العنوان مقتطف من رسالة أرسلها جندي أمريكي لزوجته في أمريكا و ها هو جزأ من محتوي رسالته :
"كم أنا مشتاق إليكم ! مشتاق الى رائحة المطر و الى ملمس خدود ماركيتا، إنها بسنتيها الجديدتين أجمل، مشتاق لوجودك فأنت غائبة بالجسد حاضرة بالروح. إن هاته الحرب العجيبة لا تريد أن تنتهى، على الأرجح لايريدون لها ذلك. عزائى أننى بعد شهرين سيسمح لى بزيارتكم لمدة قصيرة، قتلت عساكر عراقيين قبل إعلان نهاية الحرب فى ماى الماضى و أرفض مجرد فكرة أن أقتل عراقيين مدنيين الآن بعد تصاعد عمليات المقاومة، حقا إيزابيلا لا أريد التفكير فى ذلك. لا أرغب، حررناهم أم لا. همي أن أقوم بواجبى و أرحل. إننا جميعا هنا و عندكم نتحرق للعودة، قرار الرحيل ليس فى أيدينا، صلوا لرجوعى حيا هذا كل ما أقدر قوله، إننى سعيد آنك وجدت منصب عمل كممرضة و أسعد ان تكون الى جنبك ثروتنا الوحيدة إبنتنا، قبيلها و ضميها و قولى لها إنه قريبا أنا من سأفعل ذلك معها..." لم يتسنى لهذا الجندى الأمريكي في العراق القيام بواجبه الأبوى لأنه ببساطة مات فى انفجار لغم غرب بغداد و عملت زوجته على نشر آخر رسالة له فى الانترنت ..."
عندما قررت في 2006 كتابة قصتي عن حرب العراق إستعنت بضابط أمريكي متقاعد و هو من قدماء حرب الفيتنام و قد عرف بنضاله ضد حروب جيشه الأمريكي و علي رأس تلك الحروب الغزو الأمريكي علي العراق، كنت في حاجة إلي وثائق و شهادات حية فراسلته علي وجل، فالرجل جد مشغول و كان عائدا لتوه من زيارة إلي العراق لينقل علي المباشر فظائع الغزو الأمريكي علي العراق و كان يستقبل الآلاف من الرسائل الإلكترونية لم أكن متأكدة من رده و ذات يوم تلقيت رده و وافاني مرتين بمعلومات جد قيمة و أشكر بالمناسبة في هذه السطور الضابط ستان غوف.
هل يعتقد القاريء المسلم الكريم أن جندي الجيش الأمريكي وحش كاسر لا أخلاق له بل هل كان يحاربنا هذا الجندي إن كان العالم الإسلامي في أوج قوته الحضارية و إزدهاره ؟
طبعا لا و كم قرأت من شهادات جنود و ضباط أمريكيين شجعان رفضوا قتل أبرياء و كم منهم من فضلوا المحاكمة من طرف سلطات بلادهم علي أن يخونوا قيمهم كبشر و أذكر نموذج ذلك الضابط الأمريكي الذي عمل بالعراق و عندما جاءه الأمر بالتوجه إلي أفغانستان للخدمة، إتصل بزوجته و أمرها بأخذ أبناءهم و مغادرة أمريكا فورا و ألتحق لاحقا بزوجته و أبناءه معلنا عصيانه لقيادته العسكرية :
"لا لا أريد أن أكون مجرما شكرا."
و أروي لكم مشهد عشته علي المباشر في نهاية خريف عام 2006 :
في 2006 كنت عضوة في وفد عربي لحوار الديانات من تنظيم معهد ميرديان الدولي و وزارة الخارجية الأمريكية و أثناء إقامتي في أمريكا ل21 يوما في إطار هذا البرنامج، زرت 5 ولايات و كنت أمضي جل وقتي مع أعضاء الوفد أتنقل من مطار إلي مطار و من طائرة إلي طائرة، نسيت في أي مطار إلتقيت بجندي أمريكي كان له رتبة ضابط، علي الأرجح في مطار شارلوتسفيل و نحن متوجهين إلي مدينة نيويورك آتين من ولاية ألاباما.
كنت جالسة في قاعة الإنتظار ثم مللت الإنتظار لمدة تناهز الساعتين، فماذا فعلت ؟
قلت للمترجمة الأمريكية من أصول تونسية أختي سارة أنني سأنفصل عن المجموعة لبعض الوقت و أنني سأعود قبل نصف ساعة من إقلاع الطائرة.
فأومأت برأسها موافقة.
إنسحبت من القاعة و ذهبت لأمشي في الأروقة العديدة من رواق إلي رواق حتي إستوقفني منظر جندي برتبة ضابط كان منتصبا أمام زجاج نافذة ضخمة ينظر إلي حركة السيارات في الخارج. فلفت إنتباهي أنه علي يميننا نري هبوط الطائرات علي المدرج و بقيت أتابع واحدة من نوع بوينغ الضخم.
فجأة سمعت صوتا أمريكيا إلي جنبي يخاطبني ب:
-سيدتي؟
فأستدرت، فإذا بالضابط الأمريكي ينظر إلي و هو يتكلم :
- أنت مؤكد عربية ؟
فأجبته محرجة:
-لا لست كذلك بل من أصول تركية أمازيغية.
-ألست مسلمة ؟ سألني مندهشا.
-بلي، قلت له.
صمت قليلا ثم قال :
-أنا متوجه اللحظة إلي العراق و كنت أنظر إلي هذه السيارات الأمريكية في الخارج و إلي طبيعة بلدي لعلي أراها للمرة الأخيرة، لا أدري إن كنت سأعود في يوم ما حيا من العراق.
لزمت الصمت، فأمره لم يكن يعنيني و هممت بالإنصراف إلا أن الضابط الأمريكي سألني :
-عجيب حال هذا العالم، لماذا أنا و انت نكره بعضنا البعض لنتواجه في العراق و في بقاع أخري ؟
فشعرت بلزومية أن أكون صريحة معه:
-شخصيا لا أكرهك سيدي فأنا لا أعرفك و لا أحكم عليك كضابط أمريكي في الجيش الأمريكي الغازي للعراق بل من اكرههم هم من تسببوا في الحرب و علي رأسهم نحن المسلمون بتفرقنا و ضعفنا و تخلينا عن قيم ديننا، وداعا.
و أبتعدت خطوات غير منتظرة ردة فعله، فإذا به يسبقني خطوات ليبتسم لي إبتسامة عريضة :
-و أنا أيضا لا أكرهك بل أثني علي إنسانيتك.
فقمت بتحيته بإشارة من يدي و عدت أدراجي لألتحق بالمجموعة :
-أين كنت عفاف ؟ سألتني سارة فقد تأخرت قليلا.
-كنت أتحدث مع ضابط أمريكي.
نظرت لي مشدوهة أختي التونسية ثم ضحكت:
-آه يا عفاف دائما ما تفاجئينني ...
نحن المسلمين من مكناهم من أنفسنا، هل كان بإمكانهم شق صفوفنا و غزونا و نحن متراصين و نملك ما لا يملكون من معرفة و علم و أخلاق ؟
طبعا لا. بل ما سنحاسب عليه أننا تسببنا في موتهم علي أرضنا عوض أن نهديهم إلي دين الحق بسلوكنا السامي الراق....