قوة الثبات في وجه إعصار القطيعة
كم تبدو أحيانًا نظرتنا في علاقاتنا وما يشوبها من مُفسدات دخيلة بفعل الشيطان أو النفس أو بفعل مرض من أمراض القلوب!
إن المتمعِّن في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يجد المؤمن فيهما ضالته، في كل شيء، حتى في شربة ماء على ثلاث جرعات؛ لأخذ النفَس المريح الملائم لراحة الجسد.
إذًا؛ لماذا نقابل الإحسان بالإساءة؟ ولماذا لا نفهَم ما هو مطلوب فَهمه بقاعدة حسنِ الظن والتماس الأعذار؟ صحيح نُخطئ، لكن لماذا لا نسامح؟ أو بالأحرى لماذا لا نُجاهِد أنفسنا؟ أليس المُبتغى هو الجنة؟ إذًا في سبيل نَيل الجنة ليذهب النزاع وخصومه مَجرى البحر للنسيان.
بشرح تفصيلي لقضايانا الاجتماعية وبرؤية تحليلية مع قليل من التركيز على الأهمِّ من المُهمِّ، على الأجمل من الجميل، على الأغلى من الغالي، على الأنفع من النافع، وليأتي تباعًا على القفيِّ الموزون، بدءًا بالأهم في قضية إخواننا الذين يَموتون في فلسطين وسوريا وبورما، أليس الأجمل هو أن نرى علم فلسطين يُرفرف في باحة الأقصى إعلانًا بالنصر، وعلم سوريا من على رؤوس الطغاة عاليًا بالظفَر بالحق والعدل بعد طول أمد، والأغلى أن نرى سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يُقتدى بها في زمن المغريات والماديات؟ والأنفع من ذلك هو نشر الفضيلة ونبْذ الرذيلة، أليس في ذلك حلاوة أم أن في القطيعة مُتعة ما في فسحة على وزن الغرور بنصر مخادع ينمُّ عن ضعف الشخصية واقتصارها على الحلول التافهة تفاهةَ مكايد الشيطان، أليست فيه حلول بغير القطيعة؟ فقواميس شرح الخصومات مملوءة بالبدائل في الصلح، والحلول موجودة بل تُحضر نفسها بنفسها فقط بوفرة عملة التقوى وستأتي الحلول طائعة!
إذًا لماذا الكره والحقد والحسد؟ لماذا هذه الضغينة؟ هل فعلاً فيها راحة وطمأنينة وسعادة؟ وإن كانت كذلك فما هو مَذاقها؟ أظنه كطعم العلقَم أمر في صحن الوهن ليس إلا.
أتخيل بداية كل علاقة أُخوية كالعسل المصفى سائغًا للشاربين من مشارب الأخوة والحب في الله، لتتحول إلى رماد برذاذ الفشل وخيبة الأمل يُطفِئ مصباح العلاقة إلى ختام مسار الفناء.
لماذا التهور في اتباع خطوات الشيطان وعملاء الشيطان من المفسدين الموقِعين للخصومة؟ فالشيطان توعَّد أن يغري العباد إلا المخلصين، فلنكن نحن المخلصين لنلف مكايد الشيطان.
في عقدة الوقوع في فخِّ الفشل، وبالمثل نطبِّق هذه السياسة مع العدو، بعد أن نكون قد عرفنا جيدًا من هو العدو الحقيقي لنا؟ تعريفه سهل ممتنع، العدو باختصار هو كل من يعادي ويحارب الإسلام والقرآن والعروبة وسنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم.
فلو نظرنا إلى عقولنا فإن حركةً تُزاحِم الأفكار غير متوقِّفة من غير شرطي تنظيم دورة الفِكر والتخمين الطليقة بأجنحة التحلق في كل مكان وبحرية الرأي والتعبير، ولو نظرنا إلى قلوبنا سنَجدها تَنبض بنبض الحب لكل ما هو جميل من أننا هنا لنحب وليس لنكره، فثقافة العيش الرغيد في رخاء السماحة مكتوب بعنوان كبير من أن الصفحَ مِن شيَم الأتقياء.
فلما بعُد هذا الزخم الهائل من الحضارة في الفِكر والمشاعر نسمَح لشوارد التنكُّر لتُحلِّق عاليًا في سماء كبريائنا، أليس هذا تناقضًا واختلافًا لما تُكنُّه صدورنا وتقرّه ألسنتنا بلغة الفصاحة والصدق؟ ثم أليس صرح الأمة يُبنى بسواعد الثقة والإيثار وليس بسواعد الخيانة واللف والدوران مرة للكذب ومرة للخديعة، كفانا لفًّا ودورانًا؛ لأن مصير أمتنا الآن هو في لفة المجهول، الذي لا نَدري متى الخلاص منه؛ لأن براكين الثورات في كل مكان تقريبًا من أرض الإسلام والسلام، أظنه لن يكون فيه خلاص حتى تُصفَّى سرائرنا، وتَصدُق أقوالنا، وتصح أعمالنا بنيات التوكُّل على الله، وليس بتواكُل الضمير بذريعة الفساد.
أليسَت عجلة طاحونة الماء تُدار باتجاه الأمام لتضخَّ الماء في زرع الأمل حتى يقطفه أبناء البلدة بأنامل أصيلة ليس فيها أنامل دخيلة وهو من تمام الأصالة، فلماذا الآن نُدير عجلة الطاحونة في الاتجاه المعاكس ليَنعكِس المصير وبالاً على أهله، فيُصبِح الليل نهارًا والنهار ليلاً في ظلمات العودة إلى الوراء؟
نحن أمة لا تَعرف العودة للوراء أو حتى مجرد التفكير في ذلك؛ لأنها أمة تحب السير قدمًا للأمام، فحتى مجرد الالتفات يَمنةً ويَسرة غير موجود في أجندتها؛ لأنه ليس هناك وقت تُضيِّعه، فقط أبناء هذه الأمة يلتفتون يمنة ويسرة لختام الصلاة ليس إلا، وليس ختام مصيرها وما صنعته أيديهم وما نقشتْه أقلامهم؛ حتى لا يكونوا كالتي نقضَت غزلها من بعد قوة أنكاثًا.
إذًا نحن كبار، ليس كبر السن، إنما كبر الشخصية وقوتها فينا، بالتفكير الذكي وحبِّ لعب أدوار البطولة حينما يَستدعي الأمر ذلك، وإني أرى أنه من سمات قوة الشخصية الترفُّع عن كل أنواع النزاعات لأنها صبيانية في مُستواها.
نصيحتي أن يتذكَّر كل مَن يسري في عروقه دم العروبة والإسلام أنه ينتمي لسلالة الفاروق عمر - رضي الله عنه - وخالد بن الوليد وحمزة بن عبدالمطلب ولا ينتمي لسلالة الجُبناء في اصطلاح الضعف والتردد.
أما أنتنَّ أخواتي الفاضلات، اقتدين بالصحابيات اللواتي شاركْن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - غزواته، أم سلمة في صلح الحديبية، وأم سليم بنت ملحان في حنين وكانت وقتها حاملاً بابنِها عبدالله، وأم عمارة في معركة اليمامة، والخنساء في معركة القادسية، والرميصاء في أحد، وجويرية بنت أبي سفيان في معركة اليرموك، وخولة بنت الأزور في فتوحات الشام، ورفيدة الأنصارية في معركة الخندق.
في الختام:
ليس لدينا وقت نُضيِّعه في الخصام، فمن الشجاعة أن نُعادي الخصام للأبد؛ لأننا لسنا أولياء الشيطان حتى يَهجُر بعضنا البعض دهرًا، وإلا كيف سنُقابل الله ونأمل في شفاعة الحبيب المصطفى؟!
صرختي إليكم: نكون أو لا نكون.