مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/04 11:35
خيبات العولمة رؤية نقدية
وجدت هذا الكتاب في جناح وكالة النشر  و الإشهار الجزائرية، في الطبعة السابعة عشر لمعرض الكتاب الدولي بالجزائر العاصمة، و قد طُبع بالاشتراك مع دار نشر الفارابي اللبنانية. حاز الكاتب الأمريكي جوزيف أ. ستيلغيتز  على جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2001، وقد عمل في البيت الأبيض خبير في لجنة المستشارين الاقتصاديين للرئيس  بيل كلينتون، و كنائب أول لرئيس البنك الدولي، متزعما مجموعة كبار الاقتصاديين في هذه المؤسسة النقدية الدولية.
شدني العنوان، خاصة أنني أولي اهتماما خاصا بالاقتصاد، نحن نعلم مدى إرتباط السياسة به، فساذج من يعتقد بأن عالم السياسة و الاقتصاد منفصلين.
أعجبت بمقدمة الكتاب، فقد إستهلها الكاتب برأيه القيم في الدوافع التي قادته إلى كتابة هذا العمل؛ وعَرض إلى مساوئ النظام الذي خلفته عولمة لم نستعمل معها الوسائل الصحيحة للتوصل إلى نتائج مرضية؛ وقد وجّه نقدا بناءا مرفوقا بتحليل و أمثلة واقعية عن عمل و تدخلات صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و مجموعة السبعة سابقا، و الثمانية لاحقا.
لا يخفي على القارئ الكريم، أننا في عالم متدافع من الصعب على الدول النامية أن تفرض صوتها، ولكن باعتراف الخبير الاقتصادي الأمريكي، استطاعت الجماهير المتظاهرة في الدول المتطورة أن تغيّر حسابات الكبار، و الوصفة الوحيدة لمعالجة الأزمات التي تمسك بها طويلا الصندوق النقد الدولي، لم تعد تجدي نفعا.
فماذا نقول اليوم و العالم يعيش على وقع الانتفاضات الشعبية هنا و هناك؟ و قد إرتقى كتاب "خيبات العولمة" إلى توقعات الخبراء المنصفين، فهو عبر عدة فصول قدّم تحليلا منهجياً للأزمات الاقتصادية المتوالية وسوء إدارتها، وها هي بعض العناوين الدالة على المحتوى : وعد المؤسسات الدولية، وعود بلا وفاء، حرية الاختيار؟ الأزمة الآسيوية،من أضاع روسيا؟، القوانين غير العادلة للتجارة"العادلة"، سبل أفضل إلى السوق، البرنامج الآخر لصندوق النقد الدولي، و عناوين فرعية عديدة.
بعيدا عن التجريح و لغة الكيد، نهج ستيلغيز لغة موضوعية ليظهر عيوب وأخطاء صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، و منظمة التجارة العالمية، و أكد تخوفات الجميع عندما قال بأن ص.ن.د خادم أمين للدوائر المالية الخاصة أكثر منه هيئة تعمل على حل الأزمات الاقتصادية! فهو لم يجانب الحقيقة حينما إنتقد احتكار دولة واحدة عبر وزير خزانتها -أمريكا المعنية- حق الفيتو  في مؤسسة مالية بضخامة و أهمية صندوق النقد الدولي.
القارئ للكتاب سيفهم ميكانيزمات الاقتصاد الدولي، وسيعجب لمدى ترابط مصالح الدول فيما بينها، 
فيكفى أن يقع ركود في دولة معينة لتتأثر جاراتها من جراء ذلك. فكبار المسؤولين في كل دولة عليهم بالموازنة بين نسبة التضخم و العجز و هامش استقرار مستوى المعيشة، مع ضغط الديون و الفائدة الاسم المجمل للرّبا. وقلما يُعتَنى بفئة الفقراء عندما تندلع الأزمات، وقد استشهد الكاتب بأزمات آسيا 1997-1998، و أزمة روسيا، و الأرجنتين، فالذي يدفع ثمن سوء إدارة المسؤولين هم طبعا الفقراء!
و إدارة ص.ن.د للوضع الكارثي في 97 في آسيا، خاصة في تايلاند، كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، فاقمت في الأزمة عوض معالجتها، فمن أجل خفض التضخم لم يعبأ خبراء الصندوق بضرورة مراعاة ظروف الفئات الهشة في المجتمعات الآسيوية، وقد طالبوا برفع معدلات الفائدة عاليا، تخفيض في النفقات، و زيادة في الضرائب، مع إحداث إصلاحات بنيوية في الاقتصاد، و الرضوخ لمثل هذه الشروط كان يعني للكثير من الدول تنازلا عن السيادة. والمحيّر أن الاتهامات بالفساد التي طالت الدول الآسيوية من طرف  ص.ن.د، جاءت بعد زمن طويل من بلوغها مرحلة الرفاه، كيف يقدر لدولة أن تكون فاسدة و هي قد ارتقت إلى مصاف الدول المتطورة، و أما المشاكل الاقتصادية التي تطرأ من حين إلى آخر، فهي من صميم النظام الرأسمالي الذي يعرف دورات انكماش من حين إلى آخر.
فالأزمة التي ضربت كوريا الجنوبية كانت نتيجة إشاعة حول عدم قدرة الشركات الكورية الجنوبية من تجديد عادي للقروض، لأنها لا تحوز على الاحتياطيات اللازمة للتسديد، و أما في المثال التايلاندي، فقد كانت المضاربة وراء التأزم، وكما جاء على لسان جوزيف أوجين ستلينغيز " لقد نشبت الأزمة هنا على إثر هجمة مضاربة (و استدانة قصيرة الأجل  و مرتفعة)"؛ حينما يعتبر المضاربون أن البلد يوشك أن يخفض قيمة عملته يسارعون إلى إبدال هذه العملة بالدولار، و سياسة الإنقاذ التي يمارسها ص.ن.د من باب فرض شروط تعجيزية "نمدكم بالأموال شريطة تحرير الرساميل، تخفيض نسبة التضخم، ورفع مستوى الفائدة!"، فالذي يهم في كل الأحوال، إعادة الأموال للدائنين عوض السهر للحفاظ على أداء مقبول للاقتصاد المأزوم.
فأن يقول الكاتب :" إن التغيير الأكثر جوهرية، الذي يفرض نفسه لكي تعمل العولمة كما يجب أن تعمل، هو تغيير نمط حكمها. يجب تبديل نظام حقوق التصويت في ص.ن.د و في منظمة التجارة الدولية، كما يجب إصلاح مجمل المؤسسات الاقتصادية الدولية كي لا يكون وزراء التجارة و حدهم أصحاب الكلمة في م . ت. ع، و لا وزراء المالية و الخزانة وحدهم أصحاب الصوت المسموع في ص ن د و في البنك الدولي". و هذا معقول جدا، خاصة أننا كدول في طور النمو حرمنا من حق الاختيار، بل أحيانا تفرض علينا خيارات تكون قد رفضتها الولايات المتحدة الأمريكية!

"إن مهمة البنك الدولي الرئيسية هي اجتثاث الفقر، عن طريق تقديم معونة إنسانية في حال نشوب أزمة، عن طريق إعطاء البلدان القدرة على التطور و على اكتساب استقلال وطيد".
"إن العولمة، بتنميتها الترابط بين  شعوب العالم، قد عززت ضرورة قيام عمل جماعي عالمي، وأهمية وجود أموال عامة عالمية. لقد قلت أنه يجب أن تتغير الذهنية، لكن، لكي نفهم ذهنية مؤسسة ما، يجب أن نسأل أنفسنا عن الجهة التي هي مسؤولة أمامها، عمن يتمتع بحق التصويت-هذا مهم- ومن الذي يجلس حول المائدة، ولو بحق تصويت محدود -وهذا مهم أيضا-. سنعلم حينئذ ما هي الأصوات التي تسمع هناك".
وكي تكون لدينا أصوات حول موائد البنك الدولي وص ن د علينا بالضغط أولا على دولنا، واستجماع قوانا في تجمعاتنا الإقليمية، نحن نرى تنامي دور تجمع شنغهاي وميركوسور، فما الذي يمنع دول إفريقيا من أن يكون لها دور أكبر خاصة و أنها تحوي معظم المواد الأولى التي يحتاجها العالم المتطور في دورته الحضارية الحالية، لماذا لا نستغل الظرف العالمي القائم، ودول مثل أمريكا و جنوب أوروبا ترزح تحت ثقل الديون و الانكماش والعجز؟
مباشرة بعد أزمة وول ستريت في سبتمبر 2008 تنبأ خبراء اقتصاد، أن كثيرة هي الدول في طور النمو التي ستعرف عدم استقرار و اضطرابات اجتماعية كبيرة، وما نراه اليوم في فرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، وبريطانيا إلا بدايات تحوّل ما يسمى العالم الحر إلى منطقة نزاعات اجتماعية، و عدم استقرار سياسي، هذا ما يجعل جبهة الرفض التي تمثلها قطاعات واسعة من الشعوب الغربية كانت متحزبة أم لا ستنزل بثقلها في الاجتماعات، وخطط الكبار والمقاومة التي أظهرها ص.ن.د والبنك الدولي في وجه الأفكار الجديدة، خاصة تلك المبادرات الآتية من دول توصف بالضعيفة، لم تعد تجدي نفعا في توقيت زمني دقيق جدا. فالأموال التي تحتاجها اقتصادات الدول في أوروبا وغير أوروبا مصدرها دول في حالة صعود، من البرازيل إلى الهند والصين. شيئا فشيئا يبرز إلى العيان نظام جديد قائم على تعديل صحيح لميزان القوى، فالقرارات ينبغي أن تكون ثمرة تشاور ومشاركة المعنيين بمختلف أوزانهم، و وصفات العلاج يتم صياغتها بالأخذ بعين الاعتبار اعتراضات البعض، و اقتراحات البعض الآخر، و احترام خصوصية اقتصاد كل دولة على حدى، فكما لاحظ جوزيف ستيغليتز، تختلف البنى الاقتصادية من منطقة إلى أخرى، فالشركات الآسيوية مثلا شديدة الاستدانة،  والشركات الأمريكية اللاتينية قليلة الاستدانة. ونظام العمل في ألمانيا ليس هو في اليونان، و إن عمل اليونانيين ساعات أكثر من الألمان.
متى يدرك صانعي القرار الغربيين أن صفحة سيطرتهم طويت، و أنه ليس بمقدورهم بعد الأزمة الأخيرة أن يستفردوا بالحكم دون إشراك نظراءهم من الدول النامية. لكل أزمة منافعها و دروسها، فدول مثل الهند والبرازيل بعيدة جغرافيا عن بعضها البعض لكنها عرفت مشوار تنموي طويل و صعب، والذي يجمعها اليوم أقوى مما يجمع دولتين مثل فرنسا وألمانيا.
جوزيف إ. ستيلغيتز في نهاية الكتاب طالب بأنسنة العولمة، وعلى الكبار أن يقوموا بنفس التنازلات التي يفرضونها على الدول الصغيرة الضعيفة، وكما قال :" يجب إنتاج سياسات تنمية مستديمة و ديمقراطية، فهذه هي علة وجود التنمية، فالتنمية ليست مساعدة حفنة من الأشخاص على الإثراء، و لا خلق حفنة من الصناعات المتمتعة بحماية عبثية لا تفيد سوى النخب في البلاد. و التنمية ليست جلب برادا وبنيتون إلى الأغنياء في المدن، وترك فقراء الأرياف غارقين في البؤس. التنمية هي تحويل المجتمع، هي تحسين حياة الفقراء، هي إتاحة فرصة النجاح أمام كل فرد، وهي الحصول على الخدمات الصحية والتربوية".
أما نحن فالتنمية تعني لنا، صفر ديون، اكتفاء ذاتي غذائي وصناعي، اعتماد قدراتنا الذاتية في الابتكار و الاختراع، تحقيق الكفاف دون وجود فقر مدقع أو ثراء فاحش.
خيبات العولمة المؤلف جوزيف إ. ستيغليتز ترجمة ميشال كرم،تدقيق د. غاز برو دار النشر وكالة النشر و الإشهار الجزائرية بالاشتراك مع دار الفارابي اللبنانية،  يقع الكتاب في 348 صفحة، الطبعة الأولى عام 2003.
أضافة تعليق