مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/22 12:00
مراسيل رد الاعتبار

مراسيل رد الاعتبار

 

أعرف عنك كثيرًا أيها المظلوم حينما تَحترِق في صمت ولا أحد يشعر بك، أفهم عنك لغة الدفاع عن نفسك من غير شهود ولا محامٍ، تنحني كثيرًا لعواصف البكاء؛ لأنك تريد أن تبكي حينما تتذكر مَن آلَمَك، أفهمك جيدًا وأعي أكثر حجم الأسى الذي أنت فيه.

 

أعرف أنك انقطعتَ وانعزلت عمن ظلموك، فررْتَ بدينك وبضميرك وبأخلاقك، لم تكن تبغي الجدال ولا الخصام، فضَّلت التنازل عن كل شيء بما في ذلك حقوقك التي هي مِلكُك، وكان منك أن راسلتَ العديد من المرات أهلَ المكارم، فنقلتَ لهم ما تحسُّ به؛ علَّهم يُنصِفونك أو يُصلحون بينك وبين من خاصموك، لكن للأسف فضَّلوا أن يتابعوا أخبارك من بعيد؛ لأنك كنت في ضعفك أقوى، وكنت في وحدتك صنديدًا، أذهَلتَهم بصبرك وصمودك، فنقلوا أحاديث كثيرة عنك في أنك لم تَنكسِر بعد، ترجمت لهم أنك في معيتك مع الله لا تبغي أحدًا.

 

وبدوري أنا أحسست أنك في رهان، وأن في قلبك الكثير من الأوجاع، وفي بريق عينيك لمعان الألم، فهمت أنك في صبر ولا تريد الجدال مرة أخرى، فأيقنت أنك من الأمثل فالأمثل.

 

نفد مالك مرات ومرات ولم تكن تمُد يدك لأحد؛ لأنك توكلت على الله في رزقِك، وتبغي العفاف وكف الحاجة لدى الناس، هكذا كان قرارك حينما ظلموك.

 

عانيت ويلات الوَحدة والغربة ولم تطلب سندًا من أحد؛ لأنك اكتفيت بسند الله، ولكني في تساؤل لك من أنك بشر، ولك لقطات الانهزام حينما يطول الابتلاء، فكان منك الاستماتة؛ حتى لا تَشعر بالرغبة في العودة إلى الوراء، وهو أخطر قرار ظننتك ستتخذه في لحظة يأس.

 

كتبت الكثير من الخواطر من عمق ما عانيته من مَرار، فكانت خواطرك تبعث في نفسي تقليدًا لفنك وإبداعك حينما تُعبِّر عن مكنونات صدرك بالكتابة، فرُحت أقرأ أشعارك المنظمة سطرًا سطرًا، ولو أني فضلت القراءة فيما بين السطور، فوجدت أنك في عذاب، فأبديت منك قولك أنك تريد ردَّ اعتبار لمصيرك ولخروقات حرمة جسدك وفكرك وحريتك، بل وراحتك النفسية، لم أجد لك مخرجًا أو حلاًّ، بل انتظرت منك الإجابة؛ لأني أخشى أن أخطئ في إيجاد الحل المناسب والمواسي لآلامك، وفعلاً كان ما كان منك أن أخبرتني أنك تتألَّق في تدرج وبانفراج لقضاياك العالقة رويدًا رويدًا، أحسستُ بالاطمئنان عليك وأنت تخبرني بذلك، ولو أني خشيت ألا تعوِّضك نسمات النجاح عن تضحياتك؛ لأني لم أنس أنك تنازلت عن كل شيء في سبيل أن تشتري راحتك وسلامتك؛ لذلك خشيت من هذا الجواب ألا يُطفئ نار الألم بداخلك، فلقد تكلمت لي فيما مضى عن لحظات الليل المظلم حينما يجنُّ عليك ولا تجد من يسمع صوتك الدافئ في أنك مظلوم، وكثيرًا ما ردَّدت لي أنك في خلوتك لم تجد من يَمسح دمعتك؛ لذلك ساورني الشك كثيرًا في أنك ستَرضى بالقليل لتنسى الكثير من أوجاع الماضي.

 

أعرف جيدًا أنك حر وستبقى حرًّا:

أوجع من وخزة السِّنانِ 
لذي الحِجا وخْزةُ اللسانِ 
فاسترزقِ اللهَ واستعنْه 
فإنه خيرُ مستعانِ 
و إنْ نبَا منزل بِحُرٍّ 
فمِن مكان إلى مكانِ 
لا يثبُت الحرُّ في مكان 
يُنسَب فيه إلى الهوانِ 
الحر حرٌّ وإن تعدَّتْ 
عليه يومًا يدُ الزمانِ 

 

و لذلك فهمتُ جيدًا لماذا فارقتَ الأحباب، وابتعدت عن الأصحاب؛ لأنك حر وتريد أن تكون حرًّا من غير قيود أو أغلال قُدَّت لك من حسد وغيرة وطيش الهوى الفعال لمُفرقات الجماعة، هنا أطرقتُ رأسي مطولاً؛ لأن الحزن سكن بداخلي اللحظة، شعرت أن الانتقام قريب من قرارك، لكني ألغيت هذا الشعور حينما أخبرتني أنك تترفع كثيرًا عن كل المساوئ، ولكنك لست تترفع عن رد الاعتبار لنفسك؛ لأن هذا الرد هو فخرك، هو دليلك في أنك لم تظلم، وهو كذلك نتيجة صبرك واحتسابك؛ لذلك فضَّلت أن أقوم بدورٍ نيابة عنك، وهو أن أرسل مراسيل رد الاعتبار في ذات الصباح؛ لأخبرهم أنك بخير وفي تألق، فقط تنتظر يوم الحسم الفاصل؛ لتبدو أكثر جمالاً وروعة حينما تمسك بفرصة النجاح بيديك، فهو باختصار إنجازك وتستحق ذلك؛ لذلك اترك لي الدور في أن يعود المراسيل بأحلى الأخبار في أن ظُلَّامك يتطلعون ليوم تكون فيه متواضعًا ليَطلبوا الاعتذار منك.

 

هنيئًا لك أيها المكافح الصبور، وشكرًا لمراسيل رد الاعتبار - من جاؤوا بالبشرى لك - فهم جماعة من أهل الخير نقلوا سيرتك الطيبة وقت الابتلاء، فكنت قدوة لمن لم يجد القدوة المثالية، حتى أنا تعلمت منك الكثير، واكتفيت أن أهديك هذا المقال، وأتمنى أن يلبي رغبة رد الاعتبار لديك بالتي هي أحسن، ولو أن الله سينصرك لا محالة؛ ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].




أضافة تعليق