*في 29 جوان 12 رمضان 1436 هجرية أي يوم قبل البارحة، كنت جالسة علي مائدة إفطار السفيرة الأمريكية بالجزائر السيدة جوانا بولاشيك، و قد وقع ربط حفل الإفطار بوجود ضيف الشرف الإمام الأستاذ الفاضل السيد يحي الهندي و هو أمريكي الجنسية ذو الأصول الفلسطينية و قد قدم لنا عرض للوجود المسلم في أمريكا و كيف أن المسلمين يعيشون في إنسجام و إحترام مع بقية مواطنيهم الأمريكيين و كيف أنه زار بعض الدول الأوروبية و رأي حالة المهاجرين المسلمين هناك و كيف أن مستوي بعض المهاجرين في أوروبا ضعيف و مزري ثم كان للحضور حديث حول ظاهرة التطرف داعش و تنظيم الدولة الإسلامية. و أدلي الإمام الأستاذ الفاضل السيد الهندي بدلوه مشكورا في موضوع التطرف، الغريب تماما عن رسالة و روح الإسلام. و أن هذه أول زيارة له للجزائر و هو لا يعرف الحديث بالفرنسية، فلاحظت له بأدب : "هذه رحمة أنك لا تتحدث بالفرنسية!"
و كانت السفيرة الأمريكية حريصة علي حسن ضيافتنا، و عندما جلست بين ضيوفها قالت لنا ما هي اللغة التي تريحكم التي أتحدث بها معكم ؟ فسارعت في الرد عليها :
العربية سيدتي.
فاعتذرت لي بأنها لا تتقن الحديث بالعربية و إنما تحسن الفرنسية.
فسكت، لأنني كدت أقول لها تحدثي بلغتك الإنجليزية فبعض الحضور الجزائريين هنا يفهمونها إلا أنني كنت في حضرة بعض الشخصيات الجزائرية المحترمة و فضلت الصمت لأراقب الحفل، خاصة أنني كنت أرغب في الحديث مع ديبلوماسية شابة أمريكية، و بالفعل جاءت تلك الديبلوماسية تجلس إلي جنبي و بدأنا حديث بصوت منخفض باللغة الإنجليزية و تعرضنا لبعض القضايا.
بعدها، أذن أذان صلاة المغرب، أخذنا تمرة مع كوب ماء ثم أم بنا الإمام الفلسطيني الأمريكي و بعدها إنتقلنا إلي غرفة الأكل الفخمة. و بعد جلوس كل واحد منا، و بدأنا نتذوق الإفطار، ألقي السيد الإمام كلمة، كنت أستمع و جل الوقت أوجه إبتسامة فيها معاني كثيرة للسفيرة الأمريكية التي كانت ترد علي بإبتسامة عريضة. تدخلت مرة أو مرتين في الحديث سائلة سيد الإمام يحي الهندي لأحيل الحضور علي تجربة العيش كمسلمين في أمريكا و المشاركة السياسية المسلمة في أمريكا التي هي في بداياتها المحتشمة و كيف أنه يتوجب علي المسلمين الأمريكيين ان يدافعوا عن مصالح بلادهم الأصلية، فصحح لي السيد الإمام الفاضل يحي الهندي بأن الأمريكيون المسلمون ولاءهم لدولتهم و يهمهم أكثر أن يكونوا أمريكيين و أن يخدموا بلادهم أمريكا و قد لزمت الصمت و أنا أستمع للرد الواف الذي تكرم بتقديمه الإمام الأمريكي السيد الهندي و لاحظت في نفس الوقت أن لا أحد من الحضور الكرام عقب علي الإمام الفاضل سائلا إياه لماذا إذن يهود أمريكا بإمكانهم عبر منظمة إيباك و جويش ستريت الدفاع عن مصالح الكيان الغاصب أكثر من مصالح بلدهم الأصلي : أمريكا ؟
و في لحظة ما وقع إختلاف في وجهات النظر بين ضيفين كريمين فيما يخص من هو المتسبب الحقيقي في التطرف، قضية فلسطين و مسألة الإجتهاد في الإسلام و أعفي قراءنا الكريم من معرفة ماهية إختلاف وجهتي النظر حول هذه المسائل العويصة علي ما يبدو و آخذكم إلي آخر اللقاء، فقد إضطررت للإنسحاب قبل نهاية وجبة الإفطار كون مقر إقامتي بعيد و الليل قد أظلم.
فحرص السيد الإمام يحي الهندي علي توديعي و مرافقتي إلي باب قاعة الأكل و أما السيدة السفيرة بولاشيك بأدبها الجم صاحبتني إلي الباب الخارجي من الإقامة و هناك إغتنمت الفرصة لقول لها ما يلي:
"-سيدتي لا تحملوا هم من هو المتسبب عما آلت إليه الأوضاع في عالمنا العربي الإسلامي!
فنظرت إلي مندهشة و بقت صامتة:
-أولا كان محقا الرئيس أوباما عندما قال أن إيران ليست المشكلة و إنما غضب الشعوب العربية و عدم رضاها علي أنظمتها هي المشكلة الحقيقية التي يجب أن يواجهها الحكام. قلت لها : لستم مسؤولين علي إنهيارنا، نحن من مكناكم من أنفسنا بتخلفنا و إنقساماتنا و فسادنا و إستبدادنا، ففي اليوم الذي نقيم العدل في شؤوننا و نفصل بين السلطات الثلاث فعليا، و نكون قد تقدمنا علميا، حينها فقط سنتوجه إليكم لنحاوركم من موضع قوة ."
فكانت ردة فعل السفيرة أنها هزت رأسها موافقة و ختمت اللقاء بضغطها علي يدي و هي تصافحني، راسمة إبتسامة علي وجهها، قائلة:
-علينا بإكمال هذا الحديث سيدة عفاف...
غادرت الإقامة و أسوار السفارة مسرعة و قد أسدل الليل ستاره و عندما مررت علي الحارس إندهش من خروجي المبكر تاركة وجبة الإفطار في بدايتها و لحظة ما وضعت قدماي علي رصيف أرض الوطن، نظرت بنوع من الغضب المستتر إلي كل ما هو حولي:
"هذا هو قدرنا، هذا هو مصيرنا، كفانا لوم الغرب علي فشلنا و إخفاقاتنا. نحن المسؤولين علي مأساتنا و الله لم يقدر علينا الشقاء بل نحن من جلبنا لأنفسنا الشقاء و أسباب المذلة و الهوان.
طوبي لأصحاب الكرامة المنتفضة من يدفعون من راحتهم و من ذكاءهم و من دماءهم ثمن العزة و الحرية!!!!!!!!"
أخذت نقالي لأطلب من السائق أن يسرع في الوصول و أنا أري من بعيد أعوان الشرطة الجزائرية يتحركان بإتجاهي لأنني لم أقف في المكان الذي كان يتوجب علي الوقوف لأنتظر سائقي و عندما وصلا إلي و طلبا مني الإنتقال إلي الجهة الأخري، شكرت لهما حرصهما و قلت لهما أنني مغادرة و ها أن السائق وصل و بالفعل و لله الحمد وصل مع السيدة زوجته الكريمة صعدت كالبرق ملوحة بيدي إلي الشرطيين الذي ظن واحد منهما أنني لست جزائرية و إنما مواطنة عربية كالعادة عفاف عنيبة غريبة دائما بين أبناء بلدها، إنطلقت السيارة بسرعة إلي حيدره و من هناك عدت إلي بيتي و بمجرد ما وصلت كان علي أن أدون إنطباعاتي. و أهم إنطباعي عن حفل تكريم الإمام السيد يحي الهندي، أن أمريكا لازالت تنظر إلينا بنظرة أنه يتوجب أن نحفظ دروس تحضرها.
*ملاحظة جد هامة أبثها للقراء الكرام بعد إنقضاء أشهر عن حفل الإفطار في إقامة السفيرة الأمريكية السيدة بولاشيك بالجزائر.
الأستاذ الفاضل السيد الإمام يحي الهندي أعلن لنا أنه كأمريكي مع السلام اليهودي الفلسطيني في وجبة الإفطار، كنت أستمع بإهتمام شديد و أنظر إلي الصحن أمامي الذي يحمل صورة الصقر الأمريكي و هو رمز القوة العظمي الأولي، ذلك الصقر الذي إنقض علينا من عل.
الملاحظة الثانية أن الإمام الفاضل السيد يحي الهندي هو من أم بنا لأداء صلاة المغرب، فصليت خلفه من باب الأدب المحض و أما في قلبي فهو ليس بإمامي، لأنني كجزائرية مسلمة ولاءي لله الأحد و لا إعتراف بحق بني إسرائيل في فلسطين المسلمة و الحمد لله الدولة الأمريكية بالذات تعرف جيدا موقفي من مهزلة أوسلو-واشنطن!
جائتني ملاحظة للتو من قارئة مشكورة و سأوضح:
سألتني القارئة : هل صليت خلف هذا الإمام الفلسطيني الأمريكي قبل تصريحه بأنه كأمريكي يؤمن بحل سلمي بين اليهود و العرب في فلسطين ؟
أجبتها :
نعم. لهذا وضحت فهذا الرجل الفلسطيني بتنازله عن جنسيته الفلسطينية يتبع سياسة بلده أمريكا التي تؤمن بحل سلمي بين العرب و اليهود في فلسطين أرض المحشر و أرض الأنبياء.