مناظرة اليقين
سؤال من وراء سؤال فيما إن كنت قد أدّيت الواجب كاملاً تجاه الأخوّة في الله، صعدت على منصة المواجهة، وأجبت من أني لم أقم بواجبي كما ينبغي وليس لتقصير مني، وإنما لأني لاقيت صراعات شتى، لست أفهم المبتغى منها في شباك الكيد ممن لا يخشون الله، فحَالَ الوصال بيني وبينكم، ولكني أعتذر بشدة لأني أريد أن أشعر بحضارة تبرئة ضميري.
سؤال آخر من زملائي في العمل أن لحظات المرح والفرح تقلَّص عددها في الآونة الأخيرة، فأجبت أن تقديري لهم ساكن في قلبي، ولكن انشغال روحي عن الواجب اقتص جزءًا من وقتي المخصص لهم ولي مع نائبات الدهر، قلب لبرنامج التوادد، فلم أكن أتوقع يومًا ما أني في بُعْد عن جلسات أخواتي؛ بسبب ظروف حالت بين قلبي وبين احتياجهم.
سؤال حير فكري كثيرًا، وهو: لم ابتعدت عمن عرفتهم، وتوقفْتُ فجأة عن الاتصال بالهاتف والزيارات؟ فأجبت أن أجندتي مسطّرة في رأسي موعدًا تلو الآخر مع فضاءات الإبداع، ولست أجد وقتًا لي في أن أمنح لنفسي فسحة للتجول والتنزه وسط قامات الأشجار وسهوب الأرض الخضراء، فمعذرة ولي معكم ألف أمنية في اختلاس ساعة حبور عبر مجلس الأوفياء، ولكن لست أعي ما كان لي بالأمس واليوم حتى أسترجع ما فات، فأرجو المعذرة.
سؤال بعث في نفسي تحسُّرًا من جيران الطفولة يوم غادرت مسقط رأسي لظرف من الظروف، فناشدت السلام لهم أن ذكريات الطفولة هي بين عيني تُسقِط عَبرات الحنين ليوم واحد لتلك الأيام الحلوة؛ لأني بحاجة ماسة أن ألعب دورًا طفوليًّا لبرهة من الزمن حتى أستعيد انشراحًا في كياني، أني هكذا كنت ببراءتي وهكذا سأكمل ببراءة الإخلاص لله وللوطن وللأحباب، فعَفْوًا وأرجو اختزال اللقطة إلى أن يكتب الله لي سفرًا إليكم، نستعيد فيه معًا ما عشناه بطيش السن الصغيرة من جهة، وبفضول التجريب من جهة أخرى.
سؤال أسقط دمعي وأنا أراجع صورًا لي مع من رحلوا عني، وما بكائي إلا سؤالٌ مني هذه المرة فيما إن كنت قد حَظِيت بالأمانة، أمانة الدرب والوعد، فعَفْوًا لكل من أحبني ورضِي عني بدعاء الحفظ والصون من الله عز وجل، معذرة إن كان هناك تقصير، فالله شاهد على حسن نواياي.
سؤال أسكت ما بقي من الأسئلة، وهو سؤال روحي لي فيما إن كان الله راضيًا عني، وفيما إن كنت أهلاً لحمل مشعل الأوفياء، شهداء الجزائر الحرة وشهداء الأمة الإسلامية وَفق درب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلى أن ألقى الله، ولي في ذلك عتاب ولوم شديدان، إن كنا حقًّا أهلاً لأن نقف على منصة المناظرة ونجيب التاريخ والشباب على أسئلة أرى أنها من حقهم طرحها حينما يتعلق الأمر بالهُوية والانتماء والحضارة بمعناها الشمولي في البناء والرقي والتطور لذلك؛ لنستعد جيدًا لمناظرة اليقين؛ لأنه لن تفيد الإجابة العادية عن إقناع من يبحث عن مسكّن لصرخات الجيل الصاعد المتطلع لمستقبل أرى فيه الكثير من الغموض والرهانات، لذلك لا بد من الإجابة على أسئلة المناظرة وبكل يقين؛ فاليقين هو الجواب الشافي لما خفي من ضباب الجواب.