مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/27 14:33
3 جويلية 1962 3 جويلية 2012 الجزائر جنة أم نار ؟
فالذي يستمع للجزائري في القنوات الفضائية أو ذلك الذي نلتقيه في مترو الأنفاق بباريس أو في قارب علي وشك الإبحار نحو جحيم أوروبا من علي شاطيء من شواطيء جنة الجزائر، يتهيأ له أن الجزائر  جحيم سقر و قد أنزله الله عز و جل في بقعة معينة وسط المغرب الكبير في الدنيا، قبل أن يتعرف عليه المشركين و العصاة من المسلمين يوم الحساب.
إسطوانة الشكوي و تذمر الجزائريين من بلدهم الجزائر و من دولتهم الجزائرية زاد فيه و ضخمته وسائل الإعلام الوطنية منها و العربية و العالمية، أتذكر شهادة صديقتي فاليريا زوجة ديبلوماسي إيطالي في 2006، كانت تدعو من تعرفهم من غربيين أوروبيين و أمريكيين لزيارة الجزائر و كانت تعدهم بما يلي :
"تعالوا زوروا الجزائر الجميلة و أضع بيتي و سيارتي رباعية الدفع تحت تصرفكم، أرجوكم تعالوا زوروا هذه القطعة من الجنة التي إسمها الجزائر ... تصوري يا عفاف ماذا كان يرد علي الأصدقاء ؟
"أوه! كيف نأتي لبلد موضوع في قائمة الدول الممنوع علينا زيارتها لإنتشار الإرهاب فيها و لإنعدام الأمن فيها!! لا لن نأتي! نشكرك علي دعوتك الخطيرة!!!"
فكانت المسكينة تأخذ الهاتف و تحاول أن تقنعهم لساعات بأن يأتوا:" تعالوا علي ضمانتي، ليس صحيح ما ينقل عن الجزائر، فأنا أعيش فيها مع زوجي آمنة، أرجوكم تعالوا!"
و عندما أقنعت البعض منهم و وطأت أقدامهم أرض الجزائر الطاهرة، سحروا بجمال البلد و أنفة شعب جزائري يكره أن يطأطءي رأسه للأجنبي  خاصة إن كان سائحا.
أحد الأمريكيين ممن زاروا الجزائر و نزل و زوجته ضيفين علي بيت صديقتي فاليريا، قال :
"ياه الجزائر بلد رائع الجمال! سأعود ثانية لهذا البلد!!!"


كم من أجنبي يحلم بزيارة الجزائر. و أتذكر صديق عائلتي الديبلوماسي الأمريكي الذي عندما حان وقت توديعه ذهبت أنا و أخي لنقابله للمرة الأخيرة، فعندما إستقبلنا، قال لنا بحسرة :"كم أنا حزين لمفارقتي الجزائر! بلدكم جنة، تذكروا هذا جيدا!!!"
تبادلت أنا و أخي النظرات و ابتسمنا، كان هذا الكلام في التسعينيات، حيث كان الدم يسيل غزيزا، دم الأبرياء !! و ها أن صديق عائلتنا الأمريكي يقول لنا و بكل ثقة أن أرضنا جنة، جنة، جنة يا رب!!
كيف  تحولت الجنة إلي جهنم أو كيف ينظر للجنة علي أنها جحيم في أعين بعض أبناءها الجزائريين ؟
سأحكي لكم الحكاية منذ البداية، أي منذ 3 جويلية 1962 التاريخ الحقيقي لإستقلال الجزائر، سأحاول أن أختصر كي لا أثقل علي قرائي الكرام.
الإنتقال من سلطة الإستدمار إلي سلطة وطنية منتخبة شرعيا كان يقتضي تمرير الإستفتاء علي الإستقلال، عودة أعضاء الحكومة الجزائرية المؤقتة إلي أرض الوطن، تنصيب هيئة للإشراف علي الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية ليتاح للشعب الجزائري المنتصر في حرب التحرير أن ينتخب برلمانا حرا و رئيسا شرعيا.
 شيء من هذا لم يتحقق، لسبب بسيط أن بعض من حاربوا من المدنيين و العسكريين حاربوا من أجل تحرير الجزائر طمعا في مغانم و أكبر مغنم في ذلك الوقت، كان إستلام مقاليد الحكم و هم علي قناعة تامة أنهم الأكثر شرعية في قيادة البلاد بحكم سجلهم الثوري و لم ينتبهو ا علي الإطلاق أن  تزعم البلاد يستدعي أن يحوزوا علي شرعية أخري هي بأهمية الشرعية الثورية و هي 
الشرعية الشعبية. فقد كان يتعين علي الشعب الجزائري أن يختار بالإنتخاب بين الثوار من هو الأقدر علي تسيير البلاد  و أي منهج ستسير عليه سياسة البلاد و ليس علي القادة الثوريين أن يحددوا المنهج السياسي كما فعلوا في طرابلس الليبية بفرض علي شعب مسلم جزائري نظام إشتراكي علماني.
فماذا كانت ردة فعل شعبنا في الستينات أمام إغتصاب السلطة من طرف جماعة من الثوار الإنتهازيين ؟
اللامبالاة!!! و أما النخبة الوطنية الصادقة فقد وجدت نفسها بين قضبان السجن أو أمام حكم الإعدام الذي نفذه رماة مهرة في تسديد الرصاصة في الرأس!!!
و منذ ذلك التاريخ أي 62 و إسطوانة الشكوي بدأت خافتة و تواصلت لتشتد في عهد الرئيس بومدين و لتنفجر في إنتفاضة 5 أكتوبر 1988 في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد شفاه الله و منذ صدور دستور 1989 و الجزائر ممزقة بين تيارات عدة أهمها علي الإطلاق تيار الأشرار و هم ممثلوا المافيا الذين هم مبثوثين في كل دواليب الدولة تجدهم في كل مكان بما فيه الشعب نفسه.
و هذا التيار كان الغالب فقد إنتصر بقوة البطش الرهيبة التي يمتلكها، فلا الوطنيون إستطاعوا تحجيمه و محاسبته و لا من يسمون أنفسهم بالإسلاميين تمكنوا مما لم ينجح فيه زملاءهم الوطنيين لأسباب واضحة أن هؤلاء الإسلاميين لم يقروأ الواقع الجزائري القراءة الصحيحة.
و بقي الشعب الجزائري بين كل هؤلاء حائر، لكن لنسئل أنفسنا سؤال آخر، في خضم كل هذه الأحداث و التطورات الخطيرة و السلبية التي عرفتها الجزائر منذ 1962 هل الشعب الجزائري لم يعرف قط إيجابيات في حياته العامة و الخاصة ؟
هل النظام الذي تعاقب منذ 62 علي الحكم  كان شرا مطلقا ؟
طبعا لا، لأنه كان هناك في هذا النظام الجزائري و في هذه الدولة الجزائرية مسؤولين صالحين، رجال كانوا و بقوا أوفياء لمباديء و قيم ثورة 1 نوفمبر 1954 الإسلامية و خدموا البلاد و الشعب الجزائري بتفاني شديد و بفضل الله و بفضل جهادهم 
المسكوت عنه حققوا للبلاد الكثير من المكاسب التي تنكرت لها أجيال كاملة من الجزائريين و هذا لأن المواطن الجزائري هو أقل مواطني العالم وطنية!!
 في حالة ما أقمنا مسابقة لنقيس فيها وطنية مواطنينا سنكتشف طبعا و حتما أن باروميتر الوطنية في المواطن الجزائري لا يغادر درجة الصفر و ما أقوله ليس مبالغة مني، فأنا لمست منذ عودتي النهائية إلي أرض الوطن في 3 جويلية 1987 توجه عام لدي الجزائريين إلا من رحم ربك طبعا في كره بلدهم الجزائر و إعتبار دولتهم أكبر عدو لهم، فقد قال لي سائق أجرة جزائري في وسط العاصمة الجزائرية في صائفة 2006 ما يلي :
"في اليوم الذي سيهاجم الجيش الإسرائيلي الجزائر، سأنضم للجيش الإسرائيلي و سأقاتل الجيش الجزائري بكل شراسة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!"
يظلم الجزائري دولته عندما يكن لها كل هذا العداء متجاهلا تماما أن بها رجال صالحين  و أن لها إنجازات أهمها علي الإطلاق أنها الدولة الوحيدة في العالم العربي الإسلامي التي ترفض بحزم شديد فكرة التطبيع مع العدو الصهيوني في الأرض المحتلة. و كم كلفها رفضها الصلب هذا علي المستوي الداخلي و الخارجي!!!
لكن المواطن الجزائري لا يأبه لهذا، فهو في حالة مطالبة مستمرة لدولته، عليها أن تؤدي واجباتها كاملة نحوه و الويل لها كل الويل إن طالبته هو المواطن بأن يؤدي واجباته نحوها!!!
يتعامل المواطن الجزائري مع دولته علي أنها أم الخبائث و أم الصفات القبيحة، فدولته تكذب عليه، تغشه، تتحايل عليه، تحتقره، تظلمه، تدوس عليه لكنه في المقابل المواطن الجزائري تراه ينظر إلي نفسه علي أنه منزه من العيوب الأخلاقية فهو لا يكذب و لا يحتال و لا يغش و لا يزور و لا يمشي بالنميمة و لا يغتاب و لا يحقد و لا يسرق و لا يرشي... فهو ملاك يمشي
 علي الأرض و يتناسي أن الدولة مرآة الشعب، فالمظالم التي تمارسها الدولة ما هي إلا مرآة للمظالم التي يمارسها المواطن في حق أهله و جيرانه و إخوانه المواطنين و عوض أن يشغل إسطوانة الشكوي و التذمر ليل نهار، عليه أن يناضل سلميا و حضاريا لرفع الغبن عليه. و ليس أن يدفع الرشوة ليقضي مآربه ثم يأتي إلي ميكرفون أي قناة كي يشكو عاليا مسؤوليه المرتشين، المسؤول المرتشي ما هو كذلك إلا لأنه وجد مواطنا راش له!!
حقائق قبيحة جدا أردها هنا لقراءنا الكرام لكنها حقائق و لا بد لنا الإقرار بها إن كنا نريد فعلا إصلاح الأوضاع و أخذ إنطلاقة جديدة  في مناسبة عزيزة مثل هذه، الذكري الخمسون لإستقلال الجزائر!!!
 أرض الرجال الأحرار، أقولها بحسرة، لأن الرجال الأحرار علي وشك الإنقراض في الجزائر 2012، 1433، و سينقرضون ما لم يخاف الله المواطن الجزائري في نفسه و في بلده و ما لم يجسد قول الله تعالي في الآية الكريمة سورة الرعد الآية 11(إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم)
و لا بد للمواطن الجزائري من أن يتبني ثقافة النضال المدني السلمي ذات البعد الحضاري لينتزع حقوقه من ظالميه كانوا في الدولة الجزائرية أو خارجها و لا بد له من تربية جيل و تخريجه محصنا أخلاقيا كي يورثه دولة عادلة و مزدهرة. 

فالجزائر جنة للجزائري المسلم المؤمن الذي يجاهد بإتقان عمله و تأدية واجباته كاملة نحو الله و أسرته و مجتمعه و وطنه ككل و هي نار لكل ضعيف إيمان تغلبه شهواته و أهواءه، دائما في حالة أخذ و يبخل بأن يعطي من وقته و صحته و جهده لبلده و مجتمعه و أسرته. 
الجزائر جنة لكل جزائري و مسلم أي كانت جنسيته حينما يفعل هذا الأخير دوره في أرض و بلد ستظل في مخيلة كل من إستشهدوا من أجلها جنة دار الإسلام.
رحم الله الشهداء الذين إستشهدوا إخلاصا لله و لتحريرها من الإستدمار الصليبي، لكل هؤلاء الأخيار الطيبون الذين ذهبوا إلي الموت بأقدامهم و ضحوا بأغلي ما عندهم حياتهم من أجل جزائر مسلمة، أختم بصرخة البطل الشهيد محمد زبانة الذي حكم عليه الإستدمار الفرنسي بحكم الإعدام و هو سائر إلي المقصلة : الله أكبر الجزائر مسلمة
الله أكبر الجزائر مسلمة
الله أكبر الجزائر مسلمة   
 
 

أضافة تعليق