بسم الله الرحمن الرحيم
حوار شرق غرب
رشا أوشكين
"عندما صعدت رشا أوشكين القطار السريع الذى سيحملها من أقصي نقطة فى غرب روسيا الإتحادية الى أقصى نقطة فى شرق روسيا الفيدرالية كان ذهنها مشغولا بأمر مثل لها مصدر قلق دائم فى الشهور الاخيرة. لهذا لم تبدى كبير إهتمام بما حولها، فى الرواق الضيق للقطار إلتقت بمراقب، الذى سارع فى ارشادها الى العربة التى حجزت فيها مكانها. دخلت الى الحجيرة و جلست، واضعة الى جنبها حقيبتها الجلدية، و صرفت عينيها الى النافذة متابعة ما كان يجرى على الرصيف دون تركيز. لم تكن وحيدة فى الحجيرة، فقد كان شخصا آخر يشاركها إياها إلا انها لم تنتبه اليه و أخفت انزعاجها من وجوده. فكإمرأة مسلمة ترفض أن تسافر رفقة رجل غريب فى القطار إلا أنها فى روسيا و لا يحق لها ان تطلب الالتزام بمبادىء الاسلام من دولة علمانية.
فهى ذاهبة الى سانت بتسبورغ للقاء زوجها ميخائيل أوشكين السجين السياسى المسلم الروسى المعارض و الذى أطلق سراحه بعد مساعى دامت تسعة سنوات قامت بها هى و مجموعة من الأطراف المسلمة الروسية و الغير الروسية و من العاصمة القيصرية ستأخذ زوجها و تسافر الى عاصمة ماليزيا كوالا لمبور ليشاركا فى ملتقى منظمات الجاليات المسلمة فى الدول ذات الغالبية الغير المسلمة.
و قد كافحت عاما كاملا لتحصل على إذن مشاركة ميخائيل لفعاليات هذا المؤتمر و قد تعهدت للمسؤول القضائى الروسى الكسندر ستوف بجين:
- إن مشاركة زوجى لن تكتسى طابع سياسى هذا كل ما أستطيع أن أعدك به سيدى.
- و أنا سأصدقك، إننى أعلم أنك لن ترغبى فى رؤية ميخائيل أوشكين ثانية وراء القضبان و لعله هو الآخر اعتبر من تجربته المريرة. أجابها ستوف.
و ها هى بعد ثلاثة أيام ستلقي أخيرا ميخائيل بعد ما حرمت من رؤيته و العيش معه لمدة تناهز التسعة السنوات. و ها هي أيضا فى طريقها الى رجل يوم تزوجها كان فى القوقاز بأحد مواقع آبار البترول التى عمل بها كمهندس و لم يجد فرصة للحاق بها فتزوجها غيابيا و أرسل لها تذكرة قطار لتلحق به فى قاعدة عمله."
إستعنت بهذا المقطع من مقدمة روايتي حوار شرق غرب رشا أوشكين لسبب بسيط، أنني بقدر ما أعترف للرئيس فلادمير بوتين شجاعته في فتح المجال للمسلمين الروس للعيش وفق قيمهم دون القهر الممارس طيلة 70 سنة من حكم إرهاب الشيوعية و إجرامها و قبضتها الحديدية علي رقاب المسلمين بقدر ما يهمني أن ألفت إنتباه القاريء الكريم أن ليس كل شيء وردي في روسيا الفيدرالية.
لدي علاقة ممتازة مع الديبلوماسيين الروس في بلدي، و هم أثبتوا لي مرات عديدة عبر تعاملهم معي علي إحترامهم الشديد لديني، بل ما يحز في القلب أن بعض الديبلوماسيين الروس يحترمون ديني أكثر مما يحترمه بعض المسؤولين الجزائريين.
و ما أريد مناقشته عبر هذه المقالة بعض النقاط الهامة في علاقتنا كمسلمين مع روسيا :
من الحيوي أن نتحدث لغة السلم و العقل مع الكرملين.
من الحيوي أن نصدق مع أنفسنا في تعاملنا مع الكرملين، فلادمير بوتين ليس جوزيف ستالين.
و المؤسسة السياسية الروسية ليست المؤسسة السياسية الأمريكية.
من الحيوي ان نفهم بان الإسلام في روسيا له مستقبل زاهر ما دمنا نحترم الحدود التاريخية و الجغرافية لوجود المسلمين هناك، فبحسب الرئيس بوتين من حق المسلمة ان ترتدي الحجاب في الأراضي الروسية المسلمة أصلا و لا يحق لها أن تلبسه في الأراضي الروسية المسيحية أصلا.
نري التمييز في نظرة الرئيس الروسي، الروسي المسلم هو روسي قبل أن يكون مسلما من وجهة نظر الكرملين، لهذا يبدو عجيب خطاب بوتين لليمينيين الروس و هم يمثلون الجناح المؤيد لإنفصال بلاد القوقاز عن بقية روسيا البيضاء:
" من يطالب بإنفصال بلاد القوقاز عن روسيا كأنه يريد إنفصال الروح عن الجسد، فالإسلام جزأ من ذاتنا كروس مثله مثل المسيحية، هذا و أمننا من يضمنه هي بلاد القوقاز الحاجز الطبيعي بيننا و بين بقية العالم و لا سبيل لنا لترك المسلمين لقمة سائغة في فم الغول الأمريكي كما وقع لقرقيزستان..."
نحن حينما نتعامل مع روسيا علينا ان نضع في حساباتنا عوامل نغيبها في تعاملنا مع أمريكا مثلا ، في روسيا الكنيسة الأرثودكسية لها وزن و ثقل و صوتها مسموع، حينما وبخ أحد أساقفة روسيا النساء الروسيات علي قلة حشمتهن في اللباس و أوجب عليهن ستر أنفسهن لم يتجرأ الرئيس مدفيدف و لا وزيره الأول بوتين علي قول كلمة واحدة ناحية الكنيسة الأرثودكسية، فالكرملين يعترف للكنسية بسلطة السماء و يعتبر نفسه يملك سلطة الأرض.
في روسيا الحرية محدودة وفق تقييم الكنيسة و ليست حرية لامحدودة كما هو الحال في أمريكا و الغرب بشكل عام.
في روسيا لازال المجتمع ذكوري بإمتياز بمعني أننا لا نري مثلا وجود للمرأة في الحملات الإنتخابية إلي جنب زوجها المترشح و إعلان طلاق رئيس بوتين وقع بشكل محتشم عند خروجه من عرض مسرحي مع طليقته.
فالمرأة في روسيا و برغم فلسفة المساواة المطلقة التي رسخها حكم الإلحاد لازالت تمثل بالنسبة للنخبة الدينية و السياسية المرأة بالمفهوم الطبيعي و الروحي المعهود في العهود القديمة.
هذا و الدين بات يلعب دور هام جدا في حياة المواطنين و المسؤولين، فالرئيس فلادمير بويتن رجل ملتزم بتعاليم المسيحية الأرثودكسية، و المفارقة العجيبة الأخري و قد باح لي بها ديبلوماسي روسي ان القرآن الكريم يعلم في الجيش الروسي و هذا وفق تفسير قاموا به بحسب زماننا الحاضر و المستقبل.
بينما نحن لا زلنا نستند في حالات معينة إلي تفاسير القرآن الكريم التي يكون قد تجاوز عمرها مئتين سنة. و بشهادة الكثيرين و علي رأسهم أحد حكام تتارستان السابقين الذي صرح :
" سعداء بهذا العصر الذي نستطيع ان نمارس فيه شعائرنا الإسلامية دون خوف".
أن يخصص الرئيس بوتين منحة مجانية ليتعلم الطالب الروسي المسلم بحسب قوله :
ان دين الإسلام دين سلم و محبة و بإتقانه للعربية سيعرف ذلك عند قراءته للقرآن الكريم."
فهذا قليل من كثير عن روسيا و علاقتها بالدين و الإسلام، فموقف المعارضة السورية مثلا تعامل مع الكرملين منذ بدأ الإنتفاضة السورية السلمية في بداياتها بشكل إنفعالي لا يليق بمعارضين سوريين مسؤولين عن مستقبل إستقرار كل الشام في القريب إن شاء الله.
تعاطي روسيا مع الإسلام مبني علي نبذ لغة الجهاد التي يعلنها بعض المتشددين في عرفها و تحبيذ لغة العقل و الحوار الحضاري و لنا أن نبتعد عن الحكم عليها بناءا علي ملفات البوسنة الهرسك و شيشينا، فما لا ينبغي أن يغيب عنا أن الكنيسة الأرثودكسية و برغم لغة التسامح مع الإسلام في عقر دارها لن تقبل أبدا بخسارة أي شبر من أرض أوروبية أرثودكسية.
و هذا لا يعني أن نسكت عن الحق، أسابيع قبل قرار الإنسحاب الروسي من سوريا، إتصلت بالسفارة الروسية في الجزائر و طلبت الحديث مع المستشار الأول في السفارة، كان غائبا فأعطوني كاتب السفير الروسي في الجزائر، فكان رده علي :
-هل أعطيك سعادة السفير سيدة عنيبة ؟
قلت له :
-لا، إنما بلغه ما يلي.
-تفضلي سيدة عنيبة، أستمع إليك.
-اتفهم توجس الكرملين من داعش و اتفهم مطالبة موسكو بحل سياسي سلمي في سوريا لكن لا بد أن تفهم رئاسة الجمهورية الروسية ما يلي :
ما نعيشه في سوريا إفلاس نظام الحكم العربي لماذا عليكم أن تدفعوا ثمن هذا الإفلاس أنتم أو الأمريكيين ؟ و مهما تدعون أن الطائرات الروسية تضرب رجال داعش فليس بإمكانكم إنكار هذه الحقيقة أن هذه الضربات الجوية تتسبب في خسائر جانبية و هي أرواح بشر، فرجاءا فكروا في المستقبل و لا تنظروا إلي الوضع كما هو الآن فنحن نريد لروسيا دور أفضل مما هي عليه الآن و انقل تحياتي لسعادة السفير.
-سأفعل و سأبلغه برسالتك الشفوية و أبقي علي إتصال معنا سيدة عنيبة.
هل إنسحب جيش طيران روسيا كليا من سوريا ؟
لا ادري فانا مواطنة جزائرية بسيطة أعيش في بلدي الجزائر و لا أملك المعطيات اللازمة لأجزم بذلك.
هل كان بإمكان لموسكو أو واشنطن التدخل و نحن علي هذا الضعف و الهوان و التشتت و كل واحد يقول أنا و بعدي الطوفان ؟
بربكم، كيف يرحمكم الجيش الروسي أو الأمريكي و ما تفعله الأنظمة العربية بمواطنيها يندي له الجبين ؟
فنحن فعلنا بأنفسنا ما لم يفعله بنا العدو، فكيف نغضب و نزمجر في وجه الأمريكي و الروسي ؟
كنا نخبا، علماء دين سياسيين مفكرين مواطنين فنحن فشلنا فشل ذريع في حقن دماء المسلمين. فمن يحاصر أهل غزة هم مسلمون و من يحاصر أهل الفلوجة هم مسلمون و من يحاصر المصريين لإنتخابهم الرئيس مرسي هم مسلمون و من يعذب و يسجن و يكابر و يحرض علي أعراض و حمي المسجد الأقصي هم مسلمون ثم نأتي و نعلن الجهاد علي موسكو و واشنطن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أفيقوا يا مسلموا هذا العصر و يا خبراء و محللون من كل لون و دعوة و شعار و حزب و هوي، أفيقوا لن يهزم العدو إلا بعد ما تهزموا أناكم الأمارة بالسوء المتضخمة، لن يحترمكم العدو و أنتم تهرعون يمنة و شمالا موسكو و واشنطن لإهداء القرابين طمعا في حماية عروش آيلة إلي الزوال و هذا مهما طال زمن القهر.
يفكر السياسي الروسي بذهنية المستخلف في الأرض، فهو يعتبر جنسه و دينه الأرقي بمقتضي أنه يتمتع برؤية دينية تؤكد له أنه من أتباع المسيح العائد إلي الأرض ليملأها عدلا، و أما الأمريكي فنظرته تكتسي رؤية الأباء المؤسسين الذين جاؤوا يعمروا أرض الهنود الحمر بدعوي أنهم الأقدر علي قيادة الإنسانية و هم علي هذه القناعة الراسخة مصرون
حوار شرق غرب
رشا أوشكين
"عندما صعدت رشا أوشكين القطار السريع الذى سيحملها من أقصي نقطة فى غرب روسيا الإتحادية الى أقصى نقطة فى شرق روسيا الفيدرالية كان ذهنها مشغولا بأمر مثل لها مصدر قلق دائم فى الشهور الاخيرة. لهذا لم تبدى كبير إهتمام بما حولها، فى الرواق الضيق للقطار إلتقت بمراقب، الذى سارع فى ارشادها الى العربة التى حجزت فيها مكانها. دخلت الى الحجيرة و جلست، واضعة الى جنبها حقيبتها الجلدية، و صرفت عينيها الى النافذة متابعة ما كان يجرى على الرصيف دون تركيز. لم تكن وحيدة فى الحجيرة، فقد كان شخصا آخر يشاركها إياها إلا انها لم تنتبه اليه و أخفت انزعاجها من وجوده. فكإمرأة مسلمة ترفض أن تسافر رفقة رجل غريب فى القطار إلا أنها فى روسيا و لا يحق لها ان تطلب الالتزام بمبادىء الاسلام من دولة علمانية.
فهى ذاهبة الى سانت بتسبورغ للقاء زوجها ميخائيل أوشكين السجين السياسى المسلم الروسى المعارض و الذى أطلق سراحه بعد مساعى دامت تسعة سنوات قامت بها هى و مجموعة من الأطراف المسلمة الروسية و الغير الروسية و من العاصمة القيصرية ستأخذ زوجها و تسافر الى عاصمة ماليزيا كوالا لمبور ليشاركا فى ملتقى منظمات الجاليات المسلمة فى الدول ذات الغالبية الغير المسلمة.
و قد كافحت عاما كاملا لتحصل على إذن مشاركة ميخائيل لفعاليات هذا المؤتمر و قد تعهدت للمسؤول القضائى الروسى الكسندر ستوف بجين:
- إن مشاركة زوجى لن تكتسى طابع سياسى هذا كل ما أستطيع أن أعدك به سيدى.
- و أنا سأصدقك، إننى أعلم أنك لن ترغبى فى رؤية ميخائيل أوشكين ثانية وراء القضبان و لعله هو الآخر اعتبر من تجربته المريرة. أجابها ستوف.
و ها هى بعد ثلاثة أيام ستلقي أخيرا ميخائيل بعد ما حرمت من رؤيته و العيش معه لمدة تناهز التسعة السنوات. و ها هي أيضا فى طريقها الى رجل يوم تزوجها كان فى القوقاز بأحد مواقع آبار البترول التى عمل بها كمهندس و لم يجد فرصة للحاق بها فتزوجها غيابيا و أرسل لها تذكرة قطار لتلحق به فى قاعدة عمله."
إستعنت بهذا المقطع من مقدمة روايتي حوار شرق غرب رشا أوشكين لسبب بسيط، أنني بقدر ما أعترف للرئيس فلادمير بوتين شجاعته في فتح المجال للمسلمين الروس للعيش وفق قيمهم دون القهر الممارس طيلة 70 سنة من حكم إرهاب الشيوعية و إجرامها و قبضتها الحديدية علي رقاب المسلمين بقدر ما يهمني أن ألفت إنتباه القاريء الكريم أن ليس كل شيء وردي في روسيا الفيدرالية.
لدي علاقة ممتازة مع الديبلوماسيين الروس في بلدي، و هم أثبتوا لي مرات عديدة عبر تعاملهم معي علي إحترامهم الشديد لديني، بل ما يحز في القلب أن بعض الديبلوماسيين الروس يحترمون ديني أكثر مما يحترمه بعض المسؤولين الجزائريين.
و ما أريد مناقشته عبر هذه المقالة بعض النقاط الهامة في علاقتنا كمسلمين مع روسيا :
من الحيوي أن نتحدث لغة السلم و العقل مع الكرملين.
من الحيوي أن نصدق مع أنفسنا في تعاملنا مع الكرملين، فلادمير بوتين ليس جوزيف ستالين.
و المؤسسة السياسية الروسية ليست المؤسسة السياسية الأمريكية.
من الحيوي ان نفهم بان الإسلام في روسيا له مستقبل زاهر ما دمنا نحترم الحدود التاريخية و الجغرافية لوجود المسلمين هناك، فبحسب الرئيس بوتين من حق المسلمة ان ترتدي الحجاب في الأراضي الروسية المسلمة أصلا و لا يحق لها أن تلبسه في الأراضي الروسية المسيحية أصلا.
نري التمييز في نظرة الرئيس الروسي، الروسي المسلم هو روسي قبل أن يكون مسلما من وجهة نظر الكرملين، لهذا يبدو عجيب خطاب بوتين لليمينيين الروس و هم يمثلون الجناح المؤيد لإنفصال بلاد القوقاز عن بقية روسيا البيضاء:
" من يطالب بإنفصال بلاد القوقاز عن روسيا كأنه يريد إنفصال الروح عن الجسد، فالإسلام جزأ من ذاتنا كروس مثله مثل المسيحية، هذا و أمننا من يضمنه هي بلاد القوقاز الحاجز الطبيعي بيننا و بين بقية العالم و لا سبيل لنا لترك المسلمين لقمة سائغة في فم الغول الأمريكي كما وقع لقرقيزستان..."
نحن حينما نتعامل مع روسيا علينا ان نضع في حساباتنا عوامل نغيبها في تعاملنا مع أمريكا مثلا ، في روسيا الكنيسة الأرثودكسية لها وزن و ثقل و صوتها مسموع، حينما وبخ أحد أساقفة روسيا النساء الروسيات علي قلة حشمتهن في اللباس و أوجب عليهن ستر أنفسهن لم يتجرأ الرئيس مدفيدف و لا وزيره الأول بوتين علي قول كلمة واحدة ناحية الكنيسة الأرثودكسية، فالكرملين يعترف للكنسية بسلطة السماء و يعتبر نفسه يملك سلطة الأرض.
في روسيا الحرية محدودة وفق تقييم الكنيسة و ليست حرية لامحدودة كما هو الحال في أمريكا و الغرب بشكل عام.
في روسيا لازال المجتمع ذكوري بإمتياز بمعني أننا لا نري مثلا وجود للمرأة في الحملات الإنتخابية إلي جنب زوجها المترشح و إعلان طلاق رئيس بوتين وقع بشكل محتشم عند خروجه من عرض مسرحي مع طليقته.
فالمرأة في روسيا و برغم فلسفة المساواة المطلقة التي رسخها حكم الإلحاد لازالت تمثل بالنسبة للنخبة الدينية و السياسية المرأة بالمفهوم الطبيعي و الروحي المعهود في العهود القديمة.
هذا و الدين بات يلعب دور هام جدا في حياة المواطنين و المسؤولين، فالرئيس فلادمير بويتن رجل ملتزم بتعاليم المسيحية الأرثودكسية، و المفارقة العجيبة الأخري و قد باح لي بها ديبلوماسي روسي ان القرآن الكريم يعلم في الجيش الروسي و هذا وفق تفسير قاموا به بحسب زماننا الحاضر و المستقبل.
بينما نحن لا زلنا نستند في حالات معينة إلي تفاسير القرآن الكريم التي يكون قد تجاوز عمرها مئتين سنة. و بشهادة الكثيرين و علي رأسهم أحد حكام تتارستان السابقين الذي صرح :
" سعداء بهذا العصر الذي نستطيع ان نمارس فيه شعائرنا الإسلامية دون خوف".
أن يخصص الرئيس بوتين منحة مجانية ليتعلم الطالب الروسي المسلم بحسب قوله :
ان دين الإسلام دين سلم و محبة و بإتقانه للعربية سيعرف ذلك عند قراءته للقرآن الكريم."
فهذا قليل من كثير عن روسيا و علاقتها بالدين و الإسلام، فموقف المعارضة السورية مثلا تعامل مع الكرملين منذ بدأ الإنتفاضة السورية السلمية في بداياتها بشكل إنفعالي لا يليق بمعارضين سوريين مسؤولين عن مستقبل إستقرار كل الشام في القريب إن شاء الله.
تعاطي روسيا مع الإسلام مبني علي نبذ لغة الجهاد التي يعلنها بعض المتشددين في عرفها و تحبيذ لغة العقل و الحوار الحضاري و لنا أن نبتعد عن الحكم عليها بناءا علي ملفات البوسنة الهرسك و شيشينا، فما لا ينبغي أن يغيب عنا أن الكنيسة الأرثودكسية و برغم لغة التسامح مع الإسلام في عقر دارها لن تقبل أبدا بخسارة أي شبر من أرض أوروبية أرثودكسية.
و هذا لا يعني أن نسكت عن الحق، أسابيع قبل قرار الإنسحاب الروسي من سوريا، إتصلت بالسفارة الروسية في الجزائر و طلبت الحديث مع المستشار الأول في السفارة، كان غائبا فأعطوني كاتب السفير الروسي في الجزائر، فكان رده علي :
-هل أعطيك سعادة السفير سيدة عنيبة ؟
قلت له :
-لا، إنما بلغه ما يلي.
-تفضلي سيدة عنيبة، أستمع إليك.
-اتفهم توجس الكرملين من داعش و اتفهم مطالبة موسكو بحل سياسي سلمي في سوريا لكن لا بد أن تفهم رئاسة الجمهورية الروسية ما يلي :
ما نعيشه في سوريا إفلاس نظام الحكم العربي لماذا عليكم أن تدفعوا ثمن هذا الإفلاس أنتم أو الأمريكيين ؟ و مهما تدعون أن الطائرات الروسية تضرب رجال داعش فليس بإمكانكم إنكار هذه الحقيقة أن هذه الضربات الجوية تتسبب في خسائر جانبية و هي أرواح بشر، فرجاءا فكروا في المستقبل و لا تنظروا إلي الوضع كما هو الآن فنحن نريد لروسيا دور أفضل مما هي عليه الآن و انقل تحياتي لسعادة السفير.
-سأفعل و سأبلغه برسالتك الشفوية و أبقي علي إتصال معنا سيدة عنيبة.
هل إنسحب جيش طيران روسيا كليا من سوريا ؟
لا ادري فانا مواطنة جزائرية بسيطة أعيش في بلدي الجزائر و لا أملك المعطيات اللازمة لأجزم بذلك.
هل كان بإمكان لموسكو أو واشنطن التدخل و نحن علي هذا الضعف و الهوان و التشتت و كل واحد يقول أنا و بعدي الطوفان ؟
بربكم، كيف يرحمكم الجيش الروسي أو الأمريكي و ما تفعله الأنظمة العربية بمواطنيها يندي له الجبين ؟
فنحن فعلنا بأنفسنا ما لم يفعله بنا العدو، فكيف نغضب و نزمجر في وجه الأمريكي و الروسي ؟
كنا نخبا، علماء دين سياسيين مفكرين مواطنين فنحن فشلنا فشل ذريع في حقن دماء المسلمين. فمن يحاصر أهل غزة هم مسلمون و من يحاصر أهل الفلوجة هم مسلمون و من يحاصر المصريين لإنتخابهم الرئيس مرسي هم مسلمون و من يعذب و يسجن و يكابر و يحرض علي أعراض و حمي المسجد الأقصي هم مسلمون ثم نأتي و نعلن الجهاد علي موسكو و واشنطن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أفيقوا يا مسلموا هذا العصر و يا خبراء و محللون من كل لون و دعوة و شعار و حزب و هوي، أفيقوا لن يهزم العدو إلا بعد ما تهزموا أناكم الأمارة بالسوء المتضخمة، لن يحترمكم العدو و أنتم تهرعون يمنة و شمالا موسكو و واشنطن لإهداء القرابين طمعا في حماية عروش آيلة إلي الزوال و هذا مهما طال زمن القهر.
يفكر السياسي الروسي بذهنية المستخلف في الأرض، فهو يعتبر جنسه و دينه الأرقي بمقتضي أنه يتمتع برؤية دينية تؤكد له أنه من أتباع المسيح العائد إلي الأرض ليملأها عدلا، و أما الأمريكي فنظرته تكتسي رؤية الأباء المؤسسين الذين جاؤوا يعمروا أرض الهنود الحمر بدعوي أنهم الأقدر علي قيادة الإنسانية و هم علي هذه القناعة الراسخة مصرون