سكتة عقل واعٍ
أحتاج للكثير من الصمت حتى أستحضر كلماتٍ تليق بسكتة نسبتها اللحظة لعقل واعٍ.
أحتاج للصبر الجميل ليقظة عقلٍ سكن في تفكيره لما أبغيه اللحظة من ركون ضميرٍ اشتاق كثيرًا أن ينجو بنفسه؛ حيث لا رقيب عليه سوى الله.
أحتاج للكثير من العبرات، هي الأخرى تشاطر سكتة عقل، تنأى جانبًا عن فوضى الزمان، هي وحدها تلبي الطلب من غير إشارة مني؛ لأن العبرات اعتادت أن تواسي في الرنين الخافت المنطلق من صدري حاضرًا وغدًا.
نعم هو كذلك حال العقل الفذ الذي انشطرت مساعيه في فهم براثن ما يسكن في العقول الأخرى.
دعني الآن أتمتع بسكتة عقل قد تلبي حاجة التوقف برهةً عن التفكير المتعب لي، والممل لإبداعي.
نعم هكذا أردتُ لأنتفض وحدي؛ حيث ستسكن المواساة إلى جنبي، وتقلد عني مشية حافية، وتسبيحًا مطولاً، وتهليلاً مريحًا لي، أصلاً أنا في قمة الإبداع اللحظة؛ لأني وجدتُ نفسي هكذا، سكنت فجأة بعد أن سكت العقل منفردًا، لكن لمَ هذا الانفصام؟
هل ثَمَّة خطب يحيرني، ويجعلني لا ائتمن مَن كذب عليَّ بالأمس القريب، أم أني سأصدق كل مَن تاب اللحظة؛ لأنه حرمني من أحلى لحظاتٍ كنت سأبدع فيها كثيرًا لولا زلة اللسان منه في امتداد يده إلى قلمٍ أسكنته بالقرب مني، في حرص كبير ألا يكتب به أحد؟!
هو بالذات، نعم لكن في غيره ترخيص لمن امتدت يداه لينقل عني تقليدًا كنت قد سمحت أن يرحل بعيدًا عني، حتى أكف تطاول العناق إلى ما لا أستحبُّه من شرارة العين الباكية، والطامعة إلى ما لا تتقن أنامله من إرادة، تقليدًا لي، ولكن بعذاب كبير منه.
نعم هو كذلك، صمت مني أني لا أعاند، ولا أعقب على حديث ليس لي بأهمية بمكان المرة بعد اليوم، ربما لأني فقدتُ الأعز عليَّ منذ أمدٍ، فلم يعد يهمني هذا أو ذاك، أو ربما تألقت بالبعد عمَّن يطاردني باللقاء ولو لحين.
نعم هو عذاب الماضي الذي جعل الصغر مني يكبَرُ بسرعة بالثواني قبل الأيام.
لستُ أبغي دفاعًا عني أو مؤنسًا، لكني في رحلة الخاطر؛ حيث يحن قلبي إلى مَن أحببت وجودَهم معي، ليست المفارقات تفارق حساباتي ولا آمالي، لكنها المتناقضات تُشتِّت الكلام عن موضعه، فمن أين لي بالتراجم في سير العاطرين من المُبدِعين من الحضارة الإنسانية؟
وأين مجمع أقلامي حينما يلقي بي موج الفُرْقة إلى حيث لا أدري؟
قد تكون متاهة لي بالمرة، وقد تكون لي سكنًا لروح لطالما ناشدت أن يفهم الباقون على قيد الحياة أن صبري قُدَّ من لهيب التنازل مرارًا وتَكرارًا.
نعم هي هكذا، مشاورات العقلاء لَمَّا تخلى عنهم الناصحون في أن يكتموا كل جميل من أفواههم إلى أن تجود بهم عطر المتلقيات فجأة، يا ألله، لروعة اللقيا في صحبة خير البرية محمد.
نعم الاشتياق، ونعم التفكير الطويل، آلمني لمسافات متبقيات من العمر الراحل عنا غدًا أو بعد غد طويل الانقضاء، نعم هي هكذا أمنيات المتألقين بأرواحهم بعيدًا عن مدارك المسهلين من أماني لم تبرَح حيِّز الدنيا وإطارها في فلسفة بعيدة الرغبة والروعة.
نعم هكذا أرجو، والرجاء ليس بمستحيل التمني، ولو أن عقلي اللحظة في سكتة مبهمة، لستُ أجد لها مفهومًا أو مبررًا، ولكنها ليست تدومُ في وقت سأنتقل منه من ملاحظة المشهد إلى كتابة الإبداع بأناملي التي طالما ترجمت سكتات عديدة لعقل واعٍ في أن ما كان مرجوًّا بالأمس أصبح حقيقةً اليوم، وما سيكون متأملاً في الغد أصبح متيسِّرًا اليوم.
سأرحل إلى حيث بقايا الاطمئنان أبغي منها مسرة، ولو أن سكتة العقل الواعي في صبر لنيل الأطيب والأجمل والأدوم؛ جنات الخلد.
اللهم اغفر زلاتنا، وتجاوز عن هفواتنا، وارزقنا صيام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ليكون لنا تكفيرًا عن ذنوب هذا العام؛ حتى نرتدي بذلة جديدة، فيها الكثير من الطمأنينة والتعقل في انطلاقة جديدة، مع عطاء يحدوه عمل، وكفاح يزينه صبر، وتحمل يريحه استغفار، وعمل يثنيه إتقان، وعفو يكمله تواصل، ورحمة وحلم وأناة؛ لنلقى الله وهو راضٍ عنا.
كانت سكتة عقل واعٍ فيها الكثير من الأمل، وبغير ترجمان لسريرة نفس تألقت للهدوء حتى في التفكير، ففاضت مكنونات صدر أثلج بالكثير من التمنيات، وما أطيبه من شعور عبر سكتة جددت القديم، وبدلت الجديد، وألبست صاحبها وجاءً من التألق.
دمتم طيبين