تصريحات وإيماءات
لا تَحْكِ لي ما مر عليك من صدمات، ولا تذكر لي ما تعرضت له من ألم، لديَّ مقدمات عن آلام المحن، فقط ارْوِ لي خواتيم قراراتك؛ فإني أحب أن توافقني في ردة فعلك إن كان للعقل البشري متسع من التنازل.
لطالما تُهت في غموض في بَدْء الخصام، لم أكن أفهم الكثير، ولا حتى القليل، لكني أسير إلى حيث تكمن الحقيقة في ذاك الموضع الآمن من طيبتي، هي مَن قادتْني إلى هناك، ولست أنا ككيان تائه فيما يريده البشر، والذي دعوت له أن ينبض الإيمان في قلبه طويلاً، نعم طويلاً، حتى لا تتحير الهادئات والهادئون بخلق الزهد والتواضع ولله الحمد والمنة، بدت لي معالم الشر بكل وضوح، فرُحْت أستقبل ملامحها باحتواء كبير في ألا يصدر مني إلا احتساب، ولو أني ثُرت في العديد من اللقطات، هي فاصل منطقي في طبيعة الإنسان حينما يتعرَّض للوهلة الأولى لكل ما يُثِير أعصابه، ثم لستُ دائمًا على صواب، فما الخطأ إلا من اثنين تلاحمت فيهما أواصر المحبة لتتحول في النهاية إلى سوء تفاهم يربك العلاقة، فينطلق كل واحد في تصحيح زلاته، وليس العيب هنا؛ وإنما في أن تكتفي أنك لم تخطئ، فلا تنسبن البراءة دائمًا لك، حتى وإن كنت بريئًا، لا تشجع نفسك أن تكون دائمًا في قمة الطهارة، ألجمها بلجام العتاب؛ حتى لا تميل يمنة أو يسرة في أن تداري الخلل فيها.
ناولني في الضفة الأخرى من آلام الحياة أملاً واعدًا، أرسم بقلمي فاصلة جميلة أن كل ما تألمت له مر وانتهى، يعني لا شيء يبقى في مكانه، مكمن الجبل على أرضه، أطلق إيماءة من محياك، أفهم منها أني في أمان بعد أن هجرني الأمان لأعوام؛ فإني أرتاح لإيماءة اليقين أكثر من كلام طويل الحروف، ولست أدري أن ما خفي منه أعظم، صدقًا ما أجملها الراحة النفسية، بها أطفو فوق آلامي إلى حيث التهوين والرضا، فلا أكثر شيء نهاية مثل الموت، فلمَ العد والحساب لعمر المحنة؟ إذًا دع عني مجاديف صنعت من تعويل، وليس من تأكيد أني للشط في قرب للوصول، فالسراب لي في انتظار، فك عني نسيجًا قُدَّ مِن خيط الوهن؛ فإني لست واثقة أني سأنهي طرز الزهور والسهول بتمام الصبر والقوة، حررني من عبرات الندم، وألقِ بضعفي إلى حيث مجرى النسيان، صارحني أن الآلام واحدة، والأناة متوقدة إلى حين الخلاص، علِّمني كيف لا أقع في أخطاء مرة أخرى، أو بالأحرى: انصحني كيف أصحب الوسطية في كل شيء؛ حتى لا أندم من بعد خوف، ولا أتألم من بعد أذى، ولا أنكسر من بعد جرح، علمني أن أكون كبيرة أمام نفسي؛ لأني حينما أكون كذلك أكبر في عيون من أحبوني بصدق، لا تتردد في نقدي حينما لا أصوب سهم الهدف إلى مكانه الحقيقي، وبإمكانك أن تسحب مني رخصة الكتابة إن استمرت زلات قلمي في ألا أقوِّم نفسي يومًا عن يوم؛ فالواحد منا ليس يكبر بكبر العمر، وإنما يكبر بتقويم ردود الأفعال، فما ينتظرنا يومَ الحساب ليس بالأمر الهيِّن.
من اليوم فصاعدًا أحب أن أسمعَ الجميل، وما ترتاح له طبلة أذني، من اليوم فصاعدًا أحب أن أرى النظام والألوان المتناسقة، أحبُّ أن أجالس الطيبين والمبتسمين والآملين، أحب أن أرحل إلى حيث الأمن والأمان، ومني أنا إيماءة استحسان أن الارتياح يسكن فينا ومنا؛ لأننا ببساطة نتمنى الخير للكل، حتى لمن آلَمونا يومًا نهديهم عفوًا وعذرًا، نريد أن ننثر أوراق الهناء، ونقول: مرحبًا للضيف.
لسنا نصحو من نومنا على موال: أنت فعلت، وأنت قلت، وأنت تجرأت، إنما نصحو على: أهلاً ومرحبًا، وتفضَّل، الدار دارك، هي قصيدتي دائمًا، أريد أن نكون رائعين بالتحلي بمبادئ أحلى دين.
بالنسبة لي، أنهيت تصريحاتي، وسأختم بهذه النصيحة وبإيماءة حماس مني:
تعلم أكثر بسرعة، ابتسم، سامح، صِلْ من قطعك، آثِر أخاك فيما لديك، فكر في هموم الغير من المستضعفين في الأرض، أوقِدْ نظرتك باتجاه الأقصى، وخلها كل أمنيتك، أن تراها عروسًا في أحلى يوم لزفاف الحرية، أكثرِ الدعاء في ثلث الليل أن نصحو من كبوتنا، تأمل إلى من هم دونك من الفقراء والمرضى، واصرِفْ نظرك عمن امتلأت بطونهم بتخمة موت الضمير، أبدع في أي مجال؛ فصوتك مسموع، وفنك مقبول، وإنجازك مرحَّب به، امش مِشية الرهبة والعزيمة، ارفع رأسك عاليًا؛ لأنك فعلاً طويل الهامة، أريد أن أراك رائعًا؛ لأني بذلك أرى نفسي كذلك، باختصار خلِّ الإسلام ينبض فيك؛ مظهرًا وقولاً وفعلاً بدلاً من التألم بالآه والآه، خلها بالمرحب والسَّعة، رنة صمود أنك تحتوي على الكثير من إيماءات النصرة في ابتسامة يقين، وغلق الجفن على الجفن أن تفتح عينيك وتستقبل أحلى صورة كلها تصريح لامع أنك مسلم فعلاً، وللتأنيث نصيب أكيد ومؤكد من الإعراب، لك أختي المسلمة، فأنت ركيزة أي مجتمع، وصانعة أي جيل مسلم، فأبدعي في صنعك!