مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/25 18:13
وداعا آلان

وداعاً "آلان"

 

 

لن أكتب ما قالوا.. لن أُعلِّق مِثلما علَّقوا.. بامتياز الفخر لصغر سنِّك أكون قد بكيتُ بكاءً عبَّر عمَّا في قلبي وأنا أنظر إلى رأسك المنكَّس على الرَّمل.. لم يرحمك البحرُ، وإن كنتُ أنا والبحر في التمرُّد سواء..

 

لكنِّي عاتبتُ أمواجَه وغضبَه حينما رَمى بكَ على شطِّه جثَّةً هامِدة مقلوبةً على وجهها، لم يحزنِّي موتك؛ لأنَّه حقٌّ وقد حان ميعاد لقائك بربِّك في صغرك والرَّحمة عليك من اليوم، أقولها بصراحتي وبصرخة هي شَبيهة بتلك التي تطلقها أمٌّ على وليدها حينما تودِّعه في آخر لحظة اللقيا في الدُّنيا: أَنْ وداعًا.

 

ولم يعد للوداع سَكن للحزن العميق على فلذة كبدِها؛ لأنَّ ما يحزنني "آلانُ" ليس موتك؛ وإنَّما انتكاسَة طفولتك على الشاطئ، بيديكَ الضعيفتَين استسلمت لقهرِ البحر، عالَمك الصَّغير لم يَرحمك ولم يَرحم جهلَك بالسِّباحة، ولم يَعِ حتى ضعف بدنِك، فكيف لك أن تقاوِمَ؟ بل من أين لك بها؟

 

لكني أرى فِيك شهامةً فضحَت كلَّ العرب، فضحَت صمتَهم وتخاذلَهم وسخريتَهم بالضَّمير العربي، لم أكن بحاجة لأن أنظر إليكَ مرَّات كثيرة؛ لأنَّ انحناءة جسدك خضوعًا للموت أسكتَت فيَّ كلَّ أسًى، لم أحزن عليكَ لكنِّي أشفقتُ على موتك وإن كان موسومًا بالشهادة! أخرجت من صدري تنهُّداتِ الضَّعف العربي، وكيف سمح لأبنائه أن يموتوا بعيدًا عن ذويهم، موتك آلانُ كان آخرَ رصاصة يطلقها السوريُّون إعلانًا على الاستسلام..

 

نعم، استسلام حينما لم تسعهم أرض الشَّام وحينما لفَظَهم البحرُ على رِمالٍ مجاورة، لم أشأ أن أُقِرَّ بها كحقيقة، ولكن الأرض لم تَسَعْ عذاب السوريِّين، وهم أيضًا فرُّوا من موت كَوكب الأرض تحت دويِّ المدافع إلى موتِ البحر حينما يستعد ليُطفئ شمعاتٍ صغيرة لا تعرف حتى معنى كلمة حياة، فما كان منهم إلاَّ أن لحقوا بذوِيهم وكفى، فالحياة كانت تشعُّ من بريق عينَي الأمِّ والأب، ولكن ما أن انقلبَ قارب الحياة حتى فارق آلان شعاعَ الأمل من يدِ والده ليلقى حضنَ الشاطئ أرحم من حضن البَحر، فخرَّ على وجهِه متواريًا عن عيون المصوِّرين مَن هم غرباء عن أهل الشَّام.

 

اسمح لي آلانُ أن أقبِّل جبهتَك الشامخة، فلَكَم ضعفتُ أنا وقلمي أمام طفولة تلقِّن الدرسَ تِلو الآخر لكبار السَّاسة وعظماء السلاح أنَّ ملاقاة الربِّ خيرٌ وأحلى وأجلُّ من حياة الغُبار والدَّمار في سوريا الجريحة الباكية الشاكية..

 

وداعًا آلانُ، ولي في موتك أرشيف سيحتفظُ به التاريخ لحين تتحرَّر سوريا، ساعتها سيتكلَّم البحرُ والرَّمل معًا أنْ عفوًا عن اغتيالِكَ، ولكنَّها مشيئة الله ولا رادَّ لقضائه حينما يكتبه من فوق سمواتٍ سَبع.

 



أضافة تعليق