مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/17 19:05
قبلة الجبين.. عرفان ووقار

قبلة الجبين.. عرفان ووقار

 

من طبيعة مسحات الجمال ألوان زاهية تَنعكِس من على أثواب أنيقة، تزيد الجسد لياقة، أو ترسل في الوجه إشعاعًا، فيه من الضياء ما يطبع جمالين بدل جمال واحد.

 

و من طبيعة مسحات الجمال ذاك الإتقان من الله في خلقه، يجذب لها استئناس المحبين لتصبح ألفة ثم مودة خالصة نقية.

 

و لصفاء السريرة مسحة أخرى تبعث على الثقة والتوادُد بأنشودة الأمل، يردّدها المحبّون على مسامع الإنسانية لتستمر باستمرار نبض الحياة الهنيئة، طالما فيه إصرار على حياة يكسوها ذوق جمالي يهز المشاعر، ويصل العقول بالمعاني السامية، فيغدو الشجون يتطلع إلى المقامات الرفيعة والأدب العالي، فتنبعث ذهنية الأدبيات بالفن الرفيع، فيتمتع السمع والبصر باللحن العذب الذي تلين له القلوب القاسية؛ لتأثير الكلمة الطيبة والأداء الجيد لإيقاع الأمل.

 

فمسحات الجمال تمتد إلى المبدع والمتلقّي للإبداع فتتفتَّح بذلك العقول، ويَنزاح الكره من على طريق التحابب، فيُطلق العنان لمشاعر التراحم والتلاحم برابطة هي في الله جمعَت شملاً غريبًا، وألَّفت بين قلوب لم تكن لتتآلف لولا ذاك الحبُّ في الله.

 

لكن، لي مسحة جمال كبرت معي، أو ربما كبرت معها؛ لأنها فرضت تقاليدها على سلوكي منذ صغري في أن أقبّل جبين كيان يكبرني سنًّا ونضجًا وفكرًا.

 

هي همسة بنبرة الاحترام والانضباط في حسن الاحترام والوقار لمن أهداني يومًا ما كلمة طيبة، وأعانني على صعاب الحياة في عام من عمري كان بمثابة دهر بثقل المعاناة، فاخترتُ قبلة الجبين ردًّا للجميل بسلام ووداعة، ولأن قلبي ازداد اتساعًا مع الأحزان، وازدادت دموع عيوني جمالاً بلمعانها، فراحت البسمة الشاردة تُترجم على لساني أطياف الرضا ببريق الذكريات، فلم تكن للآهات أنَّة، بل كانت منارة تحمل أمواج الحيرة؛ لأنها أغرقتني في أعماق بحر الصمت لكل ما ينتمي لكيان أحببته في الله، فختمت على جبينه قبلة الوقار، فرسمتُ بسمة منقوشة بأمل أني مسافرة مع أشواق الطيور الباكية وتناهيد الطبيعة في كل مكان يحيط بي.

 

لا زلت أذكر دفء قبلة الجبين على أخت لي كبرتُ على يدَيها، فازدادت قيمة العالم عندي بميزان التقوى لحسن صنيع الله، فغفوت على وقع نصائحها على حقيقة الدنيا في أن الصعب قد يجعلني أعانق أخطائي في اندفاع مني لاحتواء الضعف.

 

لكني على الصعب في القرار.. لم أتجرأ يومًا على نقد أبيات خواطرها، ولم أتجرأ في أي فرصة من الفرص أن أكره غلظة منها، على الرغم من قسوة الأيام علي، لكن قبلة الجبين كانت المانع في أن أُقبِل على نكران الجميل، فكان للقلب معها خفقات، ولدمعي فيها دقّات، وفي صدري لهيب وزفرات، لم يكن لساني يقدر على التعبير في كل ما عانيته من ألم، لكن للأسف كان بعد الوصال ارتحال، فناداني الركب الراحل أن وداعًا، فهتف قلبي ولساني.. لا.. لا ترحلي، لكن سابقني القدر في ألا عودة بعد رحيل، فأدركت أن نفحات إيماني كانت عذبةً، وأنا أستشعِر فرقة الألفة، فرحلت على الذكريات الجميلة، واحتفظتُ بقبلة الجبين، وأعطيت عهدًا على نفسي في ألا أهديها لأحد حتى لا تضيع معالم الوقار لغير ذي الوقار.. فكان التسليم لقضاء الله وقدره، وكلي أمل في العودة؛ لأني أخشى على قبلة الجبين أن يتخطفها مني أحد، وهي لصاحبة التميز، ولا أريد لغيرها بديلاً، بإذن المولى وبمراده - تعالى عز شأنه وعلا.

 



أضافة تعليق