مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/16 21:46
جرب و سامح...جرب وتألق

جرب وسامح

جرب وتألق

 

كثيرة هي جرائم هذا العصر، وأخطرُها جريمةً فسادُ الخلُق، هي توابِع لمَلاحقَ هامشيةٍ في خُلق الشك الذي يقطعه اليقين أن المُفلِس وباء ووعاء لمحصلة جراثيم قاتلة، حتى لو كانت الجريمة شروعًا ولم يكتب لها كمال الفعل المخالِفِ لضوابط المنع التي تحفظ للإنسان كرامةً وحقًّا.

 

وللفصلِ بين ما تلحُّ عليه كرامة الإنسان وبين تفصيل مفصَّل لمخلفات جرائم الروح، كان لزامًا أن أنسحِبَ انسِحاب شرف عن أن ألعب دور مدافِع عن حقوق الإنسان؛ لأكتفي بصيغة جميلة لتفاصيل قضية التسامُح في أحلى حليِّها، وأجمل وسائل إقناع لدَيها، في ترجمة سريعة لرغبة جامِحة، يَبغيها العقل وتُفضِّلها حكمة إنسانية في أن لا انقضاء لأيام بغير صفح وعلو همة، إنها الأدوار البارعة والمواقف الشجاعة امتثالاً لقوله تعالى ولسنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم.

 

لن يطول الفصل في قضية وئام أصيلة بثوابتِ الدفاع عن مبدأ الجمال في مأمورية راقية لا يأتيها الكل، وإنما صفوة مختارة تعبَت لأجل التحصيل الحاصل لبوادِر الخير بمناجل الحصاد البطيء في مراد الثمار الحلوة، وليس بنكهة الاستعجال في تحصيل الغثِّ من الغنيمة، قد تبدو للكثير لذيذة المذاق، ولكن استعجال القطف أفقَدَها روح الطعم الحلوة.

 

تفضَّل يا قلمي واكتب ما شئتَ في التسامح، فقط عليك بفواصل، فارسمها بإتقان؛ حتى نأخُذَ نفَسًا لفهم جيِّد واستيعاب رائع لخصلة التسامُح، ولا تستأذني فيما إن كانت أخطاء عفوية، فابنُ آدمَ يرتكِب أخطاء عفوية كانت أو لا، فما بالك بنقشك السيال بطلاقة من أناملي دونما تركيز منها على انحِراف السطر أو في رباط من وصاله على طول الخط أو في علو الصفحة، فالأهمُّ من كل هذا أن نتعلم ونُجرِّب لنسامح، ومن ثم نجرِّب ونتألَّق، إليك الإذن يا قلم، مسموح أن تترجم ما يجود به قلبي وعقلي في تمازج لشاعرية واحدة في أن نصل الميم مع الميم ممَّن يبغون نحوًا من الكتابة، فالإعراب الجيد يُضفي على السرد أيقونات فريدة؛ لنَعرِف مما تُحاكيه لنا إن كنا في زمن الحاضر أو الغائب من التقدُّم، فالغائب حجته معه؛ ولذلك سأستمتِع بفحوى تحليلك بطلبية من عقلي وقلبي معًا.

 

بدءًا ببداية المبادئ الراقية، فإن تراكم الخلافات والعداوات والحسابات ليومٍ ما في أن تقتصَّ الحقوق بالتي هي أضر وليس بالتي هي أنفع، سيَجعل من القضية مددًا مُملاًّ، ولاختِصار الوقت والجهد؛ فجرِّب وارمِ عنكَ كل الحسابات، ولا تعدَّها مرة أخرى بأصابع يديك؛ فهي لن تكفيك في أن تنهي قائمة من أخطؤوا معك، لذلك خلاصة الحياة في أي أمر كان نتاج تجارب إما ناجحة وإما فاشلة، فلك يا بنَ آدمَ أن تُجرِّب وتُسامِح في عفوية منقطعة النظير، فتلك الندرة في وجود النظير تضفي على المشروع تأييدًا، ومِن ثمَّ تصميمًا يَليه عزم على التنفيذ في إبداء التسامح بكل الطرق وبشتى الوسائل؛ فإن كان بالكلام، فالكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الهادفة سهمٌ مُصوَّب نحو القلب بعد أن يكون قد تجاوز طبلة الأُذن، ليكون الوصال المباشر له الأثر السريع في استيعاب العقل لفكرة "جرب وسامح"، لن تخسر شيئًا، بل ستَكسِب مكسبًا في أنك جرَّبت، ولو نجحت يكون المكسب مكسبَين مثل أن يكون للعامل أجران في عقد النية وإتيان الأمر معًا.

 

فاصلة لأتوقف فيما إن كان الرفض والفشل في نجاح مشروع "جرب وسامح"، لا علينا ففي إعادة التجربة إفادة في كل مرة؛ حتى نوفَّق بتوفيق من الله وبإذن منه، فليس كل أمر مُنفَّذ بحسب أوقاتنا ورغباتنا نحن، بل لمَّا يأذن الله، فالمطلوب مِنا هو عقد العزم على المشي خطوة نحو الأمام.

 

ولنتساءل فيما بعد: كيف يكون السعي لإحداث الانقلاب الفِكري والنظري والتطبيقي في تغيير أفكار الناس وطبع عقائدهم ومَشاعرِهم، وإصلاح نظام التربية فيهم، وإحياء نموذج التقبُّل دونَما تردُّد مِنا ولا نفور منهم؟

 

من البديهي أن طبائع الناس تختلف، ولكنْ لكل نموذج بشري مفتاحٌ يفتح لنا أبوابًا موصدةً فيه بحكمة متناهية الربط والوصل فيما بين أغوار النفس البشرية وتطلُّعاتها لما يُرضيها ويسكن الألم فيها بالمودَّة والصدق والثقة المكتسبة للطرفِ الآخَر.

 

لا يبدو الدور سهلاً، ولكنه ممكن التحقق، ولو أنه يأخذ وقتًا وجهدًا لإيجاد المفتاح المناسب وفي الوقت المناسب، ثم ليست فيه خسارة كبرى حال التجربة، ولا ننسَ في ذلك أنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم وعلى قدر أهل الكرم تأتي المكارم، وبالصبر نَنال المُبتَغى.

 

بإذن مني يا قلم لنَنتقل إلى الفيصل الثاني في أن نُجرِّب التألُّق أم أنه ثمرة مباشرة لتجربة التسامح؛ لأنه أكيد بعد فعل التسامح يكون الإنسان قد ترفَّع عن سفاسف الأمور في الخلافات العقيمة والمُجهدة للصحة ولراحة البال دونما أي ثمار، هي عفوية الضمير في إطلالة منه لاستِنشاق عبق التألق بعيدًا عن مُنغِّصات العيش الهنيء تحت ظلال سماحة الأخلاق، والفضل كل الفضل لعقيدة رائعة تضمُّ في أصولها قيمًا وفضائل، وتَحمِل بين فروعها توابع لمكارم الأخلاق، فالحمد لله أن جعَلنا أصحاب عقيدة إسلامية راقية وعريقة.

 

لن تخسر شيئًا، جرِّب وسامح، ثم جرب وتألق، فإن لم تَستطِع، فتَسامُحُكَ بالتكرار مع كل إنسان سيجعلك حتمًا ودائمًا في تألُّق كنجمة مضيئة في سماءٍ مُظلمة، ولك الدور يا مؤمن بالأخص في أن تجني ثمار جهدك وحلمك وعفوك عند مقدرةٍ قد لا يقدر عليها إنسان عادي، وهذا في أصله تألق نحو التميز بفارقة إرادة فولاذية، وضمير حي، ولسان مسبِّح ومستغفر للواحد الأحد.

 

 




أضافة تعليق