في نهاية الأسبوع الثاني من شهر رمضان المبارك لعام 2012 تلقيت مكالمة من سيدة فاضلة، مسؤولة سامية في السفارة الأمريكية بالجزائر.
-سعادة السفير السيد إنشر وجه لك دعوة حضور حفل إفطار سيقيمه في يوم 5 أوت المقبل (الموافق ل17 رمضان 1433) بمقر إقامته، هل تقبلين الدعوة و هل تريدين أن نرسلها لك إلكترونيا؟
-نعم أقبل الدعوة و أبعثيها إلكترونيا و شكرا لك و له.
تلقيت الدعوة، أخبرت ولي أمري بها، وافق علي حضوري و تعهد بأن يوصلني ذهابا و إيابا إلي مقر إقامة السفير.
كنت قد أخذت سابق علم بالدعوة من حوالي شهرين و تأكدت لي من خلال المكالمة و علي إثرها إستخرت الله في صلاتي لقبول أو رد الدعوة، فسهل علي الله عز و جل أمر تلبيتها.
-سعادة السفير السيد إنشر وجه لك دعوة حضور حفل إفطار سيقيمه في يوم 5 أوت المقبل (الموافق ل17 رمضان 1433) بمقر إقامته، هل تقبلين الدعوة و هل تريدين أن نرسلها لك إلكترونيا؟
-نعم أقبل الدعوة و أبعثيها إلكترونيا و شكرا لك و له.
تلقيت الدعوة، أخبرت ولي أمري بها، وافق علي حضوري و تعهد بأن يوصلني ذهابا و إيابا إلي مقر إقامة السفير.
كنت قد أخذت سابق علم بالدعوة من حوالي شهرين و تأكدت لي من خلال المكالمة و علي إثرها إستخرت الله في صلاتي لقبول أو رد الدعوة، فسهل علي الله عز و جل أمر تلبيتها.
حسمت مسألة الحضور إلا أنني لم أجد رد عن سؤالين، ستكون هذه المرة الأولي التي أقابل فيها السفير الأمريكي، فلا أدري إن كان سيمد يده ليصافحني و لم أكن علي علم إن كنت سأتمكن من أداء صلاة المغرب فور آذان المغرب. فكرت بمراجعة الموظفة السامية في السفارة لكنني تراجعت عن ذلك، مسلمة أمري إلي الله.
يوم الدعوة، أنجزت أعمالي كالعادة، حضرت طبق أكل لعائلتي بشكل مبكر و أمضيت بقية الوقت في الكتابة، عندما إقترب موعد الذهاب إلي إقامة السفير الأمريكي، كان علي أن أكون هناك علي الساعة الثامنة إلا ربع دقيقة و كان الأفضل أن أبكر بقليل عن ذلك.
أخذت حقيبة يدي و ركبت السيارة إلي جنب ولي أمري و غادرنا البيت. الطريق كان فارغا نسبيا في ذلك التوقيت، بعد حوالي عشرة دقائق وصلنا.
نزلت. علي الرصيف كانت هناك موظفة أمن جزائرية تابعة للسفارة بغطاء رأس. أخذت مني الدعوة و راقبت بطاقة هويتي و طلبت مني عندئذ بالإنتظار دقيقتين، حينها إلتحق بنا ضيف آخر، مباشرة بعد ذلك أخذتنا عون الأمن الجزائرية إلي داخل إقامة السفير.
و فور إجتيازي لسور السفارة، إجتاحتني الذكريات فهذه أول مرة بعد حوالي خمسة عشر سنة أدخل السفارة لمقابلة ديبلوماسي أمريكي رفيع المستوي. من خمسة عشر سنة إلي الخلف ذهبت مع أخي لأودع ديبلوماسيا أمريكيا رفيع المستوي هو الآخر و قد كنا نعتبره أخ لنا و قد إنتهت مهمته في الجزائر.
في بداية هذه السنة الميلادية كانت قد طلبت مني الموظفة السامية في السفارة أن أقابل مسؤولة المكتب السياسي الأمريكي، و كنت قد قبلت الفكرة بغير حماس و الحمد لله لم تتحقق لإزدحام جدول أوقات السيدة المسؤولة بإلتزامات متوالية و ها أنني أجد نفسي ألبي دعوة سفير أمريكي، أتابع من حين لآخر عمله في الجزائر و قد ترك لدي شعور بعدم الإرتياح في كل مرة أراه في وسائل الإعلام. فيا تري ما هو الإنطباع الذي سيحدثه لقائي المباشر معه ؟
عندما ولجنا إلي داخل القصر العثماني الذي كان مكان إقامة السفير، إستقبلتني مسؤولة المكتب السياسي للسفارة السالفة الذكر مع ديبلوماسيتين أمريكيتين شابتين من معاونيها. و العجيب أن السفير السيد إنشر إنشغل بضيوفه الرجال، فلم أتمكن من تحيته و مما أدي بالمسؤولة الأمريكية للقول :
علي ما يبدو سنبقي بين نساء!
أعجبني كثيرا الأمر، أذكر أن السفير نظر إلي مرة أو مرتين و لم يخاطبني و أنا بدوري لم أفعل!
و عند الإفطار ، أكلت تمرة و شربت كوب ماء و سعدت جدا عندما علمت بأنه كان بإمكاني أداء صلاة المغرب و قد توجهنا إلي قاعة، فلاحظت أن الرجال الذين إصطفوا فيها ليصلوا لم يتركوا لي مكان خلفهم، فقلت ذلك للسيدة الأمريكية، فقالت لي صلي في غرفة إستقبال الإقامة هناك ستكونين لوحدك و مرتاحة.
فعلت كما قالت لي و بالفعل، شعرت بإرتياح و أنا أصلي بتركيز. بعدها توجهنا إلي الساحة الخلفية للإقامة حيث تعطي علي منظر البحر و مدينة الجزائر العاصمة.
الطاولات المستديرة كانت موضوعة في الجهة المبنية غير بعيدة عن المسبح الذي كان محاط بزجاج مضاد للرصاص.
الديبلوماسية الشابة الذي رافقتني طوال حفل الإفطار، كانت آنسة شابة و قد سرت هي و بقية الديبلوماسيات عندما تحدثت معهن باللغة الإنجليزية و قد أبدت كملاحظة أولي حول مجيئها و إستلامها لمنصبها في السفارة :
- ستخدمني لغتي الثانية الفرنسية كثيرا لأنني منذ وصولي إلي الجزائر، أستطيع أن أستعملها حيثما أتوجه!
فأبتسمت لها :
-هل تعرفين اننا قاومنا الإستدمار الفرنسي 132 سنة لنبقي علي لغته مسيطرة علينا بعد الإستقلال، أليس هذا محير ؟
-بلي.
و نحن نبحث علي أماكننا لنجلس علي مائدة الإفطار، فإذا بي أكتشف أن مكاني في طاولة السفير و مقابلة له، و كانت بجنبي آن.
كان الحديث بيني و بين آن في معظم الوقت و قد تجاهلت عفويا السفير الأمريكي من الجهة الأخري و هو فعل نفس الشيء معي و لم أحمل نفسي حتي عناء متابعة الحديث الذي كان يجري بينه و بين بقية ضيوفه علي الطاولة!
فقط في منعطف الحديث، أبدي ملاحظة وجيهة جدا سعادة السفير و كنت علي طول الخط معه و لكنني تعمدت لزوم الصمت المطبق، لم أكن أرد أن أبدي رأي السياسي أمام غرباء. لكن حينها، أدركت بأن السفير الأمريكي ديبلوماسي بارع و غاية في النباهة و الفطنة، و قد بدأت أتابعه، فالرجل كان أمامي قليل الكلام، يترك لضيوفه فرصة الحديث و الإسترسال فيه.
كانت جلسته، غاية في البساطة، ينظر إلي محدثه و هو يبدي نوع من الإنتباه و شيء من الشرود في نفس الوقت و هذا فعلا ما أثار فضولي. كان قليل الأكل. يتجاوب مع محدثه بإبتسامة و أحيانا بضحكة خافتة و في لحظة ما، قال السفير أنه يتعين علي الجزائر أن تشارك فعليا بصد الإرهاب في دول الساحل و هذا عبر قواتها العسكرية، كان رد أحد ضيوفه، أن موقف الدولة الجزائرية واضح، لا سبيل لخروج جيشنا خارج حدوده، فهو مكلف بالدفاع عن أرضه داخل التراب الوطني بينما كدت أقول للسفير الأمريكي ما يلي:
-سعادة السفير السيد إنشر، هذا هو ثمن الريادة ما دمتم تريدون التدخل في كل مكان، فيتعين عليكم بمواجهة الإجرام في دول الساحل و حماية بذلك حدودنا من الخارج و يتولي جيشنا حماية بلدنا من داخل حدودنا!
لكنني إمتنعت من قول ذلك، مفضلة الصمت.
كان الوقت يتقدم و كنا ننتقل من طبق إلي آخر. حتي جاء موعد الفاكهة و المرطبات و القهوة و الشاي، حينها رأيت الساعة، كانت تقارب الساعة التاسعة و عشرين دقيقة ليلا، فسألت آن:
-كم بقي علي إنتهاء حفل الإفطار، لأخبر ولي أمري بأن يأتي ليأخذني ؟
-دقيقة، سأري مع مسؤولتي و أعود إليك.
نهضت و ذهبت إليها و عادت إلي بعد هنيهات:
-حوالي ربع ساعة، عشرين دقيقة.
أعلمت ولي أمري عبر رسالة هاتفية بتوقيت مجيئه و عدت للحديث مع آن. كان الحديث قد توسع بيننا و عندما تعرضنا إلي موضوع الديمقراطية، قلت لها :
-نريد ديمقراطية وفق قيمنا الإسلامية-
-هل ترين أن هناك فيه دول مسلمة وفقت بين الإثنين ما هي و هل تقليدها ممكن ؟ سألتني آن.
-هناك دول مثل ماليزيا، أندونيسيا و بنسبة أقل تركيا لأنه لا يجب أن ننسي أن النخبة الحاكمة في تركيا سابقا كانت نخبة عسكرية متطرفة في علمانيتها ثم نحن لسنا في حاجة إلي تقليد أحد. فكل دولة مسلمة لها خصوصيتها كما هو الحال مع الدول الديمقراطية، فمثلا ديمقراطية أمريكا ليست ديمقراطية فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا.
-صحيح أوافقك الرأي. أجابتني آن.
حان وقت الإنسحاب، كنا قد نهضنا.
و قد بدأ الضيوف الرجال بتوديع السفير و شكره علي الدعوة و كوني كنت المدعوة النسوية الوحيدة، فجئت في النهاية و قد ألحت آن علي تعريفي بالسفير، عندئذ نظر إلي السفير السيد هنري س. إنشر و هو يسمع آن ما تقوله عني، و أضفت علي كلامها تشكراتي الخالصة لدعوته لي للإفطار، فإذا بالرجل يبتسم لي إبتسامة عريضة و رد علي بعربية رائعة، في نفس الوقت كان قد سحب من جيبه بطاقة زيارته و أعطاني إياها فأخذتها شاكرة و ناولته بطاقة زيارتي، مع العلم أن سعادة السفير لم يمد يده ليصافحني!!
و حرص علي مرافقتنا إلي باب إقامته، لتودعينا.
ودعت الديبلوماسيات الأمريكيات الثلاث و عدت أدراجي عبر ممرات البستان السحري لأغادر أسوار السفارة الأمريكية، للحظات عابرة عبر الزمن سافرت علي بساط ريح بين قصر عثماني و أرض أمريكا، أرض الهنود الحمر في قلب العاصمة الجزائرية، الجزائر.
يوم الدعوة، أنجزت أعمالي كالعادة، حضرت طبق أكل لعائلتي بشكل مبكر و أمضيت بقية الوقت في الكتابة، عندما إقترب موعد الذهاب إلي إقامة السفير الأمريكي، كان علي أن أكون هناك علي الساعة الثامنة إلا ربع دقيقة و كان الأفضل أن أبكر بقليل عن ذلك.
أخذت حقيبة يدي و ركبت السيارة إلي جنب ولي أمري و غادرنا البيت. الطريق كان فارغا نسبيا في ذلك التوقيت، بعد حوالي عشرة دقائق وصلنا.
نزلت. علي الرصيف كانت هناك موظفة أمن جزائرية تابعة للسفارة بغطاء رأس. أخذت مني الدعوة و راقبت بطاقة هويتي و طلبت مني عندئذ بالإنتظار دقيقتين، حينها إلتحق بنا ضيف آخر، مباشرة بعد ذلك أخذتنا عون الأمن الجزائرية إلي داخل إقامة السفير.
و فور إجتيازي لسور السفارة، إجتاحتني الذكريات فهذه أول مرة بعد حوالي خمسة عشر سنة أدخل السفارة لمقابلة ديبلوماسي أمريكي رفيع المستوي. من خمسة عشر سنة إلي الخلف ذهبت مع أخي لأودع ديبلوماسيا أمريكيا رفيع المستوي هو الآخر و قد كنا نعتبره أخ لنا و قد إنتهت مهمته في الجزائر.
في بداية هذه السنة الميلادية كانت قد طلبت مني الموظفة السامية في السفارة أن أقابل مسؤولة المكتب السياسي الأمريكي، و كنت قد قبلت الفكرة بغير حماس و الحمد لله لم تتحقق لإزدحام جدول أوقات السيدة المسؤولة بإلتزامات متوالية و ها أنني أجد نفسي ألبي دعوة سفير أمريكي، أتابع من حين لآخر عمله في الجزائر و قد ترك لدي شعور بعدم الإرتياح في كل مرة أراه في وسائل الإعلام. فيا تري ما هو الإنطباع الذي سيحدثه لقائي المباشر معه ؟
عندما ولجنا إلي داخل القصر العثماني الذي كان مكان إقامة السفير، إستقبلتني مسؤولة المكتب السياسي للسفارة السالفة الذكر مع ديبلوماسيتين أمريكيتين شابتين من معاونيها. و العجيب أن السفير السيد إنشر إنشغل بضيوفه الرجال، فلم أتمكن من تحيته و مما أدي بالمسؤولة الأمريكية للقول :
علي ما يبدو سنبقي بين نساء!
أعجبني كثيرا الأمر، أذكر أن السفير نظر إلي مرة أو مرتين و لم يخاطبني و أنا بدوري لم أفعل!
و عند الإفطار ، أكلت تمرة و شربت كوب ماء و سعدت جدا عندما علمت بأنه كان بإمكاني أداء صلاة المغرب و قد توجهنا إلي قاعة، فلاحظت أن الرجال الذين إصطفوا فيها ليصلوا لم يتركوا لي مكان خلفهم، فقلت ذلك للسيدة الأمريكية، فقالت لي صلي في غرفة إستقبال الإقامة هناك ستكونين لوحدك و مرتاحة.
فعلت كما قالت لي و بالفعل، شعرت بإرتياح و أنا أصلي بتركيز. بعدها توجهنا إلي الساحة الخلفية للإقامة حيث تعطي علي منظر البحر و مدينة الجزائر العاصمة.
الطاولات المستديرة كانت موضوعة في الجهة المبنية غير بعيدة عن المسبح الذي كان محاط بزجاج مضاد للرصاص.
الديبلوماسية الشابة الذي رافقتني طوال حفل الإفطار، كانت آنسة شابة و قد سرت هي و بقية الديبلوماسيات عندما تحدثت معهن باللغة الإنجليزية و قد أبدت كملاحظة أولي حول مجيئها و إستلامها لمنصبها في السفارة :
- ستخدمني لغتي الثانية الفرنسية كثيرا لأنني منذ وصولي إلي الجزائر، أستطيع أن أستعملها حيثما أتوجه!
فأبتسمت لها :
-هل تعرفين اننا قاومنا الإستدمار الفرنسي 132 سنة لنبقي علي لغته مسيطرة علينا بعد الإستقلال، أليس هذا محير ؟
-بلي.
و نحن نبحث علي أماكننا لنجلس علي مائدة الإفطار، فإذا بي أكتشف أن مكاني في طاولة السفير و مقابلة له، و كانت بجنبي آن.
كان الحديث بيني و بين آن في معظم الوقت و قد تجاهلت عفويا السفير الأمريكي من الجهة الأخري و هو فعل نفس الشيء معي و لم أحمل نفسي حتي عناء متابعة الحديث الذي كان يجري بينه و بين بقية ضيوفه علي الطاولة!
فقط في منعطف الحديث، أبدي ملاحظة وجيهة جدا سعادة السفير و كنت علي طول الخط معه و لكنني تعمدت لزوم الصمت المطبق، لم أكن أرد أن أبدي رأي السياسي أمام غرباء. لكن حينها، أدركت بأن السفير الأمريكي ديبلوماسي بارع و غاية في النباهة و الفطنة، و قد بدأت أتابعه، فالرجل كان أمامي قليل الكلام، يترك لضيوفه فرصة الحديث و الإسترسال فيه.
كانت جلسته، غاية في البساطة، ينظر إلي محدثه و هو يبدي نوع من الإنتباه و شيء من الشرود في نفس الوقت و هذا فعلا ما أثار فضولي. كان قليل الأكل. يتجاوب مع محدثه بإبتسامة و أحيانا بضحكة خافتة و في لحظة ما، قال السفير أنه يتعين علي الجزائر أن تشارك فعليا بصد الإرهاب في دول الساحل و هذا عبر قواتها العسكرية، كان رد أحد ضيوفه، أن موقف الدولة الجزائرية واضح، لا سبيل لخروج جيشنا خارج حدوده، فهو مكلف بالدفاع عن أرضه داخل التراب الوطني بينما كدت أقول للسفير الأمريكي ما يلي:
-سعادة السفير السيد إنشر، هذا هو ثمن الريادة ما دمتم تريدون التدخل في كل مكان، فيتعين عليكم بمواجهة الإجرام في دول الساحل و حماية بذلك حدودنا من الخارج و يتولي جيشنا حماية بلدنا من داخل حدودنا!
لكنني إمتنعت من قول ذلك، مفضلة الصمت.
كان الوقت يتقدم و كنا ننتقل من طبق إلي آخر. حتي جاء موعد الفاكهة و المرطبات و القهوة و الشاي، حينها رأيت الساعة، كانت تقارب الساعة التاسعة و عشرين دقيقة ليلا، فسألت آن:
-كم بقي علي إنتهاء حفل الإفطار، لأخبر ولي أمري بأن يأتي ليأخذني ؟
-دقيقة، سأري مع مسؤولتي و أعود إليك.
نهضت و ذهبت إليها و عادت إلي بعد هنيهات:
-حوالي ربع ساعة، عشرين دقيقة.
أعلمت ولي أمري عبر رسالة هاتفية بتوقيت مجيئه و عدت للحديث مع آن. كان الحديث قد توسع بيننا و عندما تعرضنا إلي موضوع الديمقراطية، قلت لها :
-نريد ديمقراطية وفق قيمنا الإسلامية-
-هل ترين أن هناك فيه دول مسلمة وفقت بين الإثنين ما هي و هل تقليدها ممكن ؟ سألتني آن.
-هناك دول مثل ماليزيا، أندونيسيا و بنسبة أقل تركيا لأنه لا يجب أن ننسي أن النخبة الحاكمة في تركيا سابقا كانت نخبة عسكرية متطرفة في علمانيتها ثم نحن لسنا في حاجة إلي تقليد أحد. فكل دولة مسلمة لها خصوصيتها كما هو الحال مع الدول الديمقراطية، فمثلا ديمقراطية أمريكا ليست ديمقراطية فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا.
-صحيح أوافقك الرأي. أجابتني آن.
حان وقت الإنسحاب، كنا قد نهضنا.
و قد بدأ الضيوف الرجال بتوديع السفير و شكره علي الدعوة و كوني كنت المدعوة النسوية الوحيدة، فجئت في النهاية و قد ألحت آن علي تعريفي بالسفير، عندئذ نظر إلي السفير السيد هنري س. إنشر و هو يسمع آن ما تقوله عني، و أضفت علي كلامها تشكراتي الخالصة لدعوته لي للإفطار، فإذا بالرجل يبتسم لي إبتسامة عريضة و رد علي بعربية رائعة، في نفس الوقت كان قد سحب من جيبه بطاقة زيارته و أعطاني إياها فأخذتها شاكرة و ناولته بطاقة زيارتي، مع العلم أن سعادة السفير لم يمد يده ليصافحني!!
و حرص علي مرافقتنا إلي باب إقامته، لتودعينا.
ودعت الديبلوماسيات الأمريكيات الثلاث و عدت أدراجي عبر ممرات البستان السحري لأغادر أسوار السفارة الأمريكية، للحظات عابرة عبر الزمن سافرت علي بساط ريح بين قصر عثماني و أرض أمريكا، أرض الهنود الحمر في قلب العاصمة الجزائرية، الجزائر.