مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/22 16:00
حيرتني عليك حينما حضورا حجابك

حيرتِني عليك حينما حظروا حجابك

 

أتصورك قديرة، كبيرة، بل الأحلى والأغلى عندي أنك عظيمة في موقف أسال الكثيرَ من مداد قلمي في منتصف الليل، وأنا أستمتع بشجاعة أربكَتْ وصالَ أناملي، مع رقة قلمي الذي انطلق في دفعات المدح السجي بشكرك بداية وانتهاءً، بقولي لكِ: ما شاء الله عليك يا أختي!

 

تصورت دموعك كحبات المطر التي شتَّتتْ ذرَّاتِ التراب أشلاءً، فمزقت فيه كل سكون.

 

تخيَّلتُك ثائرةً بغضب غير محمود العواقبِ، فرُحْتُ أكتُمُ غضبي من جهتي، وأنا أكتب تحت ضوء مكتبي الخافت، هكذا أفضِّل إنارةَ غرفتي لأشعر أني أساندُك، وأبعث لك تحياتي ولو عن بعد، لكني أعرف أنها تصلك بمجرد قراءتكِ لحروفي، التي قُدَّتْ في سكون الليل والنُّعاسُ هجرني بعد أن شاهدت موقفَكِ على التلفاز، كنتِ جميلةً جدًّا برداء الاحتشام، فلم يلهني الخبر أن لا أتفحَّص هندامَك المرتب والفضفاض على طول انتفاضتك لما حظروا لبسَك للحجاب، وما لفتَ انتباهي أكثر أنك كنت ترتدينه على مقاس الشرفاء والأطهار؛ فحسبت أني في زمن الأمس، حيث الوجاهةُ كانت لأمثالكِ، من تشعر بكبرياء الانتماء لأفضلِ دين، وما زادني إعجابًا هو تلك الورود التي كنت تحملينها، بيدَ أنك من غير حبك لحجابك أنت لا شيء، وفي اليد الأخرى كنت تحملين مصحفًا؛ تعبيرًا منك أنه بغير كلام الله أنت تضلين الطريق والمنهج والهدف؛ لذلك هجرني النُّعاس، أو ربما أنا مَن هجرتُه في نسيان مني أن موعد نومي قد حان.

 

ليس لدي ما أقوله سوى أن أتابع ردةَ فعلِك وهم يمنعون ارتداءك للحجاب، نهضتُ من على كرسي الحيرة؛ لأتنقل - تقريبًا - في كل أركان البيت، وأنا أفكر في صراخك أنه دويُّ الرفض، كسرتِ به كل الحواجز، ثم رُحتُ أريحُ عقلي من التفكير للحظات، وأنا أغير قنوات التلفاز مرات عديدة، ولكني لم أكن أركز فيما بُثَّ عليها؛ لأن القلق طفَى بين يدي التي لم تُتقِن مراوغة القلم لإسكات صوت الأنَفَة، على موضوع جعلني أتفطَّنُ لسقوط المطر في هذا الوقت الهادئ كثيرًا، لأغير المجلس إلى حيث كنت في الأول، حيث ألقيتُ بثُقْلِ التوتر مني؛ لأتناول قلمي مرة أخرى، فليس لدي ما يُهدِّئُ من قلقي إلا رنة حرف أبوح بها أنا الأخرى.

 

إن زمن الجاهلية الأولى قد عاد وبرداء التحضُّر غير مفهوم الأبعاد، فكان لزامًا عليَّ أن أفكِّر في أنوثتكِ الرقيقة التي جمَّلها الحجاب، وأخفى عنها كل معالم الإعجاب، صدقًا، زدتُ في وتيرة إبداعي على النحو الذي ينقلُني من المألوف في الأسلوب الحسي المرهق، إلى نوتة القلق الموزون بلباقة المواساة، أين ضبطت حيرتي حتى لا تشرد عني أفكاري، فلو لازمني الأمر لأن أفتح نافذتي، وأرقب النجوم، لفعلتُ؛ لأني أستأنس ببريقها مثل فوانيس اليقظة في شرف الميول مني، أن فعلاً أعجبتُ بكِ كثيرًا وأنت تغادرين مقرَّ عملك حفاظًا على حجابك، صدقًا، أنا معجبة بل فخورة بك!

 

ترى هل سيكفي هذا الافتخار ليعود لي النُّعاس، فيأخذني مأخذًا مريحًا حيث مرقدي، فقد تفاعلتُ اليوم مع قضيتك حتى انسكب مني كأس الماء على حين شرود ذهني فجأة، فبلَّل أوراقي التي كتبت عليها هذا الكلام، لكني لم أنزعج؛ لأن كلماتي هي الأخرى تشبَّعتْ بنسيم الماء، فسكتتْ جمرة التمرُّدِ من فوق الأسطر.

 

وإني أطلب منك أن تلازميني أختي - لو غفلت عن الكتابة - واطلبي مني على الأخصِّ أخوَّةً هي واجبي بل فرض عليَّ القيام بذلك، وأنا أساند فيك صمتًا واحتسابًا، ومن ثَمَّ تألُّقًا.

 

اعزفي لي بدورك يا أختي أحلى الألحان، لو انتابني تعب شديد، أريدُك بالقرب مني حينما أضعف، فمثل هذا الحظر يجعل مني كيانًا مُنشطرَ الطاقة، من غير جهد كبير أبذلُه سوى أني أردت أن أواسيَك بقلمي.

 

وهأنذا قد فعلت؛ فامنحيني جوابًا شافيًا لحيرتي عليك، فيما إن كنت بخير وطمأنينة؛ لأني أحسُّ بك كثيرًا حينما يهدِّدُ القرار مستقبلك وكبرياءك.

 

ناوليني يدَكِ - ولو عن بعد - لأشعرَ بقوة الإيمان منك أنك بخير وعلى خير، ما دام التنازل عن أمور في سبيل مرضاة الله هي السعادة الحقيقية، فثقي أن الله سيُعوِّضُك خيرًا بل وخيرًا مما كنتِ فيه.

 

إنها حيرتي على حجابك، عبَّرتُ عنها بكلماتي، وإني أطلب منك أن تشاركيني الدعاءَ في أن تمدي يديك لرب السماء أن يحفظَك، ويرعاك، ويرزقك من حيث لا تحتسبين، شاركيني تسبيحي الليلةَ، وكُفِّي عنك دموعَ الأسى؛ فغدًا سيحلُّ عليك فجر جديد فيه الكثير من الفرح لي ولك؛ لي أنا: ألا تخونني الكلمات حينما أفرح بك، وأنت: أن تتأكدي أن تقواكِ سرُّ نجاتك وفلاحك...، هي حيرتي ولا تخشي أختي عليَّ، فهي ستنجلي حينما اطمئِنُّ عليك، ولو أنك تسكنين بعيدًا عن سكني، لكن وصالي بك لا تمنعه مسافات ولا تحدُّه حدود؛ لأن ما يؤلمك يؤلمني، وما يغضبك يغضبني، وما يحرك مشاعر الأسى فيك هي نفسها حركة قلبي وروحي معًا، حينما يشاركان العزاء إلى جوار صبرك!

 

دمتِ تقيةً، طاهرة، كريمة، فاضلة، قوية، صادقة، وأدام الله عليَّ وعليك نعمة حب الإسلام، وكل ما للإسلام ينتمي، ويبقى شعارنا جميعًا: حجابي سرُّ كرامتي وكبريائي.

 

وليكن سهمًا في عيون كل من يحظره.

 



أضافة تعليق