أول كتاب أرسله لي أخي من القارة الأمريكية الشمالية كان كتاب ميلتون فيورست "عاصفة من الشرق" و بمجرد ما شرعت في قراءته أدركت أن هذا الكتاب سيفتح أمامي باب لن أغلقه أبدا بمليء إرادتي و كان ما كان، فقد تملكتني رغبة شديدة في ترجمة بعض الفقرات منه و من هنا بت أخضع كل قراءة قيمة لنص مفيد باللغة الإنجليزية إلي محاولة جادة في نقل روح النص إلي اللغة العربية و هكذا إنتهيت إلي تأليف "كتاب الشرق في عيون الغرب و قضايا أخري ".
رحلة الترجمة هذه التي دامت أكثر من عشر سنوات و التي سنحت لي فرصة نشر بعضها علي صفحات أسبوعية "البصائر"[1] الغراء في ركني "نظرات مشرقة" مستمرة و هي رحلة جد منعشة لأنها تمدني في كل مرة بدفق جديد من أسباب التفاؤل و أنا أترجم لأقلام و عقول تلتمس نور الهدي في الظلام الدامس الذي خيم علي العالم منذ ضياع فلسطين.
عمل الترجمة هذا أفهمني الجهاد الأكبر الذي قام به الملك الأموي الوليد بن عبد الملك[2] الذي أمر بترجمة التراث الإغريقي إلي اللغة العربية ففتحت الترجمة شلالات المعرفة التي إنهمرت علي عقول بعض المسلمين ممن أبلوا البلاء الحسن في طلب العلم و إفادة العالم كان مشركا أو مسلما بنعمه.
و مهما سأصف العملية، لن أفي بحقها لأن الترجمة تمنح صاحبها الحظوة في أن يتعلم أضعاف ما يتعلمه طالب العلم العادي، فأنا لحظة ما أكون أستنبط أسلوب كاتب مثل برنارد لويس، أكون أطل علي عالم مجهول بالنسبة لي، فالرجل بريطاني يهودي و صاحب معرفة بحضارة الإسلام ليست هينة علي الإطلاق و علي بإقتحام أسوار عالمه لأفهم الذهنية البريطانية النخبوية كي أتمكن من فك ألغاز الأحرف المكتوبة أمامي.
و عندما أقوم بترجمة فقرة من خطاب الرئيس جون فيتزجيرالد كنيدي أكون أتطلع إلي مروج إيرلندا الخضراء الجزيرة التي هاجر منها الجد الأول للرئيس باتريك كنيدي إلي أرض الهنود الحمر. و علي بتمثل شخصية الرئيس و ثقافته الموسوعية و العميقة جدا، كما قال عنه الرئيس السوفياتي نكيتا كروتشف :
"حينما أتكلم مع جون كنيدي أري أمامي رجل في عمر أحد أحفادي بعقل عمره آلاف السنين."
و هذه حقيقة لمستها هو الرجل الذي أغتيل و عمره لم يصل السابعة و الأربعين.
لهذا تبدو لي الترجمة فعل مقارب جدا لفتح عالم، عالم من نور، نور العلم الذي حثنا في مئات الآيات القرآنية الله تعالي علي طلبه حثيثا.
كم من أحكام مسبقة جائرة قوضت علاقة المسلمين بغير المسلمين، و هذا من جراء عدم إتقاننا للغات الأعاجم من روم و صقالبة و أفارقة و آسيويين، فضاق عالمنا و أتسعت الهاوية بيننا و بين بقية العالم، فأي خسارة هذه ؟
فمقدار ما أضعناه بعدم معرفتنا لأدب الآخرين و لنظرياتهم العلمية و الفكرية و اللغوية و الفلسفية جعلنا أكثر إنغلاقا علي أمجاد ماض كان بإمكاننا إحياءه لمجرد أن نصغي لأصوات الآخرين من الضفة الأخري و الذين يراهنون علي عودة المسلمين لسابق عصرهم الذهبي، و نصوص هذا الكتاب الذي بين أيدي القاريء الكريم دعوة جامعة و صريحة من علماء و مستشرقين و خبراء و سياسيين لفتح صفحة جديدة مع عالم الشرق الساحر و الذي سيبقي في نظر الإنسانية قاطبة مصدر إلهام و وحي إلهي تجسد في الديانات اليهودية و المسيحية و الدين الإسلامي الدين الكامل.
فهل سنصغي إلي نداء العقل و القلب و ما يجمع بني البشر زمن المحن و النكبات و الموت العنيف و الأنانية و الكره و الحقد و الحروب اللانهائية لنتذكر رسالة الإسلام، بسم الله الرحمن الرحيم الآية 125 من سورة النحل ( ادع إلي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين). خاصة أن الآخر كان من بلاد الملاوي أو بلاد هاواي أو بلاد إيسلاندا يمتلك نخب مستعدة لتقر بأن حضارة الإسلام حضارة عظيمة و هذا ما قاله الخبير الإقتصادي الأمريكي جيريمي ريفيكن و قد تعمدت ختم به الكتاب :
"من الصعب جدا أن نعتقد أنه ليس هناك أي شيء نتعلمه من ثقافة (كناية علي الإسلام) لديها هذا التأثير القوي في العالم لقرابة 1500 سنة."[3]
فما حاولت نقله عبر ترجمتي لبرنارد لويس، كارين أرمسترونغ، جون ل.إزبيزيتو، هوارد زين، نعوم شاومسكي، راشيل كوري، رؤية هؤلاء لمسؤولياتهم الحضارية عن دورهم في الكون و رغبة مني في لفت إنتباهنا نحن المسلمين بأننا مطاليبن مثلهم بأن نفعل دورنا و أن نستعيد فاعليتنا الحيوية التي عرفت بها حضارة الإسلام لأكثر من ثمانية قرون عمر إزدهارها، فهل ستجد صدي هذه النصوص المحركة للضمائر لدينا ؟
نترك للأيام حق الرد و نختم بدعوة القاريء الكريم عند مطالعته لهذا الكتاب أن يتجاوز علي هفوات المترجمة، فالعمل الكامل المكتمل لم يوجد بعد و عفاف عنيبة من أولئك التي تنحو قدر جهدها إلي إتقان عملها و اللهم يتقبل منا و يغفر لنا.
"الشرق بعيون الغرب و قضايا أخري" نصوص مترجمة، بقلم مشاهير الفكر و السياسة، إنتقاء و ترجمة عفاف عنيبة، مراجعة و تصحيح و تقديم الأستاذ الفاضل السيد محمد العلمي السائحي، منشورات السائحي. طبعة أولي مارس 2016م، 1437ه.
رحلة الترجمة هذه التي دامت أكثر من عشر سنوات و التي سنحت لي فرصة نشر بعضها علي صفحات أسبوعية "البصائر"[1] الغراء في ركني "نظرات مشرقة" مستمرة و هي رحلة جد منعشة لأنها تمدني في كل مرة بدفق جديد من أسباب التفاؤل و أنا أترجم لأقلام و عقول تلتمس نور الهدي في الظلام الدامس الذي خيم علي العالم منذ ضياع فلسطين.
عمل الترجمة هذا أفهمني الجهاد الأكبر الذي قام به الملك الأموي الوليد بن عبد الملك[2] الذي أمر بترجمة التراث الإغريقي إلي اللغة العربية ففتحت الترجمة شلالات المعرفة التي إنهمرت علي عقول بعض المسلمين ممن أبلوا البلاء الحسن في طلب العلم و إفادة العالم كان مشركا أو مسلما بنعمه.
و مهما سأصف العملية، لن أفي بحقها لأن الترجمة تمنح صاحبها الحظوة في أن يتعلم أضعاف ما يتعلمه طالب العلم العادي، فأنا لحظة ما أكون أستنبط أسلوب كاتب مثل برنارد لويس، أكون أطل علي عالم مجهول بالنسبة لي، فالرجل بريطاني يهودي و صاحب معرفة بحضارة الإسلام ليست هينة علي الإطلاق و علي بإقتحام أسوار عالمه لأفهم الذهنية البريطانية النخبوية كي أتمكن من فك ألغاز الأحرف المكتوبة أمامي.
و عندما أقوم بترجمة فقرة من خطاب الرئيس جون فيتزجيرالد كنيدي أكون أتطلع إلي مروج إيرلندا الخضراء الجزيرة التي هاجر منها الجد الأول للرئيس باتريك كنيدي إلي أرض الهنود الحمر. و علي بتمثل شخصية الرئيس و ثقافته الموسوعية و العميقة جدا، كما قال عنه الرئيس السوفياتي نكيتا كروتشف :
"حينما أتكلم مع جون كنيدي أري أمامي رجل في عمر أحد أحفادي بعقل عمره آلاف السنين."
و هذه حقيقة لمستها هو الرجل الذي أغتيل و عمره لم يصل السابعة و الأربعين.
لهذا تبدو لي الترجمة فعل مقارب جدا لفتح عالم، عالم من نور، نور العلم الذي حثنا في مئات الآيات القرآنية الله تعالي علي طلبه حثيثا.
كم من أحكام مسبقة جائرة قوضت علاقة المسلمين بغير المسلمين، و هذا من جراء عدم إتقاننا للغات الأعاجم من روم و صقالبة و أفارقة و آسيويين، فضاق عالمنا و أتسعت الهاوية بيننا و بين بقية العالم، فأي خسارة هذه ؟
فمقدار ما أضعناه بعدم معرفتنا لأدب الآخرين و لنظرياتهم العلمية و الفكرية و اللغوية و الفلسفية جعلنا أكثر إنغلاقا علي أمجاد ماض كان بإمكاننا إحياءه لمجرد أن نصغي لأصوات الآخرين من الضفة الأخري و الذين يراهنون علي عودة المسلمين لسابق عصرهم الذهبي، و نصوص هذا الكتاب الذي بين أيدي القاريء الكريم دعوة جامعة و صريحة من علماء و مستشرقين و خبراء و سياسيين لفتح صفحة جديدة مع عالم الشرق الساحر و الذي سيبقي في نظر الإنسانية قاطبة مصدر إلهام و وحي إلهي تجسد في الديانات اليهودية و المسيحية و الدين الإسلامي الدين الكامل.
فهل سنصغي إلي نداء العقل و القلب و ما يجمع بني البشر زمن المحن و النكبات و الموت العنيف و الأنانية و الكره و الحقد و الحروب اللانهائية لنتذكر رسالة الإسلام، بسم الله الرحمن الرحيم الآية 125 من سورة النحل ( ادع إلي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين). خاصة أن الآخر كان من بلاد الملاوي أو بلاد هاواي أو بلاد إيسلاندا يمتلك نخب مستعدة لتقر بأن حضارة الإسلام حضارة عظيمة و هذا ما قاله الخبير الإقتصادي الأمريكي جيريمي ريفيكن و قد تعمدت ختم به الكتاب :
"من الصعب جدا أن نعتقد أنه ليس هناك أي شيء نتعلمه من ثقافة (كناية علي الإسلام) لديها هذا التأثير القوي في العالم لقرابة 1500 سنة."[3]
فما حاولت نقله عبر ترجمتي لبرنارد لويس، كارين أرمسترونغ، جون ل.إزبيزيتو، هوارد زين، نعوم شاومسكي، راشيل كوري، رؤية هؤلاء لمسؤولياتهم الحضارية عن دورهم في الكون و رغبة مني في لفت إنتباهنا نحن المسلمين بأننا مطاليبن مثلهم بأن نفعل دورنا و أن نستعيد فاعليتنا الحيوية التي عرفت بها حضارة الإسلام لأكثر من ثمانية قرون عمر إزدهارها، فهل ستجد صدي هذه النصوص المحركة للضمائر لدينا ؟
نترك للأيام حق الرد و نختم بدعوة القاريء الكريم عند مطالعته لهذا الكتاب أن يتجاوز علي هفوات المترجمة، فالعمل الكامل المكتمل لم يوجد بعد و عفاف عنيبة من أولئك التي تنحو قدر جهدها إلي إتقان عملها و اللهم يتقبل منا و يغفر لنا.
"الشرق بعيون الغرب و قضايا أخري" نصوص مترجمة، بقلم مشاهير الفكر و السياسة، إنتقاء و ترجمة عفاف عنيبة، مراجعة و تصحيح و تقديم الأستاذ الفاضل السيد محمد العلمي السائحي، منشورات السائحي. طبعة أولي مارس 2016م، 1437ه.
أسبوعية البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.[1]
أعتذر للقراء الكرام العرب، فالمؤرخين العرب ألفوا إستعمال تسمية الخليفة لملوك بنو أمية و نحن نعلم جميعا أهل مشرق و أهل مغرب أن الخلافة الوحيدة الراشدة إنتهت بإستشهاد سيدنا علي رضوان الله عليه علي أيدي الخوارج، لهذا أفضل أن أكتب الملك الأموي و ليس الخليفة الأموي.[2]
فقرة من آخر كتاب "الشرق بعيون الغرب و قضايا أخري" إنتقاء النصوص و ترجمة عفاف عنيبة، و تصحيح و مراجعة و تقديم الأستاذ الفاضل السيد محمد العلمي السائحي، منشورات السائحي، طبعة أولي مارس 2016.[3]