لبساطة السلطة على كرسي التواضع مقاس
هي دنيا مغرية حينما يرتدي فقير هذا العصر نظّارات مغرية، هي سوداء في لونها، لكنها عديمة الرؤيا لواقع الحياة الحقيقي، فشتّان بين الواقع والحلم!
تبدو ثقيلة عبارة سلطة وغنية بالمال والخدم والرخاء وكماليات الزمن الغادر، تبدو البساطة خفيفة وفقيرة لكنها سهلة؛ لأنها تحمل في طياتها خواتيم الصالحات من الأعمال وراحة البال وهدوء المشاعر في أن يعيش البسيط في حدود يومه، ولعمره اكتفاء بعدم التطلُّع إلى قامة أطول منه؛ لأنه في قرارة نفسه يدري أن ذاك التطلع مغرٍ، ولا داعي لكبرياء مصطنع أو مزيف؛ فالبساطة فيها كبرياء الروح، وشموخ القناعة في ذاك التواضع، وأن جلسة شاي على حصير الرضا فيه ألف نكهة ونكهة، أو أكلة بأيدٍ كافحت من عمل الدهر بنسيج في مذاق الود هي ألفة ومحبة، ترى هل للسلطة نفس حُلِي البساطة؟
الحلي موجودة وبأغلى الأثمان النفيسة؛ لكنها مرهقة للعقل وللقلب كيفما كانت رؤيتنا للسلطة؟ طبعًا هي دائمًا ترتفع إلى فوق على بساط الأبهة، وإن كل شيء موجود بل متوفر من غير طلب ومن غير جهد.
صعب عليّ أن أكتب أحرفًا، أستطيع أن أصفها بالثقيلة بترجمان البحث عن البساطة بين ثنايا أكف السلطة المغرية.
قد تكون موجودة ولكن ليس كما يريد البسطاء والفقراء والمساكين؛ لأن حالهم صعب جدًّا، ويتُوقون لمن يمسح دمعة الأسى بكل تواضع وبكل حنان، وليس من باب أن يقال: ذاك أدى واجب الصدقة، وعلى مرأى من أعين الناس وانتهى.
لا... ليس هكذا الواجب، فالجمال كل الجمال أن تنحني السلطة في هذه الأدوار بكل تواضع، ونتمنى أن يكون هذا التواضع ملموسًا، سيكون المنظر جميلاً، بل رائعًا بروعة التزامية الضمير بما تنص عليه الشريعة السمحاء في زمن الماديات وحب السهل الممتنع، بالضغط على زر يجب الآن، وليس فيما بعد، فهذه الآنية هي من الغرور ليس إلا!
إن خفة روح السلطة فيها الكثير من الغرور، وعدم الركون إلى حقيقة المصير في أنه لا شيء دائم، أو يدوم، ولن يدوم شيء إلا الفعل الصالح بنية الإخلاص والخوف من الله عز وجل.
سيرورة المجتمع تضبطها آليات السلطة بما يناسبها، وليس ما يناسب جيوب الفقراء أو عقول المفكرين، هي جامحة في أن تنفرد بإشارة الأمر والنهي، لكن على مر العصور كان لسلاطين الأمم الإسلامية جانب من تربية الذات على تطويع الاستشارة لذوي العقول النيرة، ولأهل الحكمة التي لا تخطئ، وإنأخطأت فالخطأ لا مضرة منه؛ لأنه يقع مرة في الألف مناسبة.
كرسي السلطة مريح لجسد، متعب بالتفكير والهواجس، لكنه منغِّص لراحة الضمير والروح اليقظة، وللخلاص من عقدة التأنيب، كان لصاحب السلطة المضي للأمام، وانتهى دونما وقفة هي في الأحقية أن تكون وقفات؛ لتصحيح الزلّات والتكفير عن الذنوب، فالسلطة مغرية لأنها متعة للحظات الهوى عبر لحظات النسيان، هي توفر كل شيء ومن غير ثمن مدفوع مسبقًا، لكنها قد تكون على حساب أناس آخرين، أصبحوا يرونها بنظارات الواقع الحقيقي، وما أحدثته في حياتهم من آلام وهضم للحقوق.
جميلة هي السلطة لو وصل إليها صاحبها بكد ساعده وبعرق جبينه، بعلم واسع وثقافة أوسع وحب لله عن مخافة منه، وعن تحرّي الصدق والحفاظ على الأمانة، وأداء المسؤولية تجاه الضمير أولاً ثم تجاه الخلق، باستحضار الرقيب الأعلى، جميلة هي السلطة حينما تسعد شعبًا ظل يحلم ويحلم بالحرية والعيش الرغيد في كنف الإحسان من أن الحقوق لم تهضم، والواجبات على أسطر المواظبة في تحمل المسؤولية، هي في أمان.
لكن ليس الأجمل أن تكون السلطة سلاحَ الانتقام من الذات أولاً، ثم من المتفوقين في حياة الزهد والإيمان، فهذا دمار للقيم وللعقيدة، بل دمار للذات في صمت الكراهية لكل ما هو جميل وصادق.
لو خيروني بين السلطة والبساطة، لاخترت كليهما في مزيج اسمه: بساطة السلطة.