غزة عاتبي وبدموع الدم ابكي غياب العرب
غزةُ، كنت بصوت الحجر والشجر تبكين جُرْحك بنزيف الدم؛ لتنقُليه تصريحًا لكل العرب، قلت بأعلى صوت: أين أنتم يا عرب؟! دوى صُراخك غضبًا: أين أنتم من جُرْحي لتضمِّدوه؟ سال دمعك على تراب أرض فلسطين، وبالدف مع فجر جديد تكلَّمت في أن لك يا غزة حنينًا لبطولة صلاح الدين، ما زلتم يا عرب نيامًا عن فجري، تُهتُم يا عرب عن مسيرة دَربي، فيكم صَرختُ أنا غزة التي تحبونها ولأحمد ياسين دروس لكل من أحبني أن يموت في سبيلي، إرادتي مني وإلي يا عرب، فاكْفوني إرادتكم، فشقاقكم شرَّدني وضيَّعني سنوات عِجافًا بجمر اللهيب مني في انطفائه لوم عليكم.
جُنَّ جنون العدو من صمود غزة، عشت عزيزة برداء الكفاح على مرِّ السنين، ولكن أين أنتم يا عرب يا مَن عشقتم سهلي وتلِّي وقدسي؟!
قيل: خالِف تُعرف، خالَفت سننَ الضَّعف، فدفعت الضَّعف بمكيال الضِّعفين من دمي وأولادي، وحتى حجري انتفض يُحيطني بسوار الحماية من كل بني صِهْيَون، لكن أين أنتم يا عرب؟! فيكم جنسيتي وعروبتي، فأنا غزة صوتي رفَض فيكم كلَّ صمت وسكوت جبان.
بدُفِّ الحسرة طرقت أبواب السلام في دياركم؛ لأنكم عرب وأهل الدين، هل آن أن أبكي أيامًا خلت كنتم تفتخرون باسم فلسطين؟ ناولت الدف بجراحي من فلسطين وأعلنتها زفافًا لمرور قافلة الشهداء، فلسطين صابرة من زمان؛ لكني أخذتُ عنها القلم والرشاش ودفَّ الغضب، إلى متى يا عرب سكوتكم؟ نسيتم أني أمُّ العرب؟ نسيتُم وصايا مَن مرُّوا على أبواب قدسي، وخلَّفوا ثأري بين أولادي وكانوا للشهادة أقدر؟ ولكن لِمَ كل هذا الصمت يا عرب؟ أولادي دافعوا عني بالروح والدم حتى يكفوا عني عتاب الأيام.. أيام الغدر.. ربما سأترحَّم على سنوات البطولة عندما كان تاجي على رأس فلسطين واليوم صرت أنا غزة في الحصار، لا أكل ولا دواء ولا أحباب يمسحون دمعي ويَحقِنون دمي، سجينة أنا بين أيادي الغدر، وأنتم يا عرب تتفرَّجون عليَّ في صمت.. التاريخ يلعن كل جبن وكل خوف.. التاريخ يكتب عني آهاتي، ويدوِّن صمودي لآخر حرف من اسمي بحلقة يأس وألم.
حفر العدو أغوارًا تحت قدسي، وسمعتُم بمشروع هدْم قدسي وقدسكم يا كل العرب، دمَّروا الأنفاق؛ حتى لا يُمرِّروا لشعبي هواء الحرية وماء النيل، لكم يا عرب أن تتصورا صراخي وفلسطين ساكتة من يأس الضمير فيها عن انشغالكم بهموم دنياكم، فراحت تُشعِل شمعة من حول القدس، وتنتظر أمر الله في فكِّ الحصار عنها وعني، ولكن لمَ كل هذا التولي منكم يا عرب؟ فمن يستطيع الكلام فليتقدَّم ويُدلي برأيه عن عذابي.. عزتكم يا عرب من عزة فلسطين؛ لكنها صابرة عليكم حتى ولو لم تنصروها هي صابرة عليكم، لكن لغزة انتفاضة الرأي والضمير، آلمني الحصار، وعذَّبني انتهاك حرمة المسجد بأقدام نجسة.. من حقي أن أَصرُخ ولولم تكن منكم استجابة؛ لكنها حُرْمتكم تُنتَهك وأنتم لا تدرون، فأنتم تغطون في سباتِ الخمول وموت الضمير، هو نسيانكم لمركز قوتكم.. هو ضَعْف همتكم في أن تحموا فلسطين..
أنا غزة ولا يزال في قلبي عزة، لستُ أنسى وعدَ المولى في نُصرتنا اليوم أو غدًا ولكن العار وكل العار في أن يبقى الحصار يَلُف بساتيني وحقولي التي جفَّت من طول انتظار السقيا بجود العرب، ولست أريد إلا جودًا وكرمًا عربيًّا، ولكن لا حياة لمن تنادي.
أنا غزة وهذه أرضي أرض الإسراء، سجينة اليوم بعبث العابثين، ولكن عود الزيتون يتوِّج كل دروب أرضي، ويرسُم طريقَ النصر لأولادي في سن الطفولة؛ حتى يغدوا رجالاً صناديد يحمون فلسطين بالدم، وما أغلاه من ثمن وضريبة حرية أتطلَّع إليها وسط غياب العرب وغياب الضمير.
أبحث عن شرفي وكرامة شعبي، مشتاقة أحكي همي لكل العرب، وفقط للعرب؛ حتى يردوا على طليبتي، ممنوع الظلم علي كل يوم، أم مكتوب على جبيني أني بطلة الأبطال وفي كل القوة والهمة لشرف فلسطين.. إذًا اعترف يا مغتصِب أن الأرض أرض فلسطين وليس لك أي حياة على أرضي.. يا عرب، هذا صُراخي لكم.. فهل سمعتم النداء؟
حجارتي تركل رشاش العدو، وشجري يردِّد من ورائي أن الحرية عما قريب حاضر زفافها في يوم العيد، عيد القدس عندما تتحرَّر، وهو نفسه عيد فلسطين، ولكن عيد غزة هو عيد لكل العرب.. ووعد مني أن الظلم لن يطول عليَّ بإرادة المولى - عز وجل.
الخائن سيَضعُف جيشه ويُخرَس رصاصه، لن تموت غزة من القهر.. لن تُمحى غزة من خريطة الشموخ، غزة رسمت طريقها بكل صبر وتحدٍّ، وهي اليوم في مجال المد والجزر لبرنامج مفاوضات وسلام وكلام لا فائدة منه سوى أن الرصاص من له القول الفاصل في تحرير فلسطين، ولكم مني يا عرب أني غزة وفي عزة مقاومتي سأغدو حرة بعلم فلسطين، ومن على حدود الحصار سترفرف راية الحرية وتسمعون يا عرب أن التاريخ وحده شاهد على حريَّتي بحجري وبأولادي وبدم شعبي، فلسطين اليوم تبكيكم، وأنا أقول لكل العرب: الشكوى لله.. هو تصريحي كتبتُ بدمي وليس لي مِداد من غير الدم.. الأقصى جريح وبدم جراحه غزة تُراسِلكم: مجدكم يا عرب من مجد غزة.. تحيا فلسطين.