تذكر أن تعطي ولا تأخذ
هي أحلى وصية يتركها أب لابنه أو أم لابنتها.. أن تحب من يحبك وتصل من قطعك وتقاوم من أحزن قلبك.. من غير الله لا أحد سيحبك حبًّا ساطعًا لامعًا؛ لأن الله سيعطيك السيادة والرفعة والامتياز بفواصل التفوق، حتى الذي ينتقدك انتقادًا يريد منه انتقاصًا من قيمتك؛ أَتممهُ بعمل دؤوب وجاد، وصبرٍ فيه الكثير من الحنكة والاحترافية في الفهم ورد الفعل، ومن يقول لك: فيك ألف عيب وملام أجبه أنك ستقوّم الاعوجاج فيك ولكن بإرادتك وحدك، ولا شأن لمن ليس يهمه أمرك، أنت كبير في استيعاب الملامات والمطاردات، يكفي منك ابتسامة وثقة تلمع من بريق عينيك لتوفر عنك بحثًا وتعقيبًا لكلام فارغ، ولكن احرص على الجد حينما يتعلق الأمر بكرامة وعزة نفسك.
ازرع الخير بذورًا تتناثر في كل مكان يصل إليه مستوى بصرك ومرادك، ولا ترد يدًا امتدت إليك من غير أن تعرفك، فكن أسرع في تلبية الطلب ولا تسأل عن صاحبها، وإن وصلك ظرف فيه رسالة لأمر طارئ من قريب لك فانقل نفسك على مسار الحضور واترك لذلك متسعًا من تأدية الواجب من غير أن تخلف إمضاء ليدك ولا بصمة لسبابتك، بمعنى كن مجهول الأداء في مثل مواقف كهذه تزدد هبة ورضا من الله.
أدخل سرورًا إلى قلب لطالما اشتكى همومًا أثقلت نبضه، واترك لمجلسك خفة في السؤال وكشف المستورمن الغموض، فالكثير من يخشى سرد قضاياه ويكتفي بالموجز بغية إيصال معنى مختصر عن المعاناة.
لحن لأنشودتك وأطرب مستمعيك وابرع في إيصال رسالة السلام والود، فأنت على قدر كبير من الأداء الممتع، هي وصية أخرى، واترك لنفسك فسحة أمل تتألق فيها من جديد.
خفف لصاحبك ملامك، اترك الوصية تأخذ المنحى الكامل من التعليمات السهلة، كن لينًا وصارمًا، كن متفهمًا ومتجاوزًا، لكن اترك لك حظًّا من العتاب لمن ألحق بك عذابًا لست تطيقه، تناول بيديك مستحق تعبك وامنح منه ما يكفيك شر الدنيا ومصائبها، لا تتهافت عليها فتتعبك، ارحل إلى حيث الزاهدون، وخذ منهم حكمة القناعة وتعلم عنهم كيف تعطي ولا تأخذ، هي عادة ستألفها مع الوقت كلما ربيت نفسك على منوال العطاء شريطة أن تنسى ما أعطيته بالأمس؛ لأن اليوم فيه قرار جديد من المنحة وغدًا عفو آخر عن مظلمة، اترك غيرك يفهم كلامك وقلقك وغضبك وهدوءك، حتى لو كنت مزيجًا بين هاته الطباع، أنت في كلك رائع ما دامت الطيبة تسكن روحك!
وانتفع بقول إسحاق الخاركي:
ولا تبقِ في وقت السلامة ساعة
تفوتك لم تسعد بها وتمتعِ
فإنك لاقٍ كلما شئت ليلة
ويومًا يغصان العيون بأدمعِ
|
لا تبكِ أمام من خذلك، بل ابتسم له واجعله يغرق في خجله، قاوم بنفسك طغيان الظلم واعفُ عن عاجز أو قاصر ليس يدرك معنى لتصرفه المتهور، كن أنت الحكيم مكانه واظفر بفرصة نجاة لدينك في أسرع فرصة لوقتك، هي معادلة صعبة المراس لكنها مضمونة النتائج.
تقلد مسؤوليات كبيرة ولا تخف من تراتيب الشجاعة والجرأة؛ لأنهما من لوازم التمكين لفولاذية قراراتك، وضع في تخمينك أنه لا شيء يصعب على عقلك الكبير الذي يزن همومًا وقضايا عالقة لم تجد لها حلولاً بعد، ولا تنسَ قضايا أمتك لتشعر بفاعلية انتمائك ومنطقية حماسك تجاه النصر في كل ما شابه خلل أو تعدٍّ.
تذكر دائمًا أثناء تواصلك مع الناس أن تعطي ولا تأخذ مقابلاً لما أعطيت حتى لا تفقد ثوابًا مزينًا بكمال الاقتناع عن أدائك، كلها أيام وشهور تمر الدنيا ونرحل جميعًا ولا يبقى في الوادي إلا حجارة، أما بنو البشر فلا يبقى بعد رحيلهم إلا أفعال الخير تركوها ذكريات ممن استفادوا منها، وأعظمها الباقيات الصالحات.
إن الأمير هو الذي
يضحى أميرًا يوم عزلهْ
إن زال سلطان الولا
ية فهو في سلطان فضلهْ
|
وعليه تمتع واستمتع في سلطان عطائك واحرص دائمًا أن تعطي ولا تأخذ.