مخاض سوريا
بالند للند؛ لم تكن خُطَى العدو ثابتة، وبالمواساة للمواساة؛ لم يكن غضب الجبناء بالمدمّر، وبالتفاتةِ القوَّة؛ لم يكن الهدف بالغَ المنال، واجهتْنا الصورُ عبر شاشات الأسى بصراخ الأطفال بأننا يا عالم أبرياء، ومن الفجاعة مَن تعرَّض لاغتيالِ الابتسامة في وضح النهار.. يا عالم كلُّ الأدلة أمامك، ألم تكفِك دموعُنا ودماؤنا؟! آلام في كل الأجساد السوريةِ اخترقتْها رصاصاتُ الغدر، وبالغدر والحقد تسابقتْ تقتلُ شيوخًا وأطفالاً في عمرِ الطفولة الزاهية بطيش الانتقام والجنون.
إن كنتم يا عرب تريدون صورًا أخرى لواقع سوريا؛ فالصور تكلَّمت وترجمت لغتها لمَن لا يفهمها، وإن كان كل العرب يفهمون لغة العروبة، حينما تغتالها قوانين الإبادة الجماعية!
فيا عرب، تاريخكم واحد، ومن سوريا منطقة "الجولان" تتكلَّم لتزيدَكم معرفة من أن العربي اختار السكن منذ أقدم العصور فيها، وقد عرفت قدوم عدَّة قبائل عربية للعيش فيها في حوالي سنة 300 ميلادية؛ منها قبائل: الغساسنة، وبنو جفنة، والأزد، ولخم، كما قَدِمت قبائلُ عربية أخرى بعد الفتح الإسلامي سنة 636 ميلادية؛ منها قبائل: طي، والفضل، والويسية، والنعيم، والرفاعية، ويمكن القول: إن العرب والبدو والفلاَّحين الذين كانوا يسكنون الجولان، هم السكان الأصليون الذين انحدروا من تلك القبائل العربية العريقة.
وللتاريخ كلام يُرِيد قولَه عن حروبٍ خَلَت بين عام 1956 وعام 1967، ألم يَعِشِ الوطن العربي حالةً من التوتر الشديد وعدم الاستقرار؟ وكان الصراع العربي والإسرائيلي أحدَ تلك العوامل الهامة؛ ففي عام 1958 جاءت الوحدة بين سوريا ومصر معبِّرة - بالدرجة الأولى - عن رغبة الجماهير العربية في بناء قوة عربية مرهوبة الجانب، قادرة على تحرير الأراضي العربية المحتلة، وتبع ذلك قيام ثورة اليمن، واختلاف الأنظمة العربية بين مؤيِّد ومعارض، مما أدَّى إلى استمرار الحرب على أرضها عدة سنوات، وفي عام 1962 نجحتْ ثورة الجزائر في إخراج الاستعمار الفرنسي من أرضِها؛ مما أعطى زخمًا كبيرًا لحركات التحرر الوطني العربية والإفريقية والآسيوية، وفي العراق أسقطت ثورةُ "شباط 1963" حكم عبدالكريم قاسم، كما أسقطت ثورة "آذار 1963" في سوريا حكم الانفصال.
وفي سنة 1964 تعرَّضت الأنظمة العربية لامتحان كبير، عندما أعلنت إسرائيل تحويلَ مياه الأردن من بحيرة طبريَّة إلى النقب، فألحق هذا المشروع ضررًا بالزراعة في الأردن بالخصوص، ألم يدعُ الرئيس المصري جمال عبدالناصر إلى عقد قمة عربية، لكن الجيش الإسرائيلي أحبط مشروع الوحدة العربية؟!
هذا مختصرٌ مفيد، تكلَّم به التاريخُ ليشهدَ أن العدو على مرِّ العصور واحد، وهو إسرائيل، تدعمه خلايا مجاورة لدول تدَّعي القوة والهيمنة.
فحينما تلتئم أدلة التاريخ وأدلة الصور عن الحرب، نُصبِح - نحن العربَ - أمام واجهةِ المساندة بعد فَهْم اللعبة الصِّهْيَونيَّة.
أما قانون الموت، فقد حدَّثكم في أكثرَ من مناسبة من أن القوانين الدولية تدوِّن للأمريكان أرقام الموتى كلَّ يوم تحت مظلَّة حماية حقوق الإنسان؛ فلا حقًّا حَفِظتْ، ولا إنسانًا صانتْ كرامتَه، فَلِمَ نتابع خطوات "بان كيمون" في غدوِّها ورَوَاحِها بلغةِ الأقزام والسخرية منا نحن العرب، في أن مشاوراتٍ ستتمُّ في الأفق لحل الأزمة السورية؟!
نحن العرب نعي جيدًا أننا لسنا أصحاب أزمات؛ وإنما العدو يؤزم مصيرنا؛ لنصبح حديث الدول القزمة، وهذا ما يشغل الأقزام حينما تخونهم قاماتُهم في الظفر ببطولات أسيادهم أهل المجد والشجاعة.
الخطر يُدَاهِم بلاد الشام، والأمة الإسلامية بمنظار الذكاء واليقظة.. حتى وإن طال مخاض سوريا، فحتمًا الولادة لمولود النصر ستتم - بإذن الله - لأن إرادة الله فوق كل الإرادات، وفوق كل الظنون؛ مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
دعَّمنا شهادةَ التاريخ بآية من كتاب الله؛ لتكون الفاصل لقولِ كلِّ خطيب، فهي كالسيف الحاسم في أن النصر لأوليائه، والخلافة لهم، ولا بديلَ لدين الله ولسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
فمما لا شك فيه أن ما يحدثُ في الحبيبة بلادِ الشام من قتلٍ، وسفكٍ للدماء، وإزهاقٍ للأرواح البريئة على أيدي الطواغيت، ما هو إلا دلالة أن المطلوب منا النصرة بالمال، والقلم، وبالدعاء، وهو أضعف الإيمان في أن يرفع الله الابتلاء عن إخواننا السوريين؛ فهم مستضعفون لا قوَّة لهم سوى التضرع إلى الله.
ولي هذا الدعاء من قلب متذلِّل، ورجائي أن يوافق ساعة استجابة: "اللهم عليك بطواغيت سوريا.. اللهم دمِّر شملهم، واخذلْ جندهم، ولا تترك فيهم طاغية باغية يعبث بدم إخواننا دم العروبة والأصالة.. اللهم انصر كلَّ سوري محق لدينك، وبدّل بحاكمهم حاكم الحق العادل في شعبه، والمتبع لسنَّة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إنك يا ألله عزيزٌ قادر ومقتدر.. اللهم آمين".
يقينًا ستلقى سوريا ولادةَ النصر ولو بعد مخاضٍ عسير!