، لكن السوسن أقدر وأطيب وأنقى فوق كل اللحظات؛ لأن العتاب لن يضيف شيئًا إلى التحدي، التحدي مولود وُلِد على فطرة صنَعتْها أبجديات الصراعات، ولا دخْل للحظات العتاب في رنة آلام المخاض.
سلوا سوسني عن مجد الأبطال، فلكل حضارة صُنَّاعها، وأرجو منكم قرائي بل إخواني وأخواتي، ألا تَخلِطوا بين عطر السوسن ونسيم العتاب، فللسوسن مفهوم للحكمة والتقوى لأبطال التقى.
كانت الشهادة رايتنا تُرفرِف عَنوة وعمدًا وقوة فوق الصخرة؛ لأنها حقنا ومِلْكنا ووطننا، نحن لها وهي لنا، ثم صُنَّاع الحضارة لم يَنسوا أن يُعِدوا العُدَّة، بعد كل هذا الكلام، لا أظن أنه بغير إخواني وأخواتي يوجد دخيل واحد، وإن وُجِد فله أن يُغادِر حبْوًا أرض المقدس، لهم كل العمد في أن يُنشِدوا لحن الاستسلام أمام جيل صلاح الدين الذي سيتكرَّر، وللسوسن فَيْح في أريحا وغزة، وكل فلسطين.