كافح، واتركني أبدع عنك
انهض مع الفجر، وصلِّ صلاة الخشوع، واستقبل بعدها يومك بكل إقبال منك على أن تلقى الصباح ترحابًا، والمساء عودة إلى حيث كان المنطلق، اترك لي المجال أجوب فيه بقلمي؛ لأني مثلك؛ أكافح، وأتعب، وأمَلُّ، لكني لا أستسلم، امنحني ثقة كبيرة أتكلم فيها بطلاقة قلبي أن ما تعبت لأجله كان بالأمس كلامًا أثار فيك شجونًا لم يكن محمود العواقب، صحيح فيه خسارة كبيرة لمن سوَّلت له نفسه أن ينتقدك، وأنت بَعْدُ برعم صغير، زرع نفسه حيث تربة العطاء كانت تمده بالحياة لوقت قصير، في حين كان يريد النمو بسرعة؛ ليحقق ذاك التألق، لكنها الضريبة من توقف كل الحسابات، وتبدُّد كل الآمال؛ لتجعل لنفسها قرارًا يتقدم قراراتك، فكنت تستسلم لتلك الضريبة الصعبة، والثقيلة على كاهلك؛ لأنك أيقنت في نفسك أنه لا بد عليك من الدفع المسبق لفاتورة الهناء والنجاح والراحة، ولكنها لوقت وجيز؛ لتستعيد فيها أنفاسًا قلَّ زفيرها في صدرك، فكان أن أبدعت لخطى قدميك اللتين جعلتني أتصور أن صعود قمتك كان يفرض عليك بُطئًا أحيانًا، وترددًا أحايين أخرى، فتابعت بإعجاب وبابتسامة الواثق فيك، أنك - بإذن الله - ستصل حيث رسمته هدفًا بعزيمتك، أو كان الدرب صعبًا، ولم تكن لك دراية مسبقة أن التلال لا يتسلقها إلا معتادو المسار الشاق؟ فانهال مني الصمت قطرات، يغسل عن نظراتي ظنون أن المراد أحيانًا يبعث على الملل، وإطلاق سراح كل طموح علِق في قلبك سنوات عديدة، فكنت أراوغ الخوف مني إلى أن التحدي يصنع لنفسه مفهومًا آخر للكفاح، في ظل جمهور من المتابعين، الذين يتمنون فشلك، وفي أقرب وقت.
أتصور حجم أن يلتقي من حواليك مطاردات تبغي لها هدفًا مصوبًا لإرادة فولاذية نسجت أوتار الإصرار لها من سكتات التحمل، فلو ظهر لي وصف جديد عن ماضيك، لكنت قد عزفت عن الإبداع عن طموحك، لكنها النتيجة التي أحسست بها بقلبي قبل أن أراها بأم عيني، وهي تتصور أمامك أملاً واعدًا، وقد تحقق.
سأحتاج أنا الأخرى إلى إقرار منك، ولو بمختزل في الكلمات؛ لأن ما مررت به قد شربت من منبعه أنا أيضًا، لكنه الفضول يتملكني في عز الكتابة لأنتقي لي أحلى الكلمات التي ترضي فيك تألقًا، وتريده بحجم مساعيك واجتهاداتك المتنوعة، ففي تفكير منك كنت تُسكت عنك ملامات المنافسين لك، ولم تنوِ أن يشاركوك في رهانك، لكنهم اقتربوا منك خُلسة؛ ليسرقوا منك كل ما تملك من إرادة، وفكرة حرف، وقلم جميل بهي الخط، فاخترت لك وجهة أخرى؛ لترتاح من تتبعهم لك، كم كنت تبدو صغيرًا في مثل هذه اللقطة، فلا أحد يرعاك، أو يخشى عليك فشلاً ورجوعًا للوراء، فكنت تبكي مرة، وتبتسم مرة أخرى، حتى إني استرسلت في شرح هذا التنوع من الأحاسيس والعواطف، فاستوعبت منك درسًا جيدًا؛ وهو أن الضريبة التي فرضت نفسها منذ البداية، قد أقحمت في حياتك أناسًا، لم تكن ترغب في التعرف عليهم؛ لأنك تعلم منذ البداية أنهم سيثبطون كل عزيمة تنوي إظهارها صوب التقدم قُدُمًا، لكنها من مكنونات ضريبة النجاح أن تقابل هذا الصنف من الناس، وتواجهه بالحقيقة مرة، وبالتستر عنها مرة أخرى، فليس لك خيار أمام هذا الواقع الذي ألِفته أنا وأنت، لكن جادت أنفسنا طيبًا في الأخير، ولله الحمد.
انسكب الخداع من مغارات التنكر، فَلُذْت إلى مسيرتك ارقب فيها تعثُّرًا، وقد رأيته، وكنت أنت - أيضًا - تريده عمدًا تعثرًا، فاخترت أن تتذوق طعم الانكسار المؤقت، فغامرت، وواجهت، وانحرف بك المسار في زاوية الصراحة، فهَطَلَ من أعالي الجبال صخرٌ صغيرٌ تدحرج على سلسلة العراقيل الكثيرة، لكنك تخطيتها بتكلفة كبيرة من صحتك وراحتك ووقتك، هو الثمن المراهن عليه منذ البداية، فاسترسل الكفاح من على القمم يهدِك ثوبًا ترتديه في نضالك، فتابعت على شغف كبير مراحل التألق، فختمت إعجابي بك، وأنا بَعْدُ أتخيل سحر الفوز، وما أحلى نكهته!
سأضطر لتنظيم صفحاتي المتناثرة هنا وهناك؛ لأختم كلامي بشكر وثناء على مرتبة التحدي منك، فكان الإبداع لائقًا بقضية التحمل منك، وأتذكر فيما إن كنت سترتاح أم ستختار لك رهانًا آخر، وعلى شاكلة أخرى من اللقاء الذي سيجمعنا قريبًا؛ أنا من على منصة التشريف، وأنت من فوق هضبة النجاح؛ ليبدو كِلانا في توافق للرأي، والنتيجة، والحكمة، ولسنا نُهدي مِفتاح اللغز فيها إلا لمن كان من نفس زُمرة التقبل مثلنا، فالمرايا الجمالية ليست دائمًا تعكس نفس الميول والمدارك النفسية، ليست دائمًا تحقق ما تريد، إلا ما كان مقدرًا لنا ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].