مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/06 14:42
وحدة المسلمين ..الحلقة المفقودة

وحدة المسلمين

الحلقة المفقودة

 

عندما غلبَنا المنطق الديني الذي يرفض التصاوير الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، أدى إلى اضمحلال الإساءة لهما، ولعل قيام الإنسان بدوره في هذه الحياة الدنيا ما كان ليتمَّ على الوجه الذي لأجله خلقه الله - تعالى - إلا بدافع العاطفة الغريزية، وتوجهه لنصرة هذا الدين؛ ليحقق بذلك تلك المتع التي أوجدها الله - تعالى - معه في الحياة، وهذه المتع لا تتحقق إلا بالتزام العقيدة الصحيحة، والتي تتفرع إلى قسمين، وهي:

اعتقادات وعمليات[1]: فالاعتقادات هي منهج العمل؛ مثل اعتقاد ربوبية الله، ووجوب عبادته، وتسمى أصلية.

 

والعمليات وهي ما تتعلق بكيفية العمل؛ مثل الصلاة، والزكاة، والصوم، وسائر الأحكام العملية، وتسمى فرعية.

 

فالعقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح معه الأعمال، كما قال - تعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، لكن بعض الناس بنوا عقيدتهم على غير الكتاب والسُّنة من علم الكلام وقواعد المنطق الموروثين عن فلاسفة اليونان، فحصل الانحراف ثم التفرق، والسبب هو الاختلاف في التصور والكلمة، فحدث تفرق الجماعة، وبذلك تصدع المجتمع الإسلامي.

 

فالانحراف عن جادة الطريق بغير منهج عقائدي صحيح هو مهلكة، بل ضياع إلى غير الصواب؛ لأن الفرد بهذا الانحراف يكون قد وقع فريسةَ الأوهام والشكوك فتحجب عنه الرؤية الصحيحة، وقِسْ بذلك على الجماعة وعلى النحو من ذلك على الأمة.

 

ليس هراءً أن المجتمع الإسلامي بابتعاده عن الثوابت والقيم هو في ابتعادٍ تدريجي بمعنى الانتماء الحقيقي للدين الإسلامي؛ لأن معالم دروب الحياة السعيدة أصبحت غير واضحة بسبب الرؤيا المشوشة، ناهيك عن البصيرة العمياء، والقلب المغلف بالران، هي مشاهد تنطبق على المجتمعات الكافرة؛ لأنها فقدت مقومات العقيدة الصحيحة، بل لم تتبنَّها أصلاً، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 10 - 13].

 

فهناك انسجام وتوحُّد فيما بين القوة والمادة وثوابت العقيدة ابتداءً باتباع ما أمرنا الله به وانتهاءً بالشكر، ولو أن القلة القليلة من الشاكرين.

 

إن جمال الوحدة الإسلامية هي في اجتماع القوى الفكرية والمنهجية؛ لتصنع وحدة المسلمين، والجهل بالعقيدة الصحيحة أو عدم إقبال المسلمين عليها كإقبال الطفل على أمه حتمًا سيُنشئ جيلاً هشًّا سهلاً للاستعمار والانقياد، ويصبح بذلك إمعة في التقليد الأعمى لمغريات وبذخ الحياة، وترك اللب وهو العلم والحضارة، فيحدث ما يسمى بالغلو في الدين والإسراف في الانحراف، وفتح منافذ الشيطان؛ لينشر فيما بين المسلمين الفُرْقة ليتغلغل أخطبوط العدو؛ ليحدث الفساد بدءًا بزرع عوامل الكراهية والبغض فيما بين أبناء الجلدة الواحدة وهم المسلمون في المعمورة قاطبة.

 

فالانقسام الذي حدث بين المسلمين هو بسبب الفُرْقة التي أحدثت تخلفًا كبيرًا في درجة الوعي، وبالتالي تخلفًا في إحداث النهضة التي تليق بمجتمعات عريقة مثل المجتمعات الإسلامية، صحيح أن التاريخ سرد مراحل قوة الدول ومراحل ضعفها، لكن كان فيه قيام وانتعاش الإسلام من جديد، ولكن في الحقبة الأخيرة يبدو الأمر على خلاف ذلك؛ إذ إن العالم الإسلامي يشهد حركية نحو إثارة الفوضى والفتن في كل نقطة إسلامية من خريطة العالم فيها استفزاز، سواء سياسي أو اقتصادي، والغريب في الأمر أن القضية الفلسطينية لم تنفض الغبار عنها بعد، فالطفل ولد مع ميلاد هذه القضية وعاش مرحلة الطفولة والشباب والكهولة ثم مات وفلسطين لم تستقلَّ بعد.. ليتحول الصراع والانشقاق إلى فتن بين المسلمين فيما بينهم، والغرق في بحر التصحيحات والتعديلات وتغيير الحكومات، ثم ماذا حدث؟

 

حدثت بؤرة الانقسام والحروب وتوسعت كثيرًا، أليس هذا التوسع مقصودًا لإفشال المخطط الإسلامي في التغيير وإحداث النهضة بحضارة الكلمة، والفعل بإيمان راسخ في القلوب وفكر نير يسري في العقول؟

 

نعم، هو مقصود، فمَن يحب الخير للإسلام والمسلمين؟ لا أحد غير المسلمين، فمثلما أهل مكة أدرى بشعابها، فأهل الإسلام أدرى بمصلحة دينهم، ولكن تأخَّر الرَّكب كثيرًا لركوب قطار التقدم والرقي والعالمية لهذا الدين؛ لأن هناك ثغرة نفذت منها سموم الحاقدين على هذا الدين، ثم الحلقة المفقودة بين المسلمين لن تكتمل حتى يتوحد الشمل وتتآخى القلوب وتتوقد الأنظار على حرمة هذا الدين، فتندفع الآهات لنصرة المظلومين، وإيواء الفقراء والمساكين والضعفاء، فليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا، ثم الأنفة على هذا الدين تنبعث منكم يا مسلمون، والغيرة على مقدساته تحميها سواعدكم، فإن ركنتم إلى الخطابات الساخرة لن تستقل لا فلسطين ولا سوريا، ولا أي بلد إسلامي مستهدف.. القوة فيكم ومنكم.. الإيمان إيمانكم، والشجاعة ساكنة بداخلكم، فالحلقة المفقودة حتى وإن كانت في كوم من الصوف ستجدونها لا محالة بنور العقيدة الصحيحة ومصباح الاحتواء الصحيح.

 

هنيئًا لكل مسلم ومسلمة حتى لو فيه حلقة مفقودة فيما بيننا؛ لأنه فخر لنا أننا ننتمي للإسلام، فالفطرة الإنسانية تميل إلى المستلذات في تذوق نكهة الانتماء لهذا الدين ونبذ المتفرقات.. والأصل هو العودة إلى تعاليم ديننا الحنيف وبالفهم الصحيح والتطبيق الجيد؛ لتكتمل وحدة المسلمين، بشرط أن نتوحد فيما بيننا لتكتمل سلسلة الأخوَّة الإسلامية بعد أن تأخذ الحلقة المفقودة مكانها من الفراغ الروحي والعقائدي والفكري.

 


[1] الشيخ صالح الفوزان: عقيدة التوحيد.




أضافة تعليق