زرع الأعضاء البشرية
أضواء من الشريعة الإسلامية
إن موضوع زرع الأعضاء البشرية ليس موضوعًا حديثًا حداثة التكنولوجيا وثورة المعلومات السريعة، إنما هو قديم قدم الوجود الإنساني.
بدأ لدى المصريين القدماء الذين اشتهروا بعمليات زرع الأسنان، والتي تداولها عنهم اليونانيون والرومان فيما بعد.
ومن السنّة النبوية الشريفة فقد ورد عن قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - أنه أصيب في عينه يوم بدر فسقطت حدَقته من عينه، فأخذَها في يده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذها الحبيب المصطفى وأعادها إلى موضعها، وهذه الحادثة من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم.
ولقد تطوَّرت زراعة الأعضاء، وخاصة ما يُسمى الزرع الذاتي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، واشتهر الهنود بعمليات ترقيع الجلد، وسبَقها في عصر النبوة أن عرفجة بن أسعد - رضي الله عنه - قام بوضع أنف من فضة بعد أن أصيب في أنفه، ولما أنتن أنفه طلب الرسول منه أن يضع أنفًا من الذهب، وإن كانت هذه الإشارة الضوئية المنيرة من العهد الإسلامي تشير إلى عملية تجميل وليس عملية زرع، لكن سَبقُ عصر النبوة إلى فكرة مثل هذه هي دلالة على أنه من أثر النبوة شهادات حية لمواضيع تداوَلها الوقت الراهن بكثير من التوسُّع بعد أن سنَّت لبناتها المتينة شريعة سمحاء.
وعمليات زرع الأعضاء البشرية تشمل زراعة الكبد والقلب والكُليتَين والرئة والبنكرياس والأمعاء، أما زراعة الأنسجة أو ترقيعها فهي تشمل العظام والعضلات، وتُعتبَر عملية زرع الكُلى من أكثر عمليات زرع الأعضاء شيوعًا في عالم الطب الحديث.
أما أعضاء الزرع فهي لا تؤخذ من الأشخاص الأحياء فقط، بل تؤخَذ من الأموات، ولو أن فيه جدلاً عن السماح بنقل أعضاء الميت إلى الحي، وهذا ما شغل اجتهاد العديد من المجامع الفقهية ومجالس الفتوى في مدى جواز أخذ الأعضاء من ميِّت لبثِّ الحياة في جسم إنسان آخَر، ولكن من منظور التراحُم والإيثار فيه الكثير من ملامح حبِّ فعل الخير في إنقاذ حياة من انقطعت بهم السبل في تعويض خسارة عضو من الأعضاء.
ولكن لا بدَّ أن تخضع عملية زرع الأعضاء إلى ضوابط شرعية وقانونية وأخلاقية وإنسانية للسماح بنقلها، ولهذا لا يزال الباحثون والأطباء لا يدَّخرون جهدًا في سبيل إنقاذ البشرية، على الرغم من أن ملف زرع الأعضاء البشرية لا يزال يُثير الكثير من الجدل والنقاش لدى رجال الفقه والطب والقانون حول مدى مشروعيتها.
وعلى الرغم من أن التقدُّم والتطور في مجال الطب يُبدي لنا الجديد من التقدم، ولكن نقاش فقهاء الشريعة يبدو جليًّا عندما يكون فيه اصطدام فيما بين نصوص القانون، وأكثر دقة حينما تتقدَّم النصوص القانونية لتنظيم ملف زرع الأعضاء البشرية وَفْق ما يتوافق مع الاعتبارات الإنسانية، لا سيما عندما تُمسي هذه الاعتبارات أغلى شيء يَملِكه الإنسان، وهي حياته أو عضو من أعضاء جسده.
ولقد ارتفعت نسبة زرع الأعضاء البشرية خاصة بعد اكتشاف عقار "السيكلوسبورين"؛ حيث يساعد العضو الغريب المزروع على البقاء في جسم المريض ويُثبت الجهاز المناعي للجسم، وبفضل استخدام هذا العقار ارتفعت نسبة عمليات الزرع؛ ما أدى إلى إنقاذ حياة الكثيرين.
وبسبب أهمية هذا الموضوع فقد تمَّ إعداد برنامج القانون العربي الموحد حول زرع الأعضاء البشرية، وكذا موضوع أطفال الأنابيب، حتى إن منظمة الصحة العالمية تقدَّمت بتقريرها حول الأعضاء البشرية التي يجوز التبرُّع بها وَفْق ركائز إنسانية وأخلاقية.
ومن جهة أخرى جاءت فتوى لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية رقم 23/79 بتاريخ 5 صفر 1400 هـ حول جواز نقل الأعضاء من المتبرِّع الحي، بشرط ألّا يُفضي العضو المنقول إلى موت المتبرِّع كالقلب والرئتين أو فيه تعطيل له عن واجب اليدَين والرجلَين معًا، أما نقل إحدى الكليتين أو العينين أو إحدى الأسنان أو بعض الدم، فهو جائز بشرط الحصول على إذن المنقول منه[1].
إذ لا يجوز شرعًا - وحتى قانونًا - أن يؤخذ من جثة الآدمي إلا بمقدار ما تَندفِع به الضرورة العلاجية والحاجة في الإبقاء على الحياة.
والجدير بالذكر أن الشريعة الإسلامية الغراء تعدُّ أول تشريع في العالم منذ خمسة عشر قرنًا - وبدون منازع - من أحاطت الجسم البشري (بأعضائه وأنسجته وخلاياه ومشتقاته ومنتجاته الآدمية) بالحماية الشرعية؛ مما يضمن له الحرمة والمعصومية والحفظ والكرامة وعدم الاعتداء أو الإهانة وتجريم العبث أو التلاعب بجسده أو جثَّته، بأن ترتكز هذه التجارب الطبية على الإنسان على ضرورة الموازَنَة الشرعية بين المفاسد والمصالح والمعصومية والحفظ والكرامة وعدم الاعتداء أو الإهانة، وتحريم العبث أو التلاعب بجسدِه أو جثته بأن ترتكز هذه التجارب الطبية على ضرورة الموازنة بين المفاسد والمصالح [2].
فالكثير من العمليات الطبية والجراحية بغرض نقل وزرع الأعضاء البشرية تتمُّ عن طريقٍ حرام وغير مشروع، وهو ما تداولتْه صحائف إعلامية شتى وأقرَّته قضايا أحدثت ضجات من على أبواب المَحاكم.
فطبيعة نقل العضو تتطلَّب توخّي الحرص وَفق ما تُقرُّه الشريعة الإسلامية السمحاء وما تمنعه القوانين الصحية، خاصة في مجال مكافَحة الاتّجار بالأعضاء البشرية صونًا لكرامة وإنسانية الإنسان.
ومن عناوين الفضل في عملية نقل الأعضاء البشرية من منظور الشريعة الإسلامية: تحقيق مبدأ التكافل والإيثار فيما بين الناس، فالعطف على المحتاج يدفع إلى التبرع بعضو من شأنه أن يمنح عمرًا جديدًا للمريض، أو يمنع إعاقة أو يُجدِّد طاقة حياة لمن فقد وظيفة عضو من أعضائه، خاصة لمن ماتوا وفضَّل أهله أن يمنحوا الحياة لشخص آخر، ولن نجد دستورًا يمنح هذا التكافل والإيثار إلا في شريعتنا الإسلامية، والتي تناولت مواضيع الحياة وكيفية التعاطي معها بضوابط وحدود لا يلزم مخالفتها حتى لا يكون هناك مساس بالحقوق، وخاصة الحق في الحياة، والحق في الخصوصية.
[1] انظر: زرع الأعضاء في ضوء الشريعة الإسلامية، المركز السعودي لزراعة الأعضاء ومركز الأمير سلمان الخيري لأمراض الكلى، الطبعة الثالثة، 1416 هـ، (ص: 21).
[2] بلحاج العربي: الحدود الشرعية والأخلاقية للتجارب الطبية على الإنسان في ضوء القانون الطبي الجزائري (دراسة مقارنة)، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، (ص: 10).