مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/03/31 12:32
حكم روبرت فيسك

قبل ثورات 2010 و 2011 ، كنت أتصفح موقعا إسلاميا علي الأنترنت فإذا بي أعثر علي مقالة لحسن شعيب بعنوان :  "روبرت فيسك : العالم العربي يعيش في القرون الوسطي". فقرأت متسائلة ما الذي يحمل صحافي محقق بريطاني مشهور مثل فيسك علي قول مثل هذا الكلام ؟ فجائتني الأجوبة علي لسانه:  " لقد شاهدت أكثر من ذلك بكثير عندما جئت إلى الشرق الأوسط لأول مرة عام 1976 كان مزدحما للغاية، فكانت شوارع القاهرة مليئة بالدخان، شوارعها مكتظة ليلاً و نهارًا، و يعيش ما يقرب من مليون شخص في المقابر العثمانية الكبيرة. لقد وجدت بيوت العرب نظيفة للغاية لكن شوارعهم ليست كذلك".

 "لقد إعتقدت أن تكون المشكلة الحقيقية في العقل العربي، فهم لا يشعرون ببلادهم. لقد قبلوا بفقدان الحماسة للوحدة العربية و الوطنية باستمرار و شعرت أنهم افتقدوا الإحساس بالانتماء لأوطانهم و الأهم من ذلك أنهم غير قادرين على اختيار نوابا حقيقيين لهم خارج القبيلة أو الطائفية و أن قانون الطوارئ جعل من الحركات و الجماعات الأكثر شعبية محظورة و إرهابية و انتشر بين العالم العربي مفهوم إلقاء المسئولية على الآخر فيما يعانوه من التخلف". 

سبحان الله رددت في نفسي و أنا أقرأ هذه السطور" الرجل الإفرنجي النصراني العلماني الآت من جزيرة الضباب في أول لقاء له مع الشرق الإسلامي إستطاع أن يضع مباشرة الإصبع علي الجرح و نحن نعيش في أرضنا و عالمنا من آلاف السنين و لم يحرك لنا ساكنا وضعنا المزري، أي مصيبة هذه يا رب ؟ " تذكرت و أنا أتابع كلامه، إنطباعاتي أنا الشخصية في اليوم الذي عدت فيه من آسيا من أندونيسيا تحديدا. قد كنت آتية من قارة و من منطقة تعج بالحركة و  حب الإبداع في هدوء بلا ضجيج و إلي نوع من الحياة الذكية المتوثبة إلي الأفضل و إذا بي و أنا أنزل علي أرض الجزائر، ألاحظ أن الناس مصابون بنوع من البلادة سامحوا التعبير و أن آخر ما يفكرون به هو عزة بلدهم و نهضته و عزة دينهم و الإنتصار إليه و بمجرد ما حاولت أن أعرف الأسباب الكامنة وراء هذا الجمود و التخاذل واجهت هجوما فوضويا من الكثير من الناس ممن إتهموني بأنني لا أعرف شيء عن الواقع المرير و عن الفساد و الرشوة المنتعشين في بلد لا يعرف حرية سياسية و لا حياة ثقافية مفعمة بالأمل و الذوق الجميل و السليم و عندما طرحت سؤالي لهؤلاء منذ أكثر من ثلاثين سنة :

- طيب البلد فيه رشوة و فساد، علي كل حال في آسيا نفس الشيء و لكن ما أنتم فاعلون و الحال علي ما هو عليه ؟ رد علي أحدهم :

- و ماذا بمقدورنا أن نفعل ؟ الله غالب فلا قوة لنا و لا قدرة.

أتذكر ردة فعلي العنيفة علي هذا الرد التواكلي الإنهزامي، إستشطت غضبا و نسيت نفسي و رفعت صوتي إلي أقصاه :

- أهذا ما قاله سيدنا أبو بكر و سيدنا علي و السيدة خديجة رضوان الله عليهم  لمحمد صلوات الله عليه و سلم حينما حمل لهم الدين الخاتم و المشروع الذي يحمله هذا الدين للمجتمع الإنساني ؟ قبح الله وجوهكم و عقولكم و هل بهذا الكلام تحررت الجزائر من 132 سنة من الإحتلال ؟ هل قال الشهداء هذا الكلام لزعماء الثورة ؟ محكوم عليكم بدوركم أن تغيروا ما بأنفسكم ليغير الله ما بكم، من يدفع الرشوة المواطن البسيط و ليس الوزير! فليمتنع المواطن من دفع الرشوة لهذا و ذاك و سترون مصير الرشوة و المرتشين. كفوا عن الغيبة و النميمة و سترون كيف ستصح العلاقات الإجتماعية و الإنسانية، إتقنوا عملكم و سترون كيف ستصبح الخدمات العامة تعمل ليل نهار بدون إنقطاع. يا ناس إن لم تبادروا بإنقاذ أنفسكم بأنفسكم لن ينقذكم أحدا و لا تلقوا بالمسؤولية علي الآخرين متهمين إياهم بأنهم يتحملون تبعات ما أنتم عليه من تخلف و من إنحطاط!"

طبعا ذهب كلامي أدراج الرياح. و مرت السنين و حال الجزائر من سيء إلي أسوأ و هذا كله من جراء ماذا ؟ من جراء ما قاله روبرت فيسك أن الناس أصبحوا لا يشعرون أنهم معنيين بنهضتهم و بوحدتهم، فهم يعيشون حياة بهائمية من أكل و ملبس و خلفة و أحيانا لا يلبون بعض هذه الإحتياجات و العجيب أن لا أحد منهم فكر جديا في أن يبدأ بالتغيير لعل و عسي يوفقه الله، تري لماذا ؟ ربما يجيبنا روبرت فيسك بقوله : " من فقد الأمل في حياة كريمة و في مصير سيد، فهو شخص يائس و مجموعة اليائسين لا خير كبير ينتظر منها." صحيح يئس الكثيرون في الجزائر و في غير الجزائر و هذا ما يقودني إلي القول بأن اليائس ليس مسلما و لا مؤمنا. إذن عدد المسلمين المؤمنين بيننا في تناقص كبير، كم هي مرعبة هذه الحقيقة !

 

 

أضافة تعليق